للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكُلُّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَزْمَانًا مُتَوَفِّرَةً يَسْتَحْصِلُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنْ الذِّكْرِ وَالْعِبَادَاتِ (وَفَقْدُ حَلَاوَتِهَا) لِلِامْتِلَاءِ (وَخَطَرُ الْوُقُوعِ فِي الشُّبْهَةِ) لِمَا أَنَّ حُبَّهُ لِذَلِكَ يُوقِعُهُ فِيهَا (وَ) رُبَّمَا يُوقِعُهُ عِنْدَ ضَعْفِ دِينِهِ فِي (الْحَرَامِ) أَيْضًا وَفِي الصَّحِيحِ «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي الرَّجُلُ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَ الْمَالَ أَمِنْ حَلَالٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ» (وَكَثْرَةُ شُغْلِ الْقَلْبِ وَالْبَدَنِ بِالتَّحْصِيلِ أَوَّلًا ثُمَّ بِالتَّهْيِئَةِ ثَانِيًا ثُمَّ الْأَكْلِ ثَالِثًا ثُمَّ بِإِفْرَاغِهِ وَالتَّخَلُّصِ عَنْهُ بِالِاخْتِلَافِ) وَالتَّرَدُّدِ (إلَى الْخَلَاءِ رَابِعًا ثُمَّ بِالسَّلَامَةِ مِنْ الْأَمْرَاضِ الْمُتَوَلِّدَةِ عَنْ الشِّبَعِ خَامِسًا) لِمَا بَيَّنَّاهُ أَيْضًا آنِفًا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْعَارِفِينَ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بَيَانَ خِسَّةِ الدُّنْيَا فَقَالَ لِمَلِكٍ أَرَأَيْت لَوْ مَنَعْت عَنْك شَرْبَةَ مَاءٍ وَقَدْ بَلَغَ بِك الظَّمَأُ إلَى أَنْ تَمُوتَ إلَّا بِنِصْفِ مُلْكِك أَمَا تَبْذُلُهُ قَالَ بَلَى قَالَ أَرَأَيْت إنْ لَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُ فَضَلَاتِك مِنْك إلَّا بِبَذْلِ النِّصْفِ الثَّانِي قَالَ أَبْذُلُهُ قَالَ فَلَا أَسَفَ عَلَى مُلْكٍ يُقَابِلُ شَرْبَةَ مَاءٍ كَمَا نَقُلْ عَنْ الْمَوَاهِبِ (وَالسُّؤَالُ أَوْ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَكَيْفَ وَصَلَ إلَيْهِ وَكَيْفَ أَنْفَقَهُ إنْ كَانَ مِنْ الْحَلَالِ وَالْعَذَابُ أَيْضًا إنْ مِنْ الْحَرَامِ (وَخَوْفُ الدُّخُولِ فِي وَعِيدِ قَوْله تَعَالَى - {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف: ٢٠]- وَشِدَّةُ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ إذْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّ شِدَّةَ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ عَلَى قَدْرِ لِذَاتِ الْحَيَاةِ) الْعَاجِلَةِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الَّذِينَ يُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا مَعَ أَنَّ الْآخِرَةَ خَيْرٌ وَأَبْقَى

وَقَدْ قِيلَ إنَّ الْحُجُبَ الْمَانِعَةَ عَنْ وِصَالِهِ تَعَالَى أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ حِجَابُ الْمَالِ وَيَرْتَفِعُ ذَلِكَ بِتَفْرِيقِهِ إلَّا قَدْرَ الضَّرُورَةِ وَمَنْ لَهُ دِرْهَمٌ وَاحِد يَلْتَفِتُ إلَيْهِ قَلْبُهُ فَهُوَ مَحْجُوبٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى الثَّانِي حِجَابُ الْجَاهِ وَرَفْعُهُ بِالْبُعْدِ عَنْ مَوْضِعِ الْجَاهِ وَبِإِيثَارِ الْخُمُولِ وَبِأَعْمَالٍ تُنَفِّرُ الْخَلْقَ كَمَا نُقِلَ عَنْ السَّلَفِ الثَّالِثُ حِجَابُ التَّقْلِيدِ وَرَفْعُهُ بِتَرْكِ التَّعَصُّبِ لِلْمَذَاهِبِ الرَّابِعُ حِجَابُ الْمَقَاصِدِ النَّفْسَانِيَّةِ وَرَفْعُهُ تَرْكُ كُلِّ مَعْبُودٍ سِوَى اللَّهِ سِيَّمَا الْهَوَى - {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية: ٢٣]- وَبَعْدَ رَفْعِ هَذِهِ الْحُجُبِ يَتَحَصَّنُ بِأَرْبَعَةٍ الْأَوَّلُ الْجُوعُ فَإِنَّهُ يُنْقِصُ دَمَ الْقَلْبِ وَيُبَيِّضُهُ وَفِي بَيَاضِهِ نُورُهُ وَيُذْهِبُ شَحْمَ الْفُؤَادِ وَفِيهِ رِقَّتُهُ وَرِقَّتُهُ مِفْتَاحُ الْمُكَاشَفَةِ وَمَتَى نَقَصَ دَمُ الْقَلْبِ ضَاقَ مَسْلَكُ الْعَدُوِّ الثَّانِي السَّهَرُ فَإِنَّهُ يُجْلِي الْقَلْبَ وَيُصَفِّيهِ وَيُنَوِّرُهُ وَإِذَا انْضَمَّ إلَيْهِ صَفَاءُ الْجُوعِ يَصِيرُ الْقَلْبُ كَالْكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ وَالْمِرْآةِ الْمَجْلُوَّةِ فَيَلُوحُ فِيهِ جَمَالُ الْحَقِّ وَيُشَاهَدُ فِيهِ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ وَالسَّهَرُ نَتِيجَةُ الْجُوعِ فَإِنَّهُ مَعَ الشِّبَعِ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَالنَّوْمُ يُقَسِّي الْقَلْبَ وَيُمِيتُهُ إلَّا إذَا كَانَ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ فَيَكُونُ سَبَبَ الْمُكَاشَفَةِ لِأَسْرَارِ الْغَيْبِ الثَّالِثُ الصَّمْتُ وَيُسَهِّلُهُ الْعُزْلَةُ وَلَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ فَإِنَّ الْكَلَامَ يُشْغِلُ الْقَلْبَ وَيُثْقِلُ التَّجَرُّدَ لِلذِّكْرِ وَالْفِكْرِ الرَّابِعُ الْخَلْوَةُ وَفَائِدَتُهَا دَفْعُ الشَّوَاغِلِ وَضَبْطُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ إلَّا قَدْرَ الضَّرُورَةِ وَإِذَا سَدَّ الْحَوَاسَّ تَتَفَجَّرُ يَنَابِيعُ الْغَيْبِ مِنْ حِيَاضِ الْمَلَكُوتِ وَتَنْصَبُّ إلَى الْقَلْبِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْجُلُوسِ فِي مَكَان مُظْلِمٍ وَإِلَّا فَيَلُفُّ رَأْسَهُ فِي الْجَيْبِ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَسْمَعُ نِدَاءَ الْحَقِّ وَيُشَاهِدُ جَلَالَ حَضْرَةِ الرُّبُوبِيَّةِ وَبَعْدَ التَّحَصُّنِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ يَقْطَعُ عَقَبَاتِ الْقَلْبِ الَّتِي سَبَبُهَا الِالْتِفَاتُ إلَى الدُّنْيَا، وَإِذَنْ حَصَلَ قَلْبُهُ مَعَ اللَّهِ وَتَجَلَّى لَهُ الْحَقُّ وَظَهَرَ لَهُ مِنْ لَطَائِفِ رَحْمَةِ اللَّهِ مَا لَا يَجُوزُ وَصْفُهُ بَلْ لَا يُحِيطُ الْوَصْفُ بِهِ أَصْلًا

[بَعْضَ مَا وَرَدَ فِي ذَمِّ الشِّبَعِ وَكَثْرَةِ الْأَكْلِ وَالتَّنَعُّمِ]

(وَلْنَذْكُرْ بَعْضَ مَا وَرَدَ فِي ذَمِّ الشِّبَعِ وَكَثْرَةِ الْأَكْلِ وَالتَّنَعُّمِ " دُنْيَا " عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -) وَعَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>