أَبَوَيْهَا (أَنَّهَا قَالَتْ أَوَّلُ مَا حَدَثَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا الشِّبَعُ) مُلَازَمَتُهُ وَالْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ فِي عَهْدِهِ فِي وَقْتٍ مَا أَوْ حَالٍ مَا بِلَا دَوَامٍ (فَإِنَّ الْقَوْمَ لَمَّا شَبِعَتْ بُطُونُهُمْ سَمِنَتْ أَبْدَانُهُمْ) وَالسِّمَنُ مَذْمُومٌ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ آخِرُهُ وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ (وَضَعُفَتْ قُلُوبُهُمْ) لِأَنَّ السِّمَنَ لَا يَحْدُثُ فِيمَنْ لَهُ شُغْلٌ دِينِيٌّ وَخَوْفٌ قَلْبِيٌّ فَإِنَّهُ يُذِيبُ الْبَدَنَ وَلِذَا قِيلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ مَا أَفْلَحَ سَمِينٌ قَطُّ إلَّا إنْ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَفِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَكْرَهُ الْجَسَدَ السَّمِينَ» نُقِلَ عَنْ الْمَوَاهِبِ لَكِنَّ الْحَقَّ مَا قَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ السِّمَنُ بِقَصْدِهِ وَصُنْعِهِ فَمَذْمُومٌ وَإِلَّا فَلَا إذْ لَا مُؤَاخَذَةَ فِي اضْطِرَارِيَّةٍ وَأَنَا أَقُولُ فَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ لِتَقَوٍّ لِلْعِبَادَةِ أَوْ الْمَرْأَةِ لِتَحْصِيلِ الْجَمَالِ لِحُبِّ زَوْجِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُمْنَعَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَجَمَحَتْ) بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ غَلَبَتْ (شَهَوَاتُهُمْ) عَلَيْهِمْ فَمَلَكَتْهُمْ فَوَقَعُوا فِيمَا وَقَعُوا فَكَأَنَّهُمْ عَبِيدُ الشَّهَوَاتِ وَأَسْرَى الْهَوَى (ت عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهُ تَجَشَّأَ» أَيْ أَخْرَجَ الْجُشَاءَ مِنْ صَدْرِهِ كَثِيرًا وَهُوَ رِيحٌ يَخْرُجُ مِنْ الصَّدْرِ عِنْدَ امْتِلَاءِ الْمَعِدَةِ مِنْ الطَّعَامِ «رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ كُفَّ عَنَّا جُشَاكَ» عَلَى وَزْنِ غُرَابٍ ظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ خِلَافَ مَنْ قَيَّدَهُ بِالْكَثْرَةِ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ الْجُشَاءِ وَعَنْ سَبَبِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ «فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا أَطْوَلُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَلَا يَشْكُلُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ الَّتِي يَدُورُ التَّكْلِيفُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ كَوْنَ نَفْسِ الْجُشَاءِ ضَرُورِيًّا فِي عُمُومِ الْأَوْقَاتِ لِعُمُومِ الْأَشْخَاصِ لَكِنَّ سَبَبَهُ الْغَالِبَ الَّذِي هُوَ الشِّبَعُ وَالِامْتِلَاءُ مِنْ الْفِعْلِ الِاخْتِيَارِيِّ.
(خ م عَنْ نَافِعٍ) مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ تَابِعِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - (أَنَّهُ كَانَ ابْنُ عُمَرَ) كِلْمَةُ كَانَ تُشْعِرُ بِالِاسْتِمْرَارِ (لَا يَأْكُلُ) طَعَامًا (حَتَّى يُؤْتَى بِمِسْكِينٍ يَأْكُلُ مَعَهُ فَأَدْخَلْت عَلَيْهِ رَجُلًا يَأْكُلُ مَعَهُ فَأَكَلَ) ذَلِكَ الرَّجُلُ (كَثِيرًا فَقَالَ) بَعْدَ ذَهَابِهِ (يَا نَافِعُ لَا تُدْخِلْ هَذَا عَلَيَّ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ) - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (يَقُولُ «الْمُسْلِمُ يَأْكُلُ فِي مِعًى» ) بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَالْقَصْرِ ( «وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» ) لَا يَقْنَعَانِ بِمَا يَقْنَعُ بِهِ الْمُسْلِمُ بَلْ هُمَا حَرِيصَانِ عَلَى الْأَكْلِ قِيلَ الْمُرَادُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute