مِنْهُمَا خَاصٌّ.
وَقِيلَ عَامٌّ لَكِنَّهُ غَالِبِيٌّ أَوْ هُوَ تَمْثِيلٌ لِاقْتِصَارِ الْمُسْلِمِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ فَكَأَنَّهُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ لِشَرَاهَتِهِ كَأَنَّهُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةٍ ثُمَّ الْعَاقِلُ الْمُسْلِمُ أَنْ يُوصَفَ بِمَا وَصَفَهُ النَّبِيُّ لِلْمُسْلِمِ لَا بِمَا وَصَفَهُ لِلْمُنَافِقِ وَالْكَافِرِ فَهَلْ يَلِيقُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَّصِفَ بِصِفَةِ الْكَافِرِ ثُمَّ الظَّاهِرُ التَّقْيِيدُ بِالْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ فِي مَحَلِّهَا مِنْ تَجْوِيزِهِ لِأَجْلِ تَقَوِّي الطَّاعَةِ وَتَطْيِيبِ الْمُسَافِرِ وَنَحْوِهِمَا (ت عَنْ مِقْدَادِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَا مَلَأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ» فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ بَطْنِهِ بِالضَّمِيرِ.
قَالَ فِي شَرْحِهِ لِمَا فَاتَهُ مِنْ خُيُورٍ كَثِيرَةٍ جَعَلَ الْبَطْنَ وِعَاءً كَالْأَوْعِيَةِ الَّتِي تُتَّخَذُ ظُرُوفًا تَوْهِينًا لِشَأْنِهِ ثُمَّ جَعَلَهُ شَرَّ الْأَوْعِيَةِ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَا هِيَ لَهُ وَالْبَطْنُ خُلِقَ لَأَنْ يَتَقَوَّمَ بِهِ الصُّلْبُ بِالطَّعَامِ وَامْتِلَاؤُهُ يُفْضِي إلَى فَسَادِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا فَيَكُونُ شَرًّا مِنْهَا وَالشِّبَعُ يَزِيغُ عَنْ الْحَقِّ وَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الْكَسَلُ فَيَمْنَعُهُ مِنْ التَّعَبُّدِ وَيُكْثِرُ فِيهِ مَوَادَّ الْفُضُولِ فَيَكْثُرُ غَضَبُهُ وَشَهْوَتُهُ وَيَزِيدُ حِرْصُهُ فَيُوقِعُهُ فِي طَلَبِ مَا زَادَ عَلَى الْحَاجَةِ قَالَ بَعْضٌ الشِّبَعُ نَهْرٌ يَرِدُهُ الشَّيْطَانُ وَالْجُوعُ نَهْرٌ فِي الرُّوحِ تَرِدُهُ الْمَلَائِكَةُ «بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ» الْبَاءُ مَزِيدَةٌ أَيْ يَكْفِيهِ «لُقَيْمَاتٌ» .
وَفِي الْجَامِعِ أَكَلَاتٌ أَيْ يَكْفِيهِ هَذَا الْقَدْرُ فِي سَدِّ الرَّمَقِ وَإِبْقَاءِ الْقُوَّةِ وَلِهَذَا قَالَ «يُقِمْنَ صُلْبَهُ» أَيْ ظَهْرَهُ تَسْمِيَةً لِلْكُلِّ بِاسْمِ جُزْئِهِ إذْ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الظَّهْرِ فِيهِ فَقَارٌ فَهُوَ صُلْبٌ كِنَايَةً عَنْ أَنَّهُ لَا يَتَجَاوَزُ مَا يَحْفَظُهُ مِنْ السُّقُوطِ وَيَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ قَالَ الْغَزَالِيُّ صِيغَةُ جَمْعِ الْقِلَّةِ لِلْإِشَارَةِ إلَى مَا دُونَ الْعَشَرَةِ «فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ» مِنْ التَّجَاوُزِ عَمَّا ذُكِرَ فَلْتَكُنْ أَثْلَاثًا «فَثُلُثٌ» أَيْ ثُلُثُ بَطْنِهِ يَجْعَلُهُ «لِطَعَامِهِ» مَأْكُولُهُ «وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ» يَدَعُهُ «لِنَفَسِهِ» بِالتَّحْرِيكِ يَعْنِي يُبْقِي مِنْ مِلْئِهِ قَدْرَ الثُّلُثِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّنَفُّسِ وَيَحْصُلُ لَهُ نَوْعُ صَفَاءٍ وَرِقَّةٍ وَهَذِهِ غَايَةُ مَا يَنْفَعُ لِلْبَدَنِ وَالْقَلْبِ فَإِنْ بِالشِّبَعِ ضَاقَ النَّفَسُ وَعَرَضَ الْكَرْبُ وَالثِّقَلُ وَلَمَّا كَانَ فِي الْإِنْسَانِ ثَلَاثَةُ أَجْزَاءٍ أَرْضِيٍّ وَمَائِيٍّ وَهَوَائِيٍّ قَسَّمَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَنَفَسَهُ إلَى الْأَجْزَاءِ الثَّلَاثَةِ وَتَرَكَ النَّارِيَّ لِقَوْلِ جَمْعٍ مِنْ الْأَطِبَّاءِ لَيْسَ فِي الْبَدَنِ جُزْءٌ نَارِيٌّ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَوْ سَمِعَ بُقْرَاطُ هَذِهِ الْقِسْمَةَ لَعَجِبَ مِنْ هَذِهِ الْحِكْمَةِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ ذُكِرَ هَذَا الْحَدِيثُ لِبَعْضِ الْفَلَاسِفَةِ فَقَالَ مَا سَمِعْت كَلَامًا فِي قِلَّةِ الْأَكْلِ أَحْكَمَ مِنْهُ وَإِنَّمَا خَصَّ الثَّلَاثَةَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا أَسْبَابُ حَيَاةِ الْحَيَوَانِ.
(تَنْبِيهٌ) الْجُوعُ اخْتِيَارِيٌّ وَهُوَ جُوعُ السَّالِكِينَ أَوْ اضْطِرَارِيٌّ وَهُوَ جُوعُ الْمُحَقِّقِينَ فَإِنَّ الْمُحَقِّقَ لَا يُجَوِّعُ نَفْسَهُ بَلْ يُقَلِّلُ أَكْلَهُ إنْ كَانَ فِي مَقَامِ الْأُنْسِ وَإِنْ كَانَ فِي مَقَامِ الْهَيْبَةِ كَثُرَ أَكْلُهُ فَكَثْرَةُ الْأَكْلِ لِلْمُحَقِّقِينَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ سَطَوَاتِ أَنْوَارِ الْحَقِيقَةِ عَلَى قُلُوبِهِمْ بِحَالِ الْعَظَمَةِ مِنْ مَشْهُودِهِمْ، وَقِلَّةُ الْأَكْلِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْمُحَادَثَةِ بِحَالِ الْمُؤَانَسَةِ مِنْ مَشْهُودِهِمْ وَكَثْرَةُ الْأَكْلِ لِلسَّالِكِينَ دَلِيلٌ عَلَى بُعْدِهِمْ مِنْ اللَّهِ وَبُعْدِهِمْ عَنْ بَابِهِ وَاسْتِيلَاءِ النَّفْسِ الشَّهْوَانِيَّةِ الْبَهِيمَةِ عَلَيْهِمْ، وَقِلَّةُ الْأَكْلِ لَهُمْ دَلِيلٌ عَلَى نَفَحَاتِ الْجَوْدَةِ الْإِلَهِيِّ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَيَشْغَلُهُمْ ذَلِكَ عَنْ تَدْبِيرِ جُسُومِهِمْ، وَالْجُوعُ بِكُلِّ حَالٍ سَبَبٌ إلَى نَيْلِ عَظِيمِ الْأَحْوَالِ وَالْأَسْرَارِ مَا لَمْ يُفْرِطْ فَإِنَّ إفْرَاطَهُ يُؤَدِّي إلَى فَسَادِ الْمِزَاجِ وَضَعْفِ الْعَقْلِ (طب دُنْيَا عَنْ جَعْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا عَظِيمَ الْبَطْنِ فَقَالَ بِأُصْبُعِهِ لَوْ كَانَ هَذَا» إشَارَةٌ إلَى مَا فِي الْبَطْنِ مِنْ الطَّعَامِ «فِي غَيْرِ هَذَا» الْبَطْنِ أَيْ فِي بَطْنِ رَجُلٍ آخَرَ «لَكَانَ خَيْرًا لَك» لِمَا فِيهِ مِنْ ثَوَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لَوْ كَانَ الِامْتِلَاءُ بِالْمَعَارِفِ لَكَانَ خَيْرًا لِمَا فِيهِ مِنْ النَّفْعِ الْبَدَنِيِّ وَالدِّينِيِّ (دُنْيَا عَنْ ابْنِ بُجَيْرٍ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْجِيمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ وَهْبٍ الْأَنْصَارِيُّ لَهُ رُؤْيَةٌ وَذَكَرَهُ بَعْضٌ فِي الصَّحَابَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute