للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَهُ حَدِيثُ مُرْسَلٌ (أَنَّهُ قَالَ «أَصَابَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُوعٌ يَوْمًا فَعَمَدَ إلَى حَجَرٍ فَوَضَعَهُ عَلَى بَطْنِهِ» وَرَبَطَهُ بِهِ لِئَلَّا يَتَقَوَّسَ الظَّهْرُ وَلِئَلَّا تَأْكُلَ الْمَعِدَةُ نَفْسَهَا أَوْ لِحُكْمٍ آخَرَ «ثُمَّ قَالَ أَلَا رُبَّ مُهِينٍ لِنَفْسِهِ وَهُوَ» فِي الْحَقِيقَةِ «لَهَا مُكْرِمٌ» لِأَنَّ النَّفْسَ إنَّمَا تَصِلُ إلَى الْكَرَامَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ بِالْإِهَانَةِ لَهَا وَتَرْكِ لَذَّاتِهَا وَكَسْرِ شَهَوَاتِهَا وَكَبْحِ مُيُولَاتِهَا وَمَنْعِ تَشَهِّيهَا.

(م عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «طَعَامُ الْوَاحِدِ» مِقْدَارُ مَا يُشْبِعُهُ «يَكْفِي الِاثْنَيْنِ» مِقْدَارُ قُوتِهِمَا «وَطَعَامُ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الْأَرْبَعَةَ وَطَعَامُ الْأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ» فَشِبَعُ الْوَاحِدِ قُوتُ الِاثْنَيْنِ وَشِبَعُ الِاثْنَيْنِ قُوتُ الْأَرْبَعَةِ وَالْأَرْبَعَةِ لِلثَّمَانِيَةِ وَعَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْإِخْبَارُ فَمُشْكِلٌ إذْ طَعَامُ الْوَاحِدِ لَا يَكْفِي الِاثْنَيْنِ وَهَكَذَا وَالْجَوَابُ أَنَّهُ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ أَيْ أَطْعِمُوا طَعَامَ الْوَاحِدِ لِلِاثْنَيْنِ وَهَكَذَا وَهَكَذَا أَوْ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ يَقُوتُ الِاثْنَيْنِ وَأَخْبَرَنَا بِذَلِكَ لِئَلَّا نَجْزَعَ أَوْ مَعْنَاهُ طَعَامُ الْوَاحِدِ إذَا أَكَلَ وَحْدَهُ كَانَ لِاثْنَيْنِ مُجْتَمِعًا فَالْمُرَادُ الْحَثُّ عَلَى التَّقَنُّعِ بِالْكِفَايَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْحَصْرَ فِي مِقْدَارِ الْكِفَايَةِ بَلْ الْمُوَاسَاةَ.

قَالَ عُمَرُ عَامَ الرَّمَادَةِ لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أُنْزِلَ عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ مِثْلَ عَدَدِهِمْ فَإِنَّ الرَّجُلَ يَهْلِكُ عَلَى نِصْفِ بَطْنِهِ وَاسْتُنْبِطَ مِنْهُ أَنَّ السُّلْطَانَ فِي الْمَسْغَبَةِ يُفَرِّقُ الْفُقَرَاءَ عَلَى أَهْلِ السَّعَةِ بِقَدْرِ مَا يَحِيقُ بِهِمْ قِيلَ فِيهِ نَدْبُ الْمُوَاسَاةِ وَأَنَّهُ تَعَالَى يَجْعَلُ فِيهِ الْبَرَكَةَ فَالْمَعْنَى أَنَّ الَّذِي يُشْبِعُ الْوَاحِدَ يَرُدُّ جُوعَ الِاثْنَيْنِ وَفِيهِ حَثٌّ عَلَى الْمُوَاسَاةِ وَالْمُرُوءَةِ وَعَدَمِ الِاسْتِبْذَارِ وَتَجَنُّبِ الْبُخْلِ وَالشِّبَعِ (دُنْيَا طكط عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا «سَيَكُونُ رِجَالٌ» إمَّا لِكَوْنِهِمْ مَتْبُوعِينَ لِلنِّسَاءِ أَوْ تَغْلِيبٌ أَوْ عُمُومُ مَجَازٍ بِمَعْنَى بَشَرٍ أَوْ إنْسَانٍ أَوْ مُقَايَسَةٌ أَوْ دَلَالَةُ نَصٍّ أَوْ حَذْفُ الْعَاطِفِ مَعَ الْمَعْطُوفِ مِنْ قَبِيلِ {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: ٨١] كَمَا فِي أَمْثَالِهِ «مِنْ أُمَّتِي يَأْكُلُونَ أَلْوَانَ الطَّعَامِ» فَأَكْلُ الْأَلْوَانِ أَيْ الْأَنْوَاعِ بِدْعَةٌ لَكِنْ قَدْ سَبَقَ وَحَكَى بَعْضٌ فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ التَّجْوِيزِ وَفِعْلُ بَعْضِ السَّلَفِ مُقَيَّدٌ بِمَصْلَحَةٍ كَالتُّقَا لِنَفْعِ الْبَدَنِ وَكَكَوْنِ التَّشَهِّي بِالْمَجْمُوعِ بِحَيْثُ يَكُونُ الْمَجْمُوعُ غَيْرَ مُتَجَاوِزِ الشِّبَعِ أَوْ كَكَوْنِ الْأَكْلَةِ كَثِيرَةً «وَيَشْرَبُونَ أَلْوَانَ الشَّرَابِ وَيَلْبَسُونَ أَلْوَانَ الثِّيَابِ وَيَتَشَدَّقُونَ» التَّكَلُّفَ فِي الْفَصَاحَةِ «فِي الْكَلَامِ فَأُولَئِكَ شِرَارُ أُمَّتِي» .

قِيلَ الْحُكْمُ بِالشِّرَارِ مَعَ إبَاحَةِ الْأَصْلِ غَيْرُ الْأَخِيرِ لِكَوْنِهِ مُؤَدِّيًا إلَى الشُّرُورِ وَالْمَعَاصِي وَمُقَدِّمَاتِهَا كَأَنَّهُ يَقُولُ لِلْوَسَائِلِ أَحْكَامُ الْمَقَاصِدِ لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّرَارِيَّةَ تَمْنَعُ الْإِبَاحَةَ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْإِفْضَاءِ يَعْنِي الشَّرَارِيَّةَ مَا يَكُونُ مُفْضِيًا وَمَا لَا فَلَا بَعِيدٌ عَنْ إطْلَاقِ النَّصِّ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ بِحَيْثُ يَكُونُ لِكُلِّ جُزْءٍ مَدْخَلٌ فِي الشَّرَارِيَّةِ ضَعِيفٌ أَيْضًا أَوْ الْمَعْنَى فَبَعْضُ أُولَئِكَ مِنْ شِرَارِ أُمَّتِي لَعَلَّ الْوَجْهَ أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الرَّابِطَةَ الْفِعْلِيَّةَ لَكِنَّهُ اتَّفَقَ فِي الْخَارِجِ أَنَّ مَنْ عَنَاهُمْ كَذَلِكَ أَكْثَرُهُمْ يَتَّفِقُ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ وَإِنْ كَانَ أَعْظَمُ شُرُورِهِمْ مِنْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ كَالظَّلَمَةِ وَالْجَبَابِرَةِ فَمِنْ قَبِيلِ الْمُعْجِزَاتِ الْوَاقِعَةِ فِي إخْبَارِ الْغَيْبِ أَوْ يَفْعَلُ كُلَّ ذَلِكَ بِأَغْرَاضٍ فَاسِدَةٍ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ الْمُنَاوِيُّ وَالْوَاحِدُ مِنْ هَؤُلَاءِ يُطَوِّلُ أَكْمَامَهُ وَيَجُرُّ أَذْيَالَهُ تِيهًا وَعُجْبًا مُصْغِيًا إلَى مَا يَقُولُ النَّاسُ لَهُ وَفِيهِ شَاخِصًا إلَى مَا يَنْظُرُونَ إلَيْهِ مِنْهُ قَدْ عَمِيَ بَصَرُهُ وَبَصِيرَتُهُ عَنْ النَّظَرِ إلَى صُنْعِ اللَّهِ وَتَدْبِيرِهِ وَصُمَّ سَمْعُهُ عَنْ مَوَاعِظِ اللَّهِ يَقْرَأُ كَلَامَ اللَّهِ وَلَا يَتَلَذَّذُ بِهِ وَلَا يَجِدُ لَهُ حَلَاوَةً كَأَنَّهُ إنَّمَا عُنِيَ بِذَلِكَ غَيْرُهُ فَكَيْفَ يَتَلَذَّذُ بِمَا كُلِّفَ بِهِ غَيْرُهُ وَإِنَّمَا صَارَ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ اسْمُهُ خَاطَبَ أُولِي الْعُقُولِ وَالْبَصَائِرِ وَالْأَلْبَابِ فَمَنْ ذَهَبَ عَقْلُهُ وَعَمِيَتْ بَصِيرَتُهُ فِي شَأْنِ نَفْسِهِ وَدُنْيَاهُ كَيْفَ يَفْهَمُ كَلَامَ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَيَتَلَذَّذُ بِهِ وَكَيْفَ يَجْلُو بَصَرُهُ وَهُوَ يَرَى صِفَةَ غَيْرِهِ ثُمَّ قِيلَ الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ وَقِيلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>