للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إخْوَانِهِ» وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ لَهُ صَدِيقٌ حَمِيمٌ لَا يُعَذَّبُ وَعَنْهُ أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنْ اكْتِسَابِ الْإِخْوَانِ وَأَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ وَيَنْبَغِي أَنْ يُثْنِيَ عَلَى صَدِيقِهِ وَعَلَى أَوْلَادِهِ وَفِعْلِهِ حَتَّى عَقْلِهِ وَخُلُقِهِ وَهِمَّتِهِ وَخَطِّهِ وَتَصْنِيفِهِ وَجَمِيعِ مَا يَفْرَحُ بِهِ بِلَا كَذِبٍ وَلَا إفْرَاطٍ وَيَشْكُرَ عَلَى صَنِيعِهِ فِي حَقِّهِ وَيَذُبَّ عَنْهُ فِي غَيْبَتِهِ مَهْمَا قُصِدَ بِسُوءٍ وَلَوْ كِنَايَةً أَوْ تَعْرِيضًا، وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مُحَافَظَةِ حُقُوقِ الْأُخُوَّةِ فَالْعُزْلَةُ أَوْلَى لَهُ مِنْ الْمُؤَاخَاةِ وَالْمُصَاحَبَةِ، فَإِنَّ حَقَّ الصُّحْبَةِ ثَقِيلٌ وَلَا يُطِيقُهُ إلَّا مُحَقِّقٌ وَلَا جَرَمَ أَجْرُهُ جَزِيلٌ وَلَا يَنَالُهُ إلَّا بِتَوْفِيقٍ.

وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِتَقْصِيرِهِ فِي حَقِّكَ فَالْوَاجِبُ الِاحْتِمَالُ وَالْعَفْوُ وَالصَّفْحُ وَالتَّعَامِي عَنْهُ وَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ فَذَهَبَ أَبُو ذَرٍّ إلَى الِانْقِطَاعِ وَرَأَى ذَلِكَ مِنْ الْبُغْضِ فِي اللَّهِ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ إلَى خِلَافِهِ قَالَ إذَا تَغَيَّرَ أَخُوك فَلَا تَدَعْهُ، فَإِنَّ أَخَاك يَعْوَجُّ مَرَّةً وَيَسْتَقِيمُ مَرَّةً أُخْرَى وَقَالَ النَّخَعِيُّ لَا تَقْطَعْ أَخَاك وَلَا تَهْجُرْهُ عِنْدَ الذَّنْبِ، فَإِنَّهُ يَرْتَكِبُهُ الْيَوْمَ وَيَتْرُكُهُ غَدًا وَكَمْ مِنْ أَخٍ زَلَّ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ عَلَيْهِ أَخُوهُ حَتَّى صَارَ بَاعِثًا عَلَى هِدَايَتِهِ. وَمِنْ آدَابِ الْأُخُوَّةِ أَنْ لَا يُكَلِّفَهُ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِ بَلْ يُرَوِّحَهُ عَنْ مُهِمَّاتِهِ وَحَاجَاتِهِ، وَلَا يَسْتَمِدَّ مِنْهُ نَحْوَ جَاهٍ وَمَالٍ، وَالْقِيَامُ بِحَقِّهِ، بَلْ لَا يَقْصِدُ بِمَحَبَّتِهِ إلَّا اللَّهَ تَعَالَى تَبَرُّكًا بِدُعَائِهِ وَاسْتِئْنَاسًا بِلِقَائِهِ وَاسْتِعَانَةً بِهِ عَلَى دِينِهِ وَتَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْقِيَامِ بِحُقُوقِهِ وَمُؤْنَتِهِ. وَتَمَامُهُ فِي مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ.

[فَتْحُ الْفَمِ عِنْدَ التَّثَاؤُبِ وَعَدَمُ دَفْعِهِ]

(وَمِنْهَا فَتْحُ الْفَمِ عِنْدَ التَّثَاؤُبِ وَعَدَمُ دَفْعِهِ " م " عَنْ ابْنِ سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى وَجْهِهِ» لِأَنَّهُ سَبَبُ الْكَسَلِ عَنْ الطَّاعَةِ وَالْحُضُورِ فِيهَا وَلِذَا صَارَ مَنْسُوبًا إلَى الشَّيْطَانِ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التَّثَاؤُبُ مِنْ الشَّيْطَانِ» (وَفِي رِوَايَةٍ «فَلْيَكْظِمْ» أَيْ لِيَدْفَعْ «مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ» فَاهُ إذَا فَتَحَهُ يَعْنِي يَغْلِبُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَدْفَعْ التَّثَاؤُبَ عَنْ نَفْسِهِ، فَإِنْ قِيلَ لَا يَخْفَى أَنَّ التَّثَاؤُبَ لَيْسَ بِاخْتِيَارِيٍّ بَلْ اضْطِرَارِيٌّ وَالتَّكْلِيفُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الِاخْتِيَارِيِّ قُلْنَا فَرْقٌ بَيْنَ نَفْسِ التَّثَاؤُبِ وَفَتْحِ الْفَمِ عِنْدَهُ، وَالِاضْطِرَارِيُّ لَوْ سُلِّمَ فَهُوَ الْأَوَّلُ وَالتَّكْلِيفُ إنَّمَا هُوَ بِالثَّانِي وَأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ نَهْيِ التَّثَاؤُبِ هُوَ النَّهْيُ عَنْ أَسْبَابِهِ الِاخْتِيَارِيَّةِ مُطْلَقًا كَكَثْرَةِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُهُ مَتْنًا وَشَرْحًا.

(وَمِنْهَا الْجُلُوسُ فِي الطَّرِيقِ إذَا لَمْ يُعْطِ) الْجَالِسُ (حَقَّهُ) حَقَّ الطَّرِيقِ وَإِلَّا فَلَا يُمْنَعُ، وَحَقُّ الطَّرِيقِ نَحْوُ غَضِّ الْبَصَرِ وَكَفِّ الْأَذَى كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ (خ م عَنْ) أَبِي سَعِيدٍ (الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «إيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ» يَعْنِي احْذَرُوا مِنْ الْجُلُوسِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْجَالِسَ فِيهَا قَلَّمَا يَسْلَمُ مِنْ رُؤْيَةِ مَا يَكْرَهُ وَسَمَاعِ مَا لَا يَحِلُّ وَالِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَوْرَاتِ وَمُعَايَنَةِ الْمُنْكَرَاتِ وَغَيْرِهَا «فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ» أَيْ مُفَارَقَةٌ «نَتَحَدَّثُ فِيهَا» بِبَعْضِ مُهِمَّاتِنَا فَمَا نَفْعَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>