فِي الْآفَاتِ الْقَلْبِيَّةِ
[الرَّابِعُ الْكَذِبُ]
(الرَّابِعُ) (الْكَذِبُ) هُوَ مِنْ قَبَائِحِ الذُّنُوبِ وَفَوَاحِشِ الْعُيُوبِ (وَهُوَ) عِنْدَ الْجُمْهُورِ (الْإِخْبَارُ عَنْ الشَّيْءِ عَلَى غَيْرِ مَا هُوَ عَلَيْهِ) فِي الْوَاقِعِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَنْ عَمْدٍ فَمَعْفُوٌّ بِدَلِيلِ يَمِينِ اللَّغْوِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: ٢٢٥] وَهِيَ حَلِفُهُ كَاذِبًا يَظُنُّهُ صَادِقًا كَمَا إذَا حَلَفَ أَنَّ فِي هَذَا الْكُوزِ مَاءً بِنَاءً عَلَى رُؤْيَتِهِ وَقَدْ أُرِيقَ وَلَمْ يَعْرِفْ لَكِنَّ قَوْلَهُ فَمَعْفُوٌّ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْفِقْهِيَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْفُوٍّ بَلْ هُوَ يُرْجَى عَفْوُهُ.
فَإِنْ قِيلَ الْمَفْهُومُ مِنْ الْآيَةِ هُوَ الْقَطْعُ قُلْنَا إنَّمَا تَدُلُّ قَطْعًا أَنْ أُرِيدَ قَطْعًا مِنْ اللَّغْوِ مَا ذَكَرَ كَيْفَ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ الْمُرَادُ مِنْ اللَّغْوِ مَا يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِهِ كَانَ يَقْصِدُ التَّسْبِيحَ فَيَجْرِيَ عَلَى لِسَانِهِ الْيَمِينُ كَمَا فِي الدُّرَرِ (وَإِنْ كَانَ عَنْ عَمْدٍ فَحَرَامٌ قَطْعِيٌّ) لِنَحْوِ قَوْله تَعَالَى - {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: ١٨]- (إلَّا فِي مَوَاضِعَ) قَلِيلَةٍ (عِنْدَ الْبَعْضِ وَسَيَجِيءُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى - {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: ١٠] مُؤْلِمٌ مِنْ الْأَلَمِ {بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة: ١٠] بِسَبَبِ كَ ذِبِهِمْ فَإِنَّ الْوَعِيدَ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى الْحَرَامِ لَكِنْ إنْ كَانَ هَذَا الْوَعِيدُ لِكَذِبٍ مَخْصُوصٍ لَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ إذْ الْمَطْلُوبُ هُوَ الْمُطْلَقُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ أَنَّ الْعِبْرَةَ عِنْدَنَا بِعُمُومِ الصِّيغَةِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ وَأَنَّ عِلَّةَ الْحُرْمَةِ عَامَّةٌ لِجَمِيعِ صُوَرِ الْكَذِبِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ فِيهِمَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ لَا أَقَلَّ مِنْ الِاحْتِمَالِ وَقَدْ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ لَا حُجَّةَ مَعَ الِاحْتِمَالِ لَا سِيَّمَا فِي الْمَطْلُوبِ الْيَقِينِيِّ لَا يُقَالُ إنَّ الدَّلِيلَ الظَّنِّيَّ إذَا كُثْرَ يُفِيدُ الْقَطْعَ كَمَا فُهِمَ مِنْ مَوَاضِعِ كِتَابِ الْمَقَاصِدِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُنَاسِبٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لَا عِنْدَنَا وَدَعْوَى اجْتِمَاعِ كُلِّ تِلْكَ الظُّنُونِ عَلَى أَنْ يَكُونَ كُلُّ ذَلِكَ أَجْزَاءً لِمُرَكَّبٍ وِجْدَانِيٍّ حَتَّى يَكُونَ مِنْ قَبِيلِ كَثْرَةِ الْأَجْزَاءِ بَعِيدٌ فَلَعَلَّ الْحَقَّ أَنَّ قَطْعِيَّةَ حُرْمَتِهِ ثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَمِثْلُ تِلْكَ النُّصُوصِ أَسَانِيدُ الْإِجْمَاعِ وَإِنْ حُمِلَ كُلُّ لَفْظٍ عَلَى تَبَادُرِهِ عَلَى وَجْهٍ يَمْتَنِعُ حَمْلُهُ عَلَى خِلَافِ وَاجِبٍ {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: ٣٠] أَيْ الْكَذِبَ {حُنَفَاءَ لِلَّهِ} [الحج: ٣١] أَيْ مَائِلِينَ عَنْ كُلِّ مَا عَدَا التَّوْحِيدَ مِنْ الْأَدْيَانِ فَإِنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ لِلْوُجُوبِ عِنْدَنَا وَقَدْ قُرِّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ ضِدَّ الْمَأْمُورِ بِهِ إنْ فَوَّتَ الْمَقْصُودَ بِالْأَمْرِ وَلَوْ مُتَعَدِّدًا فِي الْأَصَحِّ فَحَرَامٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْآيَةَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَافْهَمْ (حَدُّ) أَحْمَدُ (عَنْ أَبِي أُمَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ» بِالْبِنَاءِ لِغَيْرِ الْفَاعِلِ أَيْ يُجْبَلُ وَيُخْلَقُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِصَالِ «كُلِّهَا إلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ» فَالْكَذِبُ وَالْخِيَانَةُ وَإِنْ لَمْ يَرِدْ إيجَابُهُمَا الْكُفْرَ لَكِنَّ إيهَامَهُمَا ذَلِكَ لِزِيَادَةِ التَّخْوِيفِ وَالتَّهْدِيدِ لِقُوَّةِ دَلَالَتِهِ عَلَى الْحُرْمَةِ أَوْ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاسْتِحْلَالِ لَكِنْ لَا يَكُونُ حِينَئِذٍ مِنْ مُرَادِ الْمَقَامِ (يَعْلَى) أَبُو يَعْلَى (عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ صَرِيحَ الْإِيمَانِ» حَقِيقَتَهُ وَكَمَالَهُ «حَتَّى يَدَعَ الْمِزَاحَ» أَيْ الْمَذْمُومَ مِنْهُ أَوْ كَثْرَتَهُ «وَالْكَذِبَ وَيَدَعَ الْمِرَاءَ» بِالْكَسْرِ الْمُجَادَلَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute