للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا» لِمَا يُورِثُ مِنْهُ وَيُؤَدِّي إلَيْهِ مِنْ الْبُغْضِ وَالْفِتْنَةِ (حُبٌّ. عَنْ أَبِي بَرْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ إنَّ «الْكَذِبَ يُسَوِّدُ الْوَجْهَ فِي الدَّارَيْنِ»

لِأَنَّهُ يَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: ١٠٦]- قَالَ الْبَيْهَقِيُّ الْكَذِبُ مَرَاتِبُ أَعْلَاهُ فِي الْقُبْحِ وَالتَّحْرِيمِ الْكَذِبُ عَلَى اللَّهِ ثُمَّ رَسُولِهِ ثُمَّ كَذِبُ الْمَرْءِ عَلَى عَيْنِهِ فَلِسَانِهِ فَجَوَارِحِهِ وَكَذِبُهُ عَلَى وَالِدَيْهِ ثُمَّ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ أَغْلَظُ مِنْ غَيْرِهِ (وَالنَّمِيمَةُ) نَقْلُ الْكَلَامِ عَلَى وَجْهِ الْإِفْسَادِ (عَذَابُ الْقَبْرِ) مِنْ قَبِيلِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ (ت. عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا كَذَبَ الْعَبْدُ تَبَاعَدَ عَنْهُ الْمَلَكُ مِيلًا» ثُلُثُ الْفَرْسَخِ «مِنْ نَتْنِ» رَائِحَتِهِ الْكَرِيهَةِ «مَا جَاءَ بِهِ»

مِنْ الْكَذِبِ الْمُرَادُ مَلَكُ الرَّحْمَةِ وَالْحَفَظَةُ وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ نَتْنِ رِيحِهِ.

فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ لِلْقَوْلِ رِيحٌ قُلْنَا تَعَلُّقُ الرَّوَائِحِ بِالْأَجْسَامِ وَخَلْقُهَا فِيهَا عَادَةٌ لَا طَبِيعَةٌ فَإِذَا شَاءَ الْبَارِي خَلَقَهَا مَقْرُونَةً بِالْأَعْرَاضِ فَنُسِبَتْ إلَيْهَا وَأُخِذَ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تُدْرِك مِنْ الْآدَمِيِّ رِيحًا خَبِيثَةً عِنْدَ تَلَفُّظِهِ بِالْمَعْصِيَةِ وَهَلْ هَذِهِ الرِّيحُ حِسِّيَّةٌ أَوْ مَعْنَوِيَّةٌ احْتِمَالَانِ رَجَّحَ بَعْضٌ الْأَوَّلَ وَعَدَمَ إدْرَاكِنَا لِلْحِجَابِ فَيُدْرِكُ الْكَامِلُ وَيُؤَيِّدُهُ خَبَرُ أَحْمَدَ بْنِ جَابِرٍ «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَارْتَفَعَتْ رِيحٌ مُنْتِنَةٌ فَقَالَ أَتَدْرُونَ مَا هَذِهِ الرِّيحُ هَذِهِ رِيحُ الَّذِينَ يَغْتَابُونَ الْمُؤْمِنِينَ» وَأَخَذَ مِنْهُ جَمْعُ الصُّوفِيَّةِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْعَابِدِ أَنْ يُطَهِّرَ ظَاهِرَهُ وَبَاطِنَهُ لِئَلَّا يُؤْذِيَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْحَضْرَةِ الْآلِهِيَّةِ مِنْ أَنْبِيَاءَ وَمَلَائِكَةٍ وَأَوْلِيَاءَ بِنَتْنِ الرِّيحِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ الذُّنُوبِ سِيَّمَا الْفَمُ إذَا أُنْطِقَ بِمَا لَا يَحِلُّ فَإِنَّهُمْ يَشُمُّونَ رَائِحَةَ الْمُخَلَّفَاتِ وَلِهَذَا قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ وَاَللَّهِ لَوْ كَانَ النَّاسُ يَشُمُّونَ رِيحَ الْمَعَاصِي كَمَا أَشُمُّهَا مَا اسْتَطَاعَ أَحَدٌ أَنْ يُجَالِسَنِي مِنْ نَتْنِ رِيحِي وَاتَّفَقَ جَمِيعُ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ عَلَى قُبْحِ الْكَذِبِ حَتَّى الْكُفَّارُ كَمَا فِي الْكَشَّافِ.

(تَنْبِيهٌ)

الْعَالَمُ مَشْحُونٌ بِالْمَلَائِكَةِ وَأَذِيَّتُهُمْ وَأَذِيَّةُ مَوَاطِنِهِمْ كَالْمَسَاجِدِ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْنَا فَلَيْسَ فِي الْعَالَمِ مَوْضِعُ شِبْر إلَّا وَفِيهِ جَبْهَةُ مَلَكٍ فَالْعَالَمُ كُلُّهُ مَسْجِدٌ لَهُمْ فَأَذِيَّتُهُمْ بِالْمَعَاصِي وَرِيحِ الذُّنُوبِ وَإِكْرَامُهُمْ بِكَفِّ الْأَذَى عَنْهُمْ وَكَفُّ الْأَذَى بِتَرْكِ الْكَذِبِ وَكَشْفِ الْعَوْرَةِ وَالْقَبَائِحِ فَالْكَفُّ عَنْ ذَلِكَ إكْرَامٌ لِلْمَلَأِ الْأَعْلَى الْمُجَاوِرِينَ لِلْقُلُوبِ وَالْأَرْوَاحِ وَالنُّفُوسِ فِي الْعَالَمِ فِي عَالَمِ الْمَلَكُوتِ وَالْأَجْسَامِ فِي عَالَمِ الْمُلْكِ كَذَا فِي الْفَيْضِ (ز. عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -) وَعَنْ أَبَوَيْهَا (أَنَّهَا قَالَتْ «مَا كَانَ مِنْ خُلُقٍ أَبْغَضَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْكَذِبِ مَا اطَّلَعَ» كُلَّمَا اطَّلَعَ «عَلَى أَحَدٍ مِنْ ذَلِكَ» الْكَذِبِ «بِشَيْءٍ» قَلِيلٍ «فَيَخْرُجُ مِنْ قَلْبِهِ» فَلَوْ اطَّلَعَ مِنْ أَحَدٍ قَلِيلًا مِنْ الْكَذِبِ يَخْرُجُ هُوَ مِنْ قَلْبِهِ أَوْ يُخْرِجُهُ هُوَ مِنْ قَلْبِهِ «حَتَّى يَعْلَمَ» إلَى أَنْ يَعْلَمَ «أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ تَوْبَةً» يَعْنِي: ذَلِكَ الْإِخْرَاجُ يَسْتَمِرُّ إلَى وَقْتِ التَّوْبَةِ فَعِنْدَ عِلْمِهِ تَوْبَتَهُ يُدْخِلُهُ قَلْبَهُ لِأَنَّهُ كَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفًا رَحِيمًا فَرُتْبَةُ فُحْشِ الْكَذِبِ مَعْلُومَةٌ مِنْ رُتْبَةِ بُغْضِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>