«عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أُهْدِيَ إلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَاةٌ فَقَالَ إنَّ أَخِي كَانَ أَحْوَجَ مِنِّي فَبَعَثَ بِهَا إلَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ يَبْعَثُ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى آخَرَ حَتَّى تَدَاوَلَهَا سَبْعُ أَيَادِي وَرَجَعَتْ إلَى الْأَوَّلِ وَبَاتَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَأَوْحَى اللَّهُ إلَى جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ إنِّي آخَيْت بَيْنَكُمَا وَجَعَلْت عُمُرَ أَحَدِكُمَا أَطْوَلَ مِنْ الْآخَرِ فَأَيُّكُمَا يُؤْثِرُ صَاحِبَهُ بِالْحَيَاةِ فَاخْتَارَ كِلَاهُمَا الْحَيَاةَ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِمَا أَفَلَا كُنْتُمَا مِثْلَ عَلِيٍّ آخَيْت بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ فَبَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ يَفْدِيهِ بِنَفْسِهِ وَيُؤْثِرُهُ بِالْحَيَاةِ اهْبِطَا إلَى الْأَرْضِ فَاحْفَظَاهُ مِنْ عَدُوِّهِ وَكَانَ جَبْرَائِيلُ عِنْدَ رَأْسِهِ وَمِيكَائِيلُ عِنْدَ رِجْلِهِ وَجَبْرَائِيلُ يُنَادِي مَنْ مِثْلُك يَا عَلِيُّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} [البقرة: ٢٠٧] » كُلُّهُ مُنْتَخَبٌ مِنْ الْإِحْيَاءِ.
وَحُكِيَ أَنَّهُ اشْتَاقَ رَجُلٌ إلَى بِنْتِ رَجُلٍ فَقَالَ أَبُوهَا لَا سَبِيلَ إلَّا بِقَتْلِ حَاتِمِ طيئ، وَهُوَ مَعَ أُمِّهِ فِي مَفَازَةٍ، وَلَهُمَا شَاةٌ يَشْرَبَانِ لَبَنَهَا فَجَاءَ الرَّجُلُ فِي طَلَبِ حَاتِمٍ، وَلَقِيَهُ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ فَكَلَّفَهُ بِأَكْلِ شَيْءٍ مُعْتَمِدًا عَلَى لَبَنِ الشَّاةِ وَمِنْ عَادَتِهِ أَنْ يَدْعُوَ إلَيْهِ كُلَّ مَنْ مَرَّ فَإِذَا قَدْ شَرِبَاهُ، وَقَدْ نَسِيَهُ فَذَبَحَ الشَّاةَ فَأَكَلَ لَحْمَهَا، وَأَبْقَاهُ يَوْمًا ثُمَّ سَأَلَهُ حَاتِمٌ عَنْ مَصْلَحَتِهِ فَقَالَ الرَّجُلُ كَذَا وَكَذَا فَكَتَمَ حَاتِمٌ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ نَفْسُهُ، وَقَالَ امْشِ مَعِي حَتَّى أُخْبِرَك مَكَانَهُ ثُمَّ قَالَ إنَّ حَاتِمًا رَجُلٌ شُجَاعٌ لَعَلَّك لَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ فَيَقْتُلُنِي لَكِنْ شُدَّ يَدِي حَتَّى أَعْتَذِرَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ كُرْهًا ثُمَّ قَالَ شُدَّ رِجْلِي أَيْضًا لِمَصْلَحَةٍ سَأُخْبِرُك فَشَدَّ رِجْلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَنَا مَطْلُوبُك حَاتِمٌ فَافْعَلْ مَا قَصَدْت فَإِنَّ رَأْسًا صَالِحًا لِمَصْلَحَةِ حَبِيبٍ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِي فَقَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَرَجَعَ فَأَخَذَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ بِقَهْرِهِ ثُمَّ اُشْتُهِرَ أَنَّهُ بَذَلَ نَفْسَهُ لِضَيْفِهِ قِرًى لَهُ ثُمَّ رُزِقَ لَهُ غِنًى فَبَنَى حُجْرَةً لِلصَّدَقَةِ وَجَعَلَ فِيهَا أَرْبَعِينَ ثُقْبًا لِلسَّائِلِينَ فَلَمَّا مَاتَ قَالَ أَخُوهُ إنِّي أَفْعَلُ مِثْلَ أَخِي فَيَوْمًا جَاءَ سَائِلٌ فَأَعْطَاهُ مِنْ ثُقْبٍ دِينَارًا ثُمَّ ذَلِكَ السَّائِلُ سَأَلَ مِنْ ثُقْبٍ آخَرَ فَأَعْطَاهُ أَيْضًا ثُمَّ إلَى الرَّابِعِ ثُمَّ غَلُظَ وَغَضِبَ عَلَيْهِ فَقَالَ السَّائِلُ إنَّ أَخَاك أَعْطَانِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ جَمِيعِ تِلْكَ الثُّقُوبِ، وَأَنْتَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ تَغْضَبُ وَتَغْلُظُ عِنْدَ الرَّابِعِ.
[مَبْحَثٌ فِي غَوَائِل الْبُخْل وَسَبَبِهِ وَآفَاتِهِ]
(وَأَمَّا الْبُخْلُ فَفِيهِ مَبْحَثَانِ)
(الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ) . (فِي غَوَائِلِهِ وَسَبَبِهِ وَآفَاتِهِ أَمَّا الْأُولَى) أَيْ الْغَوَائِلُ (فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران: ١٨٠] بِأَنْ مَنَعُوا حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى الْوَاجِبَةَ، وَقِيلَ أَيْ مِنْ عَطَائِهِ مِنْ الْعِلْمِ بِكِتْمَانِهِ {هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ} [آل عمران: ١٨٠] أَيْ الْبُخْلُ {شَرٌّ لَهُمْ} [آل عمران: ١٨٠] لِاسْتِجْلَابِ الْعِقَابِ عَلَيْهِمْ {سَيُطَوَّقُونَ} [آل عمران: ١٨٠] مِنْ الطَّوْقِ {مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: ١٨٠] بَيَانٌ لِكَوْنِهِ شَرًّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: ١٦١] ، وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا مِنْ رَجُلٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ إلَّا جَعَلَ اللَّهُ لَهُ شُجَاعًا فِي عُنُقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقِيلَ يَجْعَلُ مَا بَخِلَ بِهِ مِنْ الزَّكَاةِ حَيَّةً يُطَوِّقُهَا فِي عُنُقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَنْهَشُهُ مِنْ قَرْنِهِ إلَى قَدَمِهِ وَتَنْقُرُ رَأْسَهُ وَتَقُولُ أَنَا مَالُك» ، وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ ظَلَمَ قَيْدَ شِبْرٍ مِنْ الْأَرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» . (ت عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَصْلَتَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي مُؤْمِنٍ» كَامِلٍ فَلَا يَرِدُ وُجُودُهُمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يَلْزَمُ كُفْرُ مَنْ وُجِدَا فِيهِ «الْبُخْلُ وَسُوءُ الْخُلُقِ» أَوْ الْمُرَادُ بُلُوغُ النِّهَايَةِ فِيهِمَا بِحَيْثُ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُمَا، وَلَا يَنْفَكَّانِ عَنْهُ فَمَنْ فِيهِ بَعْضُ ذَا وَبَعْضُ ذَا وَيَنْفَكُّ عَنْهُ أَحْيَانًا فَبِمَعْزِلٍ عَنْ ذَلِكَ وَالْفَضْلُ لِلْمُتَقَدِّمِ إذْ كَثِيرًا مَا يُطْلَقُ الْمُؤْمِنُ فِي التَّنْزِيلِ وَيُرَادُ الْمُؤْمِنُ حَقًّا الَّذِي ارْتَقَى إلَى أَعْلَى دَرَجَاتِ الْإِيمَانِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ الْحَدِيثُ غَرِيبٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute