للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَاهُ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ.

وَفِي بُسْتَانِ أَبِي اللَّيْثِ إنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ عَلَى الْقَبُولِ فَوَاجِبٌ وَلَوْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ إنْ شَفَعَ قَذَفُوهُ وَشَتَمُوهُ فَتَرْكُهُ أَفْضَلُ وَكَذَا ضَرْبُهُمْ إنْ لَمْ يَصْبِرْ بَلْ يَكُونُ بَاعِثًا لِلْعَدَاوَةِ وَلَوْ عَلِمَ صَبْرَهُ عَلَى ضَرْبِهِمْ وَعَدَمِ اشْتِكَائِهِ لِأَحَدٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ جِهَادٌ وَمِنْ عَمَلِ الْأَنْبِيَاءِ وَلَوْ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَهُ وَلَا يَضْرِبُونَهُ وَيَشْتُمُونَهُ فَمُخَيَّرٌ وَالْأَفْضَلُ الْأَمْرُ وَقَالُوا الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ تَابِعٌ لِلْمَأْمُورِ بِهِ فَإِنْ وَاجِبًا فَوَاجِبٌ وَإِنْ نَدْبًا فَنَدْبٌ وَإِنْ سُنَّةً فَسُنَّةٌ وَإِنْ فَرْضًا فَفَرْضٌ قِيلَ وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ فَوَاجِبٌ كُلُّهُ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمُنْكَرِ تَرْكُهُ وَاجِبٌ أَقُولُ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِمَا قَالَ الْمُحَقِّقُ الدَّوَانِيّ إنَّ الْمُنْكَرَ إنْ كَانَ حَرَامًا وَجَبَ النَّهْيُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا كَانَ النَّهْيُ عَنْهُ مَنْدُوبًا (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} [آل عمران: ١٠٤] لَفْظَةُ مِنْ بَيَانِيَّةٌ أَيْ كُونُوا أُمَّةً يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ فَيَجِبُ عَلَى كُلٍّ عَيْنًا وَلَوْ فَاسِقًا كَمَا يَأْتِي مُفَصَّلًا وَالْأَكْثَرُ تَبْعِيضِيَّةٌ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لَهُ الْكُلُّ بَلْ مَنْ عَلِمَ الْمَعْرُوفَ وَالْمُنْكَرَ وَكَيْفِيَّةَ تَرْتِيبِ الْأَمْرِ وَالْمُبَاشَرَةِ فَإِنَّ الْجَاهِلَ قَدْ يَعْكِسُ وَيَغْلُظُ فِي مَقَامِ اللِّينِ وَبِالْعَكْسِ وَرُبَّمَا يُنْكِرُ عَلَى مَنْ يَزِيدُ الْمُنْكَرَ فَلَا يَصْلُحُ لَهُ كُلُّ أَحَدٍ بَلْ لَهُ شُرُوطٌ كَالْعِلْمِ بِالْأَحْكَامِ وَمَرَاتِبِ الِاحْتِسَابِ وَكَيْفِيَّةِ إقَامَتِهَا وَالتَّمَكُّنِ مِنْ الْقِيَامِ بِهَا.

وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ قَالُوا هُنَا خَمْسُ مَرَاتِبَ الْأُولَى التَّعْرِيفُ الثَّانِيَةُ الْوَعْظُ بِالْكَلَامِ اللَّطِيفِ فَهُمَا لَا يَحْتَاجَانِ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ الثَّالِثَةُ السَّبُّ وَالْعُنْفُ بِلَا فُحْشٍ بِنَحْوِ يَا جَاهِلُ يَا أَحْمَقُ أَلَا تَخَافُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَلْزَمُ إذْنُهُ أَيْضًا الرَّابِعَةُ الْمَنْعُ بِالْقَهْرِ كَكَسْرِ الْمَلَاهِي وَإِرَاقَةِ الْخَمْرِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِذْنِ أَيْضًا إذْ الْمُسْلِمُونَ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا الْخَامِسُ التَّهْدِيدُ وَالتَّخْوِيفُ بِالضَّرْبِ أَوْ مُبَاشَرَتِهِ فَيُحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ وَأَلَّا يَنْجَرَّ إلَى الْقِتَالِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَذَا فِي مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ لَكِنْ لَا يُلَائِمُهُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ وَيُقِيمُ التَّعْزِيرَ كُلُّ وَاحِدٍ حَالَ مُبَاشَرَةِ الْمَعْصِيَةِ بِلَا حَاجَةٍ إلَى الْحَاكِمِ فَتَأَمَّلْ.

ثُمَّ قَالَ فِيهِ تَفْصِيلٌ فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ فَلَهُ حِسْبَةٌ لِوَالِدِهِ بِالْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ وَفِي الثَّالِثِ يُنْظَرُ إلَى قُبْحِ الْمُنْكَرِ وَإِلَى مِقْدَارِ الْأَذَى وَالسَّخَطِ فَإِنَّ الْمُنْكَرَ فَاحِشًا وَسَخَطَهُ قَرِيبًا كَإِرَاقَةِ خَمْرِ مَنْ لَا يَشْتَدُّ غَضَبُهُ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ وَإِنَّ الْمُنْكَرَ قَرِيبًا وَالسَّخَطَ شَدِيدًا كَكَسْرِ آنِيَةِ بِلَّوْرٍ عَلَيْهَا صُورَةُ حَيَوَانٍ فَيُكْتَفَى بِالْأَوَّلَيْنِ وَكَذَا الرَّعِيَّةُ مَعَ السُّلْطَانِ فَبِالْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَيُنْظَرُ إلَى تَفَاحُشِ الْمُنْكَرِ وَحَالِ الْمُحْتَسِبِ مَعَ الْإِمَامِ وَأَمَّا الْأُسْتَاذُ فَإِذَا لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ لَا يَجِبُ عَلَى التِّلْمِيذِ احْتِرَامُهُ {يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} [آل عمران: ١٠٤] عَامٌّ إلَى مَا فِيهِ صَلَاحٌ دِينِيٌّ أَوْ دُنْيَوِيٌّ {وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: ١٠٤] الْمَخْصُوصُونَ بِكَمَالِ الْفَلَاحِ «سُئِلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ خَيْرُ النَّاسِ فَقَالَ؟ آمَرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأَتْقَاهُمْ لِلَّهِ وَأَوْصَلُهُمْ لِلرَّحِمِ» .

وَفِي الْأَخْبَارِ كَلَامُ ابْنِ آدَمَ كُلُّهُ عَلَيْهِ لَا لَهُ إلَّا أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ وَنَهْيًا عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ ذِكْرَ اللَّهِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: ١١٠] (م عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا» مَا لَيْسَ فِيهِ رِضَاهُ تَعَالَى مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ «فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ» هُوَ أَقْوَى الْأَنْوَاعِ إنْ كَانَ مِمَّا يُزَالُ بِالْيَدِ كَكَسْرِ آلَةِ اللَّهْوِ وَآنِيَةِ الْخَمْرِ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ شَرْعًا.

وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ عَقْلًا ثُمَّ إنْ عَلِمَ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ فَكِفَايَةٌ وَإِلَّا فَعَيْنٌ كَمَا فِي الْفَيْضِ «فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ» الْإِنْكَارَ بِيَدِهِ بِأَنْ يَظُنَّ لُحُوقَ ضَرَرٍ بِهِ لِكَوْنِ فَاعِلِهِ أَقْوَى مِنْهُ «فَ» الْوَاجِبُ تَغْيِيرُهُ «بِلِسَانِهِ» كَاسْتِغَاثَةٍ أَوْ تَوْبِيخٍ أَوْ تَذْكِيرٍ بِاَللَّهِ أَوْ إغْلَاظٍ إنْ مِنْ أَهْلِهِ فَإِنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ ظَاهِرًا كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَلَمْ يَخْتَصَّ بِالْعُلَمَاءِ وَإِلَّا فَمُخْتَصٌّ بِهِمْ أَوْ بِمَنْ عَلِمَهُ مِنْهُمْ وَأَنْ يَكُونَ الْمُنْكَرُ مَجْمَعًا عَلَيْهِ أَوْ يَعْتَقِدَ فَاعِلُهُ تَحْرِيمَهُ أَوْ حِلَّهُ وَضَعْفَ شُبْهَتِهِ جِدًّا كَنِكَاحِ مُتْعَةٍ وَلَا يُنَاقِضُهُ قَوْله تَعَالَى {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [المائدة: ١٠٥] لِأَنَّ مَعْنَاهُ إذَا كُلِّفْتُمْ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ لَا يَضُرُّكُمْ تَقْصِيرُ غَيْرِكُمْ.

«فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ» لِوُجُودِ مَانِعٍ كَخَوْفِ فِتْنَةٍ أَوْ خَوْفٍ عَلَى نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ أَوْ مَالٍ مُحْتَرَمٍ أَوْ شَهْرِ سِلَاحٍ «فَبِقَلْبِهِ» يُنْكِرُهُ وُجُوبًا بِأَنْ يَكْرَهَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>