وَيَعْزِمَ أَنْ لَوْ قَدَرَ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فَعَلَ وَهَذَا وَاجِبٌ عَيْنًا عَلَى كُلِّ أَحَدٍ بِخِلَافِ الَّذِي قَبْلَهُ فَأَفَادَ الْخَبَرُ وُجُوبَ تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ بِكُلِّ طَرِيقٍ مُمْكِنٍ فَلَا يَكْفِي الْوَعْظُ لِمَنْ يُمْكِنُهُ إزَالَتُهُ بِيَدِهِ وَلَا الْقَلْبُ لِمَنْ يُمْكِنُهُ بِاللِّسَانِ.
«وَذَلِكَ» أَيْ مَا بِالْقَلْبِ «أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» أَيْ خِصَالِهِ أَوْ آثَارِهِ وَثَمَرَاتِهِ فَالْمُرَادُ بِهِ حَقِيقَتُهُ مِنْ التَّصْدِيقِ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ وَصَلَاحُ الْإِيمَانِ وَجَرَيَانُ شَرَائِعِ الْأَنْبِيَاءِ إنَّمَا يَسْتَمِرُّ عِنْدَ اسْتِحْكَامِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي الْإِسْلَامِ وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِمَعْنَى ضَعْفِ ثَمَرَاتِ الْإِيمَانِ وَأَنَّ الْأَصَحَّ زِيَادَتُهُ مِنْ حَيْثُ الْقُوَّةُ وَنُقْصَانُهُ مِنْ حَيْثُ الضَّعْفُ (وَهَذَا الْحَدِيثُ نَصٌّ فِي كَوْنِ الْوُجُوبِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ عَلَى كُلِّ شَخْصٍ) لِأَنَّ كَلِمَةَ مَنْ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ وَالْفَاءُ لِلتَّرْتِيبِ فَالْوُجُوبُ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ (وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ) قِيلَ (وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى) .
وَفِي الصُّرَّةِ عَنْ ابْنِ الْمَلِكِ «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا وَهُوَ مَا لَيْسَ فِيهِ رِضَا اللَّهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَالْمَعْرُوفُ ضِدُّهُ فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ بِالْيَدِ لِكَوْنِ فَاعِلِهِ أَقْوَى مِنْهُ فَلْيُغَيِّرْهُ بِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَنْعِ بِالْقَوْلِ فَلْيُغَيِّرْهُ بِقَلْبِهِ أَيْ فَلْيَكْرَهْهُ بِقَلْبِهِ» .
(وَقَالَ بَعْضُهُمْ التَّغْيِيرُ بِالْيَدِ عَلَى الْأُمَرَاءِ وَالْحَاكِمِ) إذْ ذَلِكَ مِنْ الْغَيْرِ رُبَّمَا يُفْضِي إلَى الْفِتْنَةِ وَالْمُقَاتَلَةِ (وَبِاللِّسَانِ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَبِالْقَلْبِ عَلَى الْعَوَامّ) فِي التتارخانية أَنَّهُ اخْتِيَارُ الزَّنْدَوَسْتِيِّ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَا عَلَى الْفَتَاوَى أَنَّهُ يُقِيمُ التَّعْزِيرَ كُلُّ أَحَدٍ حَالَ مُبَاشَرَةِ الْمَعْصِيَةِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ إذْ التَّغْيِيرُ بِالْيَدِ شَأْنُ الْأُمَرَاءِ وَبِاللِّسَانِ شَأْنُ الْعُلَمَاءِ فَكُلُّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى التَّغْيِيرِ بِالْيَدِ مُلْحَقٌ بِالْأُمَرَاءِ فَكَذَا الْأَخِيرَانِ كَيْفَ وَقَدْ يَعْرِضُ عَارِضٌ فَيَكُونُ مَا بِاللِّسَانِ بَلْ مَا بِالْقَلْبِ مُتَعَيِّنًا لِلْأُمَرَاءِ وَكَذَا الْأَخِيرَانِ فَحِينَئِذٍ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ
(وَهُوَ) أَيْ الْوُجُوبُ عَلَى هَذَا التَّوْزِيعِ (الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) ظَاهِرُهُ كَوْنُهُ رِوَايَةً غَيْرَ مَشْهُورَةٍ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ (فَلِذَا أَوْجَبَ) إلَخْ ظَاهِرٌ فِي كَوْنِ قَوْلِهِ مُطْلَقًا وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (الضَّمَانُ فِي كَسْرِ الْمَعَازِفِ إنْ كَانَ لَهَا قِيمَةٌ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ صَلَاحِيَّتِهَا لِلَّهْوِ) كَقِيمَتِهَا قَصْعَةً (وَكَانَ) ذَلِكَ الْكَسْرُ (بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ) وَكَذَا الْحُكَّامُ فَأَوْجَبَ الضَّمَانَ بِشَرْطَيْنِ: الْقِيمَةُ بِدُونِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute