قَلْبِك نَجَاتُك وَقَدْ اُحْتُمِلَ مَوْتُك عَلَى الْكُفْرِ وَهُمْ مَيِّتُونَ عَلَى الْإِيمَانِ فَلَا جَرَمَ بَعْدَ مِثْلِ هَذِهِ الْمُلَاحَظَةِ تَنْفِي الْكِبْرَ وَالِاغْتِرَارَ.
(وَإِنْ نَظَرَ) ذَلِكَ الصَّالِحُ (إلَى كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ حَيَّةٍ أَوْ عَقْرَبٍ أَوْ نَحْوِهَا) مِمَّا يُرَى شَرًّا مَحْضًا وَمُؤْذِيًا وَمُضِرًّا أَقُولُ بَعْدَمَا ذُكِرَ قِيلَ لَا حَاجَةَ إلَى دَفْعِ ذَلِكَ إذْ يُفْهَمُ ذَلِكَ مِمَّا قَبْلَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَالْأَوْلَى إمَّا أَنْ لَا يَذْكُرَ أَوْ يَذْكُرَ قَبْلَ ذَلِكَ لَعَلَّ الْمَقَامَ لِكَوْنِهِ مُوجِبًا لِكَمَالِ الْعِنَايَةِ لَمْ يَكْتَفِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ، بَلْ اعْتَنَى بِطَرِيقِ الْعِبَارَةِ وَالصَّرَاحَةِ (يَقُولُ هَذَا لَمْ يَعْصِ اللَّهَ تَعَالَى فَلَا عِتَابَ وَلَا عِقَابَ عَلَيْهِ وَأَمَّا أَنَا عَصَيْته فَأَنَا مُسْتَحِقٌّ لَهُمَا) الْعِتَابِ وَالْعَذَابِ (فَيَكُونُ مَصْرُوفَ الْهَمِّ إلَى نَفْسِهِ مَشْغُولَ الْقَلْبِ بِعَيْبِهِ لِخَوْفِهِ لِعَاقِبَتِهِ) مُعْرِضًا (عَنْ عَيْبِ غَيْرِهِ) .
(فَإِنْ قُلْت كَيْفَ أَبْغُضُ الْمُبْتَدِعَ وَالْفَاسِقَ فِي اللَّهِ تَعَالَى) مُتَعَلِّقٌ بِأَبْغَضُ (وَ) الْحَالُ أَنِّي (قَدْ أُمِرْت بِهِ) بِبُغْضِهِمَا (فَكَيْفَ أَنْهَاهُمَا عَنْ الْمُنْكَرِ مَعَ رُؤْيَةِ نَفْسِي دُونَهُمَا) وَجَمْعُهُمَا تَنَافٍ وَأَيْضًا كُفْرُ الْكَافِرِ حَالًا ثَابِتٌ قَطْعًا وَإِيمَانُ الْمُؤْمِنِ حَالًا ثَابِتٌ أَيْضًا قَطْعًا بَعْدَ فَرْضِ تَسْلِيمِ تَسَاوِيهِمَا فِي الْخَاتِمَةِ يَعْنِي اسْتِوَاءَ احْتِمَالِ خِتَامِ الْكَافِرِ عَلَى الْإِيمَانِ وَخِتَامِ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْكُفْرِ عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ أَنْ يُخْتَمَ كُلُّ مَا هُوَ عَلَيْهِ حَالًا وَقَدْ مَدَحَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْإِيمَانِ الْحَالِيِّ (قُلْت تُبْغِضُ وَتَنْهَى) عَمَّا هُمَا عَلَيْهِ لَا لِتَعَلِّيكَ وَتَرَفُّعِكَ عَلَيْهِ، بَلْ (لِمَوْلَاك إذْ أَمَرَك بِهِمَا) بِالْبُغْضِ وَالنَّهْيِ (لَا لِنَفْسِك وَ) الْحَالُ (أَنْتَ فِيهِمَا لَا تَرَى نَفْسَك نَاجِيًا وَصَاحِبَك هَالِكًا) فِي الْبُغْضِ وَالنَّهْيِ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَتِمُّ عِنْدَ مَنْ يَشْتَرِطُ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ عَمَلَ نَفْسِهِ وَانْتِهَاءَهُ وَإِنْ تَمَّ عِنْدَ مَنْ لَا يَشْتَرِطُهُمَا لَكِنْ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْأَصَحَّ هُوَ الثَّانِي وَلَوْ عِنْدَ بَعْضٍ (بَلْ يَكُونُ خَوْفُك عَلَى نَفْسِك بِمَا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ خَفَايَا ذُنُوبِك) كَالرِّيَاءِ الْخَفِيِّ (أَكْثَرَ مِنْ خَوْفِك عَلَيْهِمَا) عَلَى الْمُبْتَدِعِ وَالْكَافِرِ لَا يَخْفَى أَنَّ خَفَايَا الذُّنُوبِ احْتِمَالٌ وَالْبِدْعَةُ وَالْكُفْرُ قَطْعِيٌّ وَالِاحْتِمَالُ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ.
وَأَيْضًا قَوْلُهُ (مَعَ الْجَهْلِ بِالْخَاتِمَةِ) أَمْرٌ احْتِمَالِيٌّ وَمِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ إبْقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ وَإِنَّ سُوءَ الْخَاتِمَةِ مِنْ قَبِيلِ الصِّفَاتِ الْعَارِضَةِ وَمِنْ قَوَاعِدِهِ أَيْضًا الْأَصْلُ الْعَدَمُ فِي الصِّفَاتِ الْعَارِضَةِ وَمِنْهَا أَيْضًا اسْتِدَامَةُ الشَّيْءِ تُعْتَبَرُ بِأَصْلِهِ فَالْأَصْلُ دَوَامُ الْحَالَةِ الْأُولَى مِنْ الْإِيمَانِ فِي الْمُؤْمِنِ وَالْكُفْرِ فِي الْكَافِرِ فَالْغَالِبُ فِي الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ عِنْدَ الْخَاتِمَةِ مَا هُمَا عَلَيْهِ حَالًا فَلَعَلَّ الْجَوَابَ الْحَاسِمَ لِمَوَادِّ الْإِشْكَالِ جَمِيعًا أَنْ يُقَالَ إنَّ حُرْمَةَ الْكِبْرِ إنَّمَا هِيَ لِكَوْنِهِ صِفَةً مُخْتَصَّةً بِهِ تَعَالَى لَا لِنَحْوِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَسْبَابِ وَأَنَّ صُدُورَ مِثْلِ هَذِهِ الْفَضَائِلِ لَيْسَ الْعَبْدُ فِيهِ مُسْتَقِلًّا، بَلْ إنَّمَا هُوَ بِتَوْفِيقِهِ تَعَالَى مَحْضًا وَأَنَّ التَّكَبُّرَ بِجِنْسِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ إنَّمَا هُوَ رَأْيٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَأَنَّ النُّصُوصَ لَيْسَتْ بِمُعَلَّلَةٍ وَلَوْ عِنْدَ بَعْضٍ وَقَدْ قُرِّرَ فِي مَحَلِّهِ أَنَّ بَعْضَ الْأَحْكَامِ تَعَبُّدِيٌّ لَا يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ لَهُ عِلَّةٌ وَوَجْهٌ فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ الصَّالِحِ أَنْ لَا يَتَكَبَّرَ عَلَى أَحَدٍ وَلَوْ كَافِرًا
ثُمَّ أَرَادَ الْمُصَنِّفُ مِثَالًا جُزْئِيًّا لِزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ لَا لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ حَتَّى لَا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ قِيَاسِ الْمَعْقُولِ عَلَى الْمَحْسُوسِ عَلَى أَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِهِ فِي الْمَقَامِ الْخَطَابِيِّ بِضَعِيفٍ كُلَّ الضَّعْفِ، فَقَالَ (فَتَكُونُ كَغُلَامٍ مَلَكَ أَمْرَهُ) أَيْ الْمَلِكُ أَمَرَ غُلَامَهُ (بِمُرَاقَبَةِ) مُحَافَظَةِ (وَلَدِهِ) الَّذِي لَهُ عِنْدَهُ مَكَانَةٌ رَفِيعَةٌ سِيَّمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغُلَامِ (وَ) أَمْرُهُ بِ (الْغَضَبِ عَلَيْهِ) فَالْعَطْفُ عَلَى الْمَجْرُورِ (وَضَرْبِهِ مَهْمَا أَسَاءَ) مِنْ السُّوءِ (فَيَغْضَبُ) (الْغُلَامُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَلَدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute