فَيَكُونُ جُرْمِي أَكْثَرَ مِنْهُ فَكَيْفَ أَكُونُ مِثْلَهُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (وَإِنْ نَظَرَ إلَى مُسَاوِيهِ سِنًّا يَقُولُ أَنَا أَعْلَمُ بِحَالِي وَلَا أَعْلَمُ، وَالْمَعْلُومُ أَوْلَى بِالتَّحْقِيرِ مِنْ الْمَجْهُولِ) .
نُقِلَ هُنَا عَنْ رِعَايَةِ الْمُحَاسِبِيِّ مَا حَاصِلُهُ النَّاسُ عِنْدَك إمَّا مَسْتُورٌ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْك عِنْدَك لِتَيَقُّنِك مَكْرُوهَك دُونَهُ وَإِمَّا قَلِيلُ الذَّنْبِ مِنْ ذُنُوبِك فِي طُولِ عُمُرِك فَأَفْضَلُ مِنْك عِنْدَك وَإِمَّا كَثِيرُ الذَّنْبِ عِنْدَك مِنْك وَلَا شَكَّ أَنَّك تُفَارِقُهُ فِي عُمُرِك وَلَا تُفَارِقُ عَنْ نَفْسِك فَيَجُوزُ عَدَمُ عِصْيَانِهِ عِنْدَ عَدَمِ وُقُوفِك عَلَى حَالِهِ وَأَنْتَ تَعْرِفُ نَفْسَك أَنَّك لَيْسَ بِخَالٍ عَنْ مَعْصِيَةٍ مَا فِي وَقْتٍ مَا أَنْتَ مُطَّلِعٌ عَلَى ضَمِيرِك وَلَسْت بِمُطَّلِعٍ عَلَى ضَمِيرِهِ فَذُنُوبُك عِنْدَك فِي الْحَقِيقَةِ أَكْثَرُ مِنْ ذُنُوبِهِ وَأَمَّا عِظَمُ الذُّنُوبِ الَّتِي صَدَرَتْ مِنْ الْغَيْرِ كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا وَاللُّوَاطَةِ وَالْخَمْرِ مَعَ عَدَمِهَا مِنْك فَذَلِكَ الْغَيْرُ إمَّا لَيْسَ بِعَالِمٍ فَالْخَوْفُ عَلَيْك مَعَ عِلْمِك لِعَدَمِ احْتِمَالِ الْجَرْيِ عَلَى مُوجِبِ عِلْمِك أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ لِجَوَازِ الْعُذْرِ بِالْجَهْلِ فَلَا كِبْرَ بِذَلِكَ أَوْ عَالِمٌ فَاللَّازِمُ عَلَيْك هُوَ الشُّكْرُ لَهُ تَعَالَى عَلَى عِصْمَتِك مِنْ مِثْلِهَا مَعَ إمْكَانِ صُدُورِهَا مِنْك وَعَلَيْك الْبُغْضُ فِي اللَّهِ وَعَلَيْك الْخَوْفُ مِنْ الْوُقُوعِ عَلَى مِثْلِ مَا وَقَعَ هُوَ عَلَيْهِ وَمِمَّا يُحْتَمُ عَلَيْك وَالْحَالُ يَجُوزُ أَنْ يُخْتَمَ هُوَ بِخَيْرٍ وَأَنْتَ عَلَى خِلَافِهِ وَأَنْتَ إنَّمَا مُوَكَّلٌ عَلَى نَفْسِك دُونَهُ فَيَجُوزُ أَنْ لَا يُقْبَلَ صَالِحُ أَعْمَالِك وَيُقْبَلَ صَالِحُ عَمَلِهِ مِنْهُ فَيُغْفَرُ لَهُ دُونَك عَلَى أَنَّك لَا تَأْمَنُ مِنْ الْوُقُوعِ فِي مُفْسِدِ الْأَعْمَالِ وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ حَالَك فِي عِلْمِهِ تَعَالَى فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ شَقِيًّا عِنْدَهُ وَهُوَ سَعِيدٌ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْك الْخَوْفُ مِنْ ذَنْبِ غَيْرِك، بَلْ ذَنْبُك {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [فصلت: ٤٦] فَأَنْتَ عَلَى الْخَوْفِ عَلَى الْغَيْرِ وَاَللَّهُ رَاضٍ عَنْهُ وَلَمْ يَرْضَ عَنْك وَكَمْ مِنْ رَاحِمٍ لِلْغَيْرِ لِعِصْيَانِهِ قَدْ رَجَعَ إلَى الْمَعَاصِي حَتَّى مَاتَ عَلَيْهَا وَتَابَ الْمَرْحُومُ وَمَاتَ عَلَيْهَا فَالْخَوْفُ عَلَى نَفْسِك أَوْلَى بِك مِنْ الْخَوْفِ عَلَى غَيْرِك وَإِذَا نَظَرْت إلَى الْغَيْرِ بِعَيْنِ الِازْدِرَاءِ عَلَى ظَنِّ خَيْرِيَّتِك مِنْهُ ذَاهِلًا عَمَّا سَلَفَ مِنْ فَرَطَاتِك وَجَاهِلًا حَالَك عِنْدَ خِتَامِك فَقَدْ جَمَعْت بَيْنَ غَضَبِ اللَّهِ وَالْكِبْرِ.
(وَإِنْ نَظَرَ) ذَلِكَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ (إلَى مُبْتَدِعٍ) كَصَاحِبِ الْهَوَى (أَوْ كَافِرٍ) لَا يَتَكَبَّرُ عَلَيْهِ وَ (يَقُولُ مَا يُدْرِينِي) أَيُّ شَيْءٍ يَجْعَلُنِي دَارِيًا وَعَالِمًا بَكَوْنِي خَيْرًا مِنْهُ (لَعَلَّهُ يُخْتَمُ لَهُ بِالْإِسْلَامِ وَيُخْتَمُ لِي بِمَا هُوَ عَلَيْهِ الْآنَ) مِنْ الْبِدْعَةِ وَالْكُفْرِ، فَلَيْسَ دَوَامُ الْهِدَايَةِ إلَيَّ كَمَا لَمْ يَكُنْ ابْتِدَاؤُهَا إلَيَّ وَلَيْسَ لَهُ دَوَامُ الشَّقَاوَةِ كَذَلِكَ فَبِمُلَاحَظَةِ الْخَاتِمَةِ يُنْفَى الْكِبْرُ وَعَنْ رِعَايَةِ الْمُحَاسِبِيِّ مَا حَاصِلُهُ وَعُصَارَتُهُ فَإِنْ قُلْت إنَّ أَهْلَ الْبِدَعِ خُصَمَاءُ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِمَّتُهُمْ إطْفَاءُ أَنْوَارِ السُّنَّةِ وَإِحْيَاءُ أَسَاسِ الضَّلَالَةِ وَمَذَلَّةُ أَهْلِ الْحَقِّ وَالِافْتِرَاءُ بِالتَّأْوِيلِ وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْنَا بُغْضُهُمْ وَنَحْنُ نَعْرِفُ أَنَّهُ قَدْ فَضَّلَنَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِالْعِصْمَةِ مِنْ التَّدَيُّنِ بِمِثْلِ أَدْيَانِهِمْ قُلْت نَعَمْ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ قَلْبُك نَاسِيًا لِمَا فَرَّطْت مِنْ الذُّنُوبِ وَمَا تَقَدَّمَ فِي حَقِّك مِنْ عِلْمِ عَلَّامِ الْغُيُوبِ بِالشَّقَاوَةِ أَوْ السَّعَادَةِ أَوْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ فَلَا قَطْعَ لَك أَنَّك خَيْرٌ مِنْهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّك نَاجٍ وَأَنَّهُمْ الْهَالِكُونَ وَعِلْمُهُ تَعَالَى غَيْبٌ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ تَمُوتَ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ وَهُمْ مَيِّتُونَ عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِك مَا هُمْ عَلَيْهِ عِيَاذًا بِهِ تَعَالَى فَاسْتِصْغَارُهُمْ وَظَنُّ النَّجَاةِ فِي نَفْسِك تَكَبُّرٌ فِي نَفْسِك وَاغْتِرَارٌ بِرَأْيِك.
ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قُلْت إنَّ أَهْلَ الْبِدَعِ وَإِنْ كَانُوا ضَالِّينَ، لَكِنَّهُمْ مُوَحِّدُونَ وَأَمَّا الْكَافِرُ الْمَحْضُ فَلَا يَمْتَنِعُ قَلْبِي أَنْ أَكُونَ خَيْرًا مِنْهُ لِلْقَطْعِ فِي إيمَانِي مَعَ الْقَطْعِ فِي كُفْرِهِ وَأَنَا فِي احْتِمَالِ الْمَآلِ وَإِنْ كُنْت مُتَسَاوِيًا مَعَهُ لَكِنْ فِي اعْتِبَارِ الْحَالِ لَا ارْتِيَابَ فِي فَضْلِي عَلَيْهِ قُلْت نَعَمْ لَكِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَجُوزُ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ وَيَمُوتَ وَهُوَ أَعْبَدُ أَهْلِ زَمَانِهِ وَتَمُوتَ أَنْتَ أَكْفَرُ أَهْلِ زَمَانِك وَالْأَمْنُ مِنْ ذَلِكَ الْخَوْفِ مُمْتَنِعٌ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ حِينَ كَوْنِ نَحْوِ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ وَبِلَالٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عَلَى الْأَيْمَانِ يَنْظُرُونَ إلَى نَحْوِ عُمَرَ وَيَعْرِفُونَهُ ضَالًّا وَكَافِرًا وَلَا يَدْرُونَ بِمَا يُخْتَمُ لَهُ وَقَدْ مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِالْإِيمَانِ فَاقَ كُلَّ مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَهُ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ وَلَا يَعْلَمُونَ إكْرَامَهُ تَعَالَى إيَّاهُ وَكَانَ هُوَ كَافِرًا وَقَدْ ارْتَدَّ قَوْمٌ أَسْلَمُوا عَلَى عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُتِلُوا وَمَاتُوا كُفَّارًا وَأَسْلَمَ مَنْ كَانَ كَافِرًا وَهُوَ مُؤْمِنُونَ وَقُتِلُوا شُهَدَاءَ وَمَاتُوا عَلَى الْإِيمَانِ فَإِنْ خِفْت الْخَاتِمَةَ وَالْعَاقِبَةَ فَلَنْ يَغْلِبَ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute