كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ: «الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إزَارِي» وَقَالَ «إنَّ لَك عِنْدِي قَدْرًا مَا لَمْ تَرَ لِنَفْسِك قَدْرًا فَإِنْ رَأَيْت لِنَفْسِك قَدْرًا فَلَا قَدْرَ لَك» وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ هَذَا مِنْ الدِّينِ فَاسْمُ الْعَالِمِ عَلَيْهِ كَذِبٌ وَمَنْ عَلِمَهُ لَزِمَهُ أَنْ لَا يَتَكَبَّرَ وَلَا يَرَى لِنَفْسِهِ قَدْرًا فَلَا بُدَّ أَنْ يُكَلِّفَ نَفْسَهُ مَا يُحِبُّ مَوْلَاهُ (وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْعَالِمَ بَرِيءٌ مِنْ الْآفَاتِ الْمَذْكُورَةِ) كَمَا أَنَّ مُقْتَضَى الْعِلْمِ وَطَبْعَهُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ بِأَنْ يَعْمَلَ بِعِلْمِهِ عَلَى وَجْهِ الْخُلُوصِ وَالنَّشْرِ كَذَلِكَ (وَأَنَّ لِعِلْمِهِ فَضْلًا) أَيْ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ لِعِلْمِهِ فَضْلًا لِسَلَامَتِهِ مِنْ آفَاتِهِ (فَعِلْمُهُ يُورِثُ خَشْيَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: ٢٨] اقْتِبَاسٌ وَدَلِيلٌ عَلَى الْحُكْمِ وَقَدْ سَبَقَ تَحْقِيقُهُ (وَ) يُورِثُ (تَوَاضُعًا لَا جَرَاءَةً عَلَى) مَعْصِيَةِ (اللَّهِ) تَعَالَى (وَأَمْنًا مِنْهُ) فِيهِ كَلَامٌ فَتَأَمَّلْ (وَكِبْرًا عَلَى عِبَادِهِ وَعُجْبًا) لِنَفْسِهِ ذِكْرُ الْعُجْبِ هُنَا تَطَفُّلِيٌّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ اسْتِلْزَامَ الْكِبْرِيَاءِ أَوْ عَكْسَهُ (فَلِذَا) أَيْ لِأَجْلِ إيرَاثِ الْعِلْمِ الْخَشْيَةَ وَالتَّوَاضُعَ (صَارَ الْأَنْبِيَاءُ مُتَوَاضِعِينَ) لِعِبَادِهِ تَعَالَى (خَاشِعِينَ) مِنْ جَنَابِهِ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا ازْدَادَ الْعِلْمُ ازْدَادَتْ الْخَشْيَةُ وَالتَّوَاضُعُ كَمَا مَرَّ تَفْصِيلُهُ (لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ كِبْرٌ وَلَا عُجْبٌ) أَصْلًا فَلَوْ كَانَ الْكِبْرُ جَائِزًا لِغَيْرِهِ تَعَالَى لَكَانَ الْأَنْبِيَاءُ أَكْثَرَ كِبْرًا فَإِذَا كَانَ حَرَامًا لِاخْتِصَاصِهِ بِهِ تَعَالَى (فَحَقُّ الْعَبْدِ) يَبْتَهِلُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ (أَنْ لَا يَتَكَبَّرَ عَلَى أَحَدٍ) مِنْ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ وَالْفُسَّاقِ وَالْفُجَّارِ كَمَا هُوَ رَأْيُ الْمُصَنِّفِ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ فَإِنَّ «التَّكَبُّرَ عَلَى الْمُتَكَبِّرِ صَدَقَةٌ» .
(فَإِنْ نَظَرَ) الْعَالِمُ (إلَى جَاهِلِ) تَفْصِيلٌ لِكَيْفِيَّةِ عَدَمِ التَّكَبُّرِ عَلَى أَحَدٍ (يَقُولُ هَذَا عَصَى اللَّهَ تَعَالَى بِجَهْلٍ وَأَنَا عَصَيْته بِعِلْمٍ) لِأَنَّ الْكَيِّسَ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَأَنَّ الْإِنْسَانَ لَمَّا يَقْضِ مِنْ أَمْرِهِ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُزَكِّيَ نَفْسَهُ وَلَا يَضُرُّهُ التَّسْلِيمُ الْمَذْكُورُ آنِفًا (فَهَذَا) أَيْ هَذَا الْجَاهِلُ (أَعْذَرُ مِنِّي) أَقْرَبُ إلَى كَوْنِهِ مَعْذُورًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْعِصْيَانَ مَعَ الْعِلْمِ أَقْبَحُ وَأَشْنَعُ مِنْهُ مَعَ الْجَهْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْجَهْلُ عُذْرًا (وَإِنْ نُظِرَ إلَى عَالِمٍ يَقُولُ هَذَا عِلْمُ مَا لَمْ أَعْلَمْ) مِنْ الْمُهِمَّاتِ الدِّينِيَّةِ (فَكَيْفَ أَكُونُ مِثْلَهُ) وَأَيْضًا يَقُولُ هَذَا يُؤَدِّي حَقَّ عِلْمِهِ مِنْ الْعَمَلِ وَالْخُلُوصِ وَأَنَا لَسْت كَذَلِكَ لَكِنْ لِكَوْنِ الْكَلَامِ مَعَ نَفْسِ الْعِلْمِ لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ إلَى جِهَةِ عَمَلِهِ لَكِنْ إنْ كَانَ سَابِقِيَّةُ عِلْمِ النَّاظِرِ أَوْضَحَ وَأَظْهَرَ يَكُونُ مِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ كَالْمُدَاهَنَةِ فَحِينَئِذٍ يُصَارُ إلَى نَحْوِ مَا ذُكِرَ (وَإِنْ نَظَرَ إلَى أَكْبَرَ مِنْهُ سِنًّا يَقُولُ إنَّهُ أَطَاعَ اللَّهَ تَعَالَى قَبْلِي وَإِنْ نَظَرَ إلَى أَصْغَرَ) سِنًّا مِنْهُ (يَقُولُ إنِّي عَصَيْت اللَّهَ قَبْلَهُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute