للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَقُولُونَ مَنْ أَقْرَأُ مِنَّا مَنْ أَعْلَمُ مِنَّا مَنْ أَفْقَهُ مِنَّا» كُلُّ الِاسْتِفْهَامِ لِلْإِنْكَارِ «أُولَئِكَ» الْإِشَارَةُ لِلتَّحْقِيرِ «مِنْكُمْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ» بَدَلٌ بِإِعَادَةِ الْجَارِّ لِإِفَادَةِ الْعُمُومِ «وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ» الْوَقُودُ مَا يُوقَدُ بِهِ النَّارُ (طب) الطَّبَرَانِيُّ (عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ لَا أَعْلَمُهُ) أَيْ الْحَدِيثَ الْآتِي (إلَّا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ قَالَ إنِّي عَالِمٌ فَهُوَ جَاهِلٌ» لِأَنَّ الْعَالِمَ لَا يَدَّعِي الْعِلْمَ وَمُدَّعِي الْعِلْمِ لَا يَكُونُ عَالِمًا.

وَعَنْ بَعْضِ الْحُكَمَاءِ مَنْ رَأَيْته مُجِيبًا عَنْ كُلِّ مَا سُئِلَ وَمُعَبِّرًا لِكُلِّ مَا شَهِدَ وَذَاكِرًا لِكُلِّ مَا عَلِمَ فَاسْتَدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى جَهْلِهِ، وَدَعْوَى عَدَمِ الْعِلْمِ مِنْ الْعَالِمِ دَلِيلٌ عَلَى قُوَّةِ عِلْمِهِ لَعَلَّك قَدْ سَمِعْت صُدُورَ لَا أَدْرِي مَنْ أَفْضَلُ الْبَشَرِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ التَّحِيَّةِ وَالتَّسْلِيمَةِ حِينَ سُئِلَ عَنْ أَفْضَلِ الْبِقَاعِ، وَجَبْرَائِيلُ أَيْضًا حِينَ سَأَلَهُ عَنْهُ حَتَّى سُئِلَ مِنْ اللَّهِ فَأَجَابَ بِالْمَسَاجِدِ وَفِي شِفَاءِ عِيَاضٍ «حِينَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف: ١٩٩] سَأَلَ جَبْرَائِيلُ عَنْ تَأْوِيلِهَا فَقَالَ حَتَّى أَسْأَلَ الْعَالِمَ ثُمَّ ذَهَبَ ثُمَّ أَتَاهُ، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَأْمُرُك أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَك وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَك وَتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَك، وَقَالَ لَهُ {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان: ١٧] » انْتَهَى وَأَيْضًا حِينَ سُئِلَ الشَّعْبِيُّ عَنْ مَسْأَلَةٍ قَالَ لَا أَدْرِي، فَقِيلَ لَهُ أَمَّا تَسْتَحْيِي وَأَنْتَ مُفْتِي الْعِرَاقِيِّينَ، فَقَالَ إنَّ الْمَلَائِكَةَ الْمُقَرَّبِينَ قَالُوا {لا عِلْمَ لَنَا} [البقرة: ٣٢] فَكَيْفَ أَنَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَيْضًا لَا أَدْرِي فَقِيلَ أَنْتَ تَأْكُلُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَذَا فَكَيْفَ تَقُولُ لَا أَدْرِي فَقَالَ آكُلُ عَلَى قَدْرِ عِلْمِي وَلَوْ أَكَلْت عَلَى قَدْرِ جَهْلِي مَا كَفَانِي مَالُ الدُّنْيَا بِأَجْمَعِهَا، وَمِثْلُهَا عَنْ عِيَاضٍ وَعَنْ الْغَيْرِ وَلَعَلَّك سَمِعْته مَعَ زِيَادَةٍ فَارْجِعْ وَنُقِلَ عَنْ الْحِكَمِ الْعَطَائِيَّةِ لَأَنْ تَصْحَبَ جَاهِلًا لَا يَرْضَى عَنْ نَفْسِهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَصْحَبَ عَالِمًا يَرْضَى عَنْ نَفْسِهِ لَعَلَّ الْمَنْعَ عِنْدَ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَالتَّكَبُّرِ وَنَحْوِهِمَا وَإِلَّا فَعِنْدَ الْمَصْلَحَةِ الدِّينِيَّةِ فَيَجُوزُ.

قَالَ الْمُصَنِّف - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا أَدْرِي عَالِمًا مُنْصِفًا) فَإِنَّ غَيْرَ الْمُنْصِفِ لَا اعْتِبَارَ لَهُ (إذَا نَظَرَ وَتَأَمَّلَ فِي أَحْوَالِهِ وَأَعْمَالِهِ يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ أَنَّهَا بَرِيئَةٌ مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ) الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَخْبَارِ (بَلْ الظَّنُّ) الْغَالِبُ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْيَقِينِ (أَنْ يَحْكُمَ) ذَلِكَ الْعَالِمُ (عَلَيْهَا) عَلَى نَفْسِهِ (بِهَا) بِهَذِهِ الْآفَاتِ الْمُهْلِكَاتِ (أَوْ بِبَعْضِهَا) كَمَا قِيلَ لِلشَّعْبِيِّ أَيُّهَا الْعَالِمُ قَالَ لَسْت بِعَالِمٍ إنَّمَا الْعَالِمُ مَنْ يَخْشَى اللَّهَ، قَالَ الْغَزَالِيُّ الْعِلْمُ لَا يُبْعِدُ عَنْ الْمَعَاصِي وَلَا يَحْمِلُ عَلَى الطَّاعَةِ وَلَنْ يُبْعِدَ غَدًا عَنْ نَارِ جَهَنَّمَ (فَتَكَبُّرُهُ بِالْعِلْمِ جَهْلٌ مَحْضٌ) لِأَنَّ الْعِلْمَ الْمُعْتَدَّ بِهِ إنَّمَا يَكُونُ آلَةً لِلتَّوَاضُعِ لَا لِلْكِبْرِ قِيلَ لَيْتَ شِعْرِي مَنْ عَرَفَ هَذِهِ الْأَخْلَاقَ وَسَمِعَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْوُ قَوْلِهِ «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ» كَيْفَ يُعَظِّمُ نَفْسَهُ وَيَتَكَبَّرُ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ فِي النَّارِ، وَالْعَظِيمُ مَنْ خَلَا مِنْ النَّارِ.

وَثَانِيَةُ الْمَعْرِفَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَتْ أُولَاهُمَا مَعْرِفَةَ فَضْلِ الْعَالِمِ يَعْنِي الثَّانِي فِي عِلَاجِ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ أَسْبَابِ الْكِبْرِ (أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ الْكِبْرَ مِنْ الْعِبَادِ حَرَامٌ وَأَنَّهُ لَا يَلِيقُ إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ صِفَةٌ مُخْتَصَّةٌ بِهِ تَعَالَى)

<<  <  ج: ص:  >  >>