للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ إعْجَابًا مِنْ الْكَثْرَةِ وَالشَّوْكَةِ لَا انْهِزَامَ لَنَا فِيمَا بَعْدُ وَلَمَّا وَصَلَ إلَى سَمْعِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَرِهَ ذَلِكَ فَرَفَعَ اللَّهُ النُّصْرَةَ فِي أَوَّلِ تِلْكَ الْغَزْوَةِ تَأْدِيبًا لَهُمْ بِأَنَّ الْكَثْرَةَ لَا تُغْنِي شَيْئًا بِدُونِ نُصْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى.

قَالَ تَعَالَى {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} [التوبة: ٢٥] .

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مَا أَصَابَ دَاوُد - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَنْبٌ إلَّا شَيْءٌ مِنْ نَحْوِ الْعُجْبِ إذْ قَالَ يَا رَبِّ مَا يَأْتِي مِنْ لَيْلَةٍ إلَّا وَإِنْسَانٌ مِنْ آلِ دَاوُد قَائِمٌ وَلَا يَأْتِي مِنْ يَوْمٍ إلَّا وَإِنْسَانٌ مِنْ آلِ دَاوُد صَائِمٌ فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ تَفْعَلْ ذَلِكَ إلَّا بِي وَلَوْلَا عَوْنِي إيَّاكَ مَا قَوِيت عَلَى ذَلِكَ وَسَأَكِلُك إلَى نَفْسِك وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ لَأَكِلَنك إلَى نَفْسِك فَابْتَلَاهُ بِمَا ابْتَلَاهُ (وَ) عِلَاجُ الْعُجْبِ النَّاشِئِ مِنْ الْغَفْلَةِ وَهُوَ عُجْبُ أَهْلِ السُّنَّةِ (التَّنَبُّهُ وَالتَّيَقُّظُ) عَنْ الْغَفْلَةِ (بِذِكْرِهِ) أَيْ بِتَذَكُّرِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى آخِرِهِ (وَإِخْطَارِهِ) كَذَلِكَ (بِالْبَالِ وَفِي الظَّاهِرِ) أَسْبَابُ الْعُجْبِ (أَسْبَابُ الْكِبْرِ السَّبْعَةِ السَّابِقَةِ) فِي الْمَبْحَثِ الثَّالِثِ (وَالْعِلَاجُ التَّفْصِيلِيُّ) لِكُلِّ سَبَبٍ مِنْهَا هُنَا (يُعْرَفُ مِمَّا سَبَقَ) فِي عِلَاجِهِ، ثُمَّ قِيلَ هُنَا عَنْ الْفَقِيهِ الْعُجْبُ يُدْفَعُ بِأَرْبَعَةٍ إذَا رَأَى تَوْفِيقًا يُشْغَلُ بِشُكْرِهِ وَإِذَا رَأَى نِعْمَةً يُشْغَلُ بِشُكْرِهَا وَأَنْ يَخَافَ عَدَمَ قَبُولِ الْعَمَلِ وَأَنْ يَخَافَ تَرْجِيحَ سَيِّئَاتِهِ وَكَيْفَ يُعْجَبُ الْمَرْءُ بِعَمَلِهِ وَلَا يَدْرِي مَاذَا يَخْرُجُ مِنْ كِتَابِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ عُجْبُهُ وَسُرُورُهُ بَعْدَ قِرَاءَةِ الْكُتُبِ (فَعَلَى السَّالِكِ) الَّذِي يَسْلُكُ مِنْ الدُّنْيَا إلَى الْعُقْبَى وَيُرِيدُ سَلَامَةَ بِضَاعَتِهِ، وَرَأْسُ مَالِ تِجَارَتِهِ فِي تِلْكَ الْعُقْبَى (الشُّكْرُ عَلَى كُلِّ مَا وَجَدَ فِيهِ مِنْ النِّعَمِ مِنْ عِلْمٍ وَعَمَلٍ وَغَيْرِهِمَا وَ) الشُّكْرُ أَيْضًا (عَلَى تَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَوْنِهِ وَنَصْرِهِ وَخَلْقِهِ وَإِعْطَائِهِ إيَّاهُ لَهُ) .

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: ٥٣] وَقَالَ {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} [النور: ٢١]- (وَمِنْ أَقْوَى الْعِلَاجِ مَعْرِفَةُ آفَاتِهِ) أَيْ الْعُجْبِ (وَهِيَ كَثِيرَةٌ) فَإِنَّ الْعُجْبَ يَدْعُو إلَى الْكِبْرِ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ أَسْبَابِهِ فَيَتَوَلَّدُ مِنْهُ الْكِبْرُ الْحَاوِي لِآفَاتٍ كَثِيرَةٍ كَمَا قَالَ (وَيَكْفِيك أَنَّهُ سَبَبٌ لِلْكِبْرِ وَنِسْيَانِ الذُّنُوبِ) الْمُتَسَبِّبِ عَنْ قَسْوَةِ الْقَلْبِ فَإِنَّ مَنْ عَدَّ عَمَلَهُ عَظِيمًا قَلَّمَا يَخْلُو عَنْ الْكِبْرِ وَأَنَّ مَنْ يَتَذَكَّرُ ذُنُوبَهُ لَا يَسْتَعْظِمُ عَمَلَهُ وَلَا يَخْلُو عَنْ إضَافَةِ عَمَلِهِ إلَى رَبِّهِ وَكَذَا بَوَاقِيهِ فَلَا يُتَوَهَّمُ، بَلْ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ فَإِنَّ نِسْيَانَ الذُّنُوبِ يَدْعُو إلَى الْكِبْرِ (وَ) نِسْيَانَ (نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّوْفِيقِ وَالتَّمْكِينِ) أَيْ الْأَقْدَارِ يَشْكُلُ أَنَّ اسْتِعْظَامَ الْعَمَلِ لَا يُنَافِي مُلَاحَظَةَ التَّوْفِيقِ سِيَّمَا عَلَى قَاعِدَةِ أَهْلِ الْحَقِّ فِي أَفْعَالِ الْعِبَادِ إذْ لَا يَخْلُو التَّوْفِيقُ عَنْ مَدْخَلِ الْعَبْدِ عَلَى جَرْيِ عَادَتِهِ تَعَالَى فَتَأَمَّلْ فِيهِ.

(وَ) سَبَبٌ (لِلْأَمْنِ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَذَابِهِ) فَإِنَّ مَنْ فِيهِ خَوْفُ اللَّهِ لَا يَسْتَعْظِمُ عَمَلَهُ فَإِنَّ الْعَمَلَ يُسْتَعْظَمُ عِنْدَ كَوْنِهِ مَقْبُولًا عِنْدَهُ تَعَالَى وَالْقَبُولُ يُوجِبُ الْأَمْنَ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْعِلَّةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>