اللِّسَانِ قَدْ يَعُودُ إلَى الْقَلْبِ كَمَا قَالُوا فِي الذِّكْرِ فَقَدْ يَنْقَادُ الْقَلْبُ لِمَا يَتَعَوَّدُ عَلَيْهِ اللِّسَانُ.
(ططص) الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالصَّغِيرِ (عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ» لُبِّهِ وَكَمَالِهِ «حَتَّى يَخْزُنَ لِسَانَهُ» كَالشَّيْءِ الْمَحْفُوظِ فِي الْخَزِينَةِ بِأَنْ لَا يُظْهِرَهُ بِلَا احْتِيَاجٍ سِيَّمَا عَنْ أَعْرَاضِ الْخَلْقِ وَاعْتِرَاضِ الْخَالِقِ.
قَالَ فِي الْفَيْضِ أَيْ يَجْعَلُ فَمَه خِزَانَةً لِلِسَانِهِ فَلَا يَفْتَحُهُ إلَّا بِمِفْتَاحِ إذْنِ اللَّهِ وَمِنْ لِلتَّبْعِيضِ أَيْ يَخْزُنُ لِسَانَهُ مِمَّا كَانَ بَاطِلًا لَغْوًا عَاطِلًا فَيَخْزُنُهُ مِنْ الْبَاطِنِ خَوْفَ الْعِقَابِ وَمِنْ اللَّغْوِ وَالْهَذَيَانِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْمُبَاحِ خَوْفَ الْعِقَابِ ثُمَّ قَالَ وَاللِّسَانُ أَشْبَهُ الْأَعْضَاءِ بِالْقَلْبِ لِسُرْعَةِ حَرَكَتِهِ فَإِذَا خَفَّ بِنُطْقِهِ بِطَبْعِهِ وَسُرْعَةِ حَرَكَتِهِ أُورِثَ الْقَلْبُ سَقَمًا وَإِذَا فَسَدَ الْقَلْبُ فَسَدَ الْبَطْنُ وَالظَّاهِرُ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «لَا يَسْتَقِيمُ عَبْدٌ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ» .
(طب عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَوْقُوفًا أَنَّهُ قَالَ «وَاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ شَيْءٌ أَحْوَجُ إلَى طُولِ سِجْنٍ» أَيْ إلَى الْمَوْتِ «مِنْ لِسَانٍ» لِكِبَرِ جُرْمِهِ مَعَ صِغَرِ حَجْمِهِ وَكَثْرَةِ جِنَايَتِهِ وَصُعُوبَةِ حِفْظِهِ فَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا وَإِنَّ الْجَرِيمَةَ عَلَى قَدْرِ الْجُرْمِ وَرُوِيَ أَنَّ قُسَّ بْنَ سَاعِدَةَ وَأَكْتَمَ بْنَ صَيْفِيٍّ اجْتَمَعَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ كَمْ وَجَدْت فِي بَنِي آدَمَ مِنْ الْعُيُوبِ فَقَالَ مَا أَصَبْته ثَمَانِيَةُ آلَافِ عَيْبٍ وَوَجَدْت خَصْلَةً إنْ اسْتَعْمَلَهَا سَتَرَتْ الْعُيُوبَ كُلَّهَا أَعْنِي حِفْظَ اللِّسَانِ وَرُوِيَ عَنْ ذِي النُّونِ أَنَّهُ حِينَ قِيلَ لَهُ مَنْ أَصْوَنُ النَّاسِ لِنَفْسِهِ قَالَ أَمْلَكَهُمْ لِلِّسَانِ.
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ بَكَّارَ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِكُلِّ شَيْءٍ بَابَيْنِ وَجَعَلَ لِلِّسَانِ أَرْبَعَةَ أَبْوَابٍ فَالشَّفَتَانِ مِصْرَاعَانِ وَالْأَسْنَانُ مِصْرَاعَانِ (شَيْخُ هق) أَبُو الشَّيْخِ وَالْبَيْهَقِيُّ (عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ فَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى» لِزِيَادَةِ تَمْكِينِ خَاطِرِهِمْ لِقُوَّةِ الِاهْتِمَامِ بِهِ وَإِلَّا فَعِلْمُهُمْ مُقْتَبَسٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ السُّؤَالُ مَعَ عِلْمِ السَّائِلِ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَهُ وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ اسْتِفَادَةُ النَّبِيِّ مِنْ الْأُمَّةِ خُصُوصًا فِي الشَّرْعِيَّاتِ «قَالَ فَسَكَتُوا فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ» لِعَدَمِ سَبْقِيَّةِ سَمَاعِهِمْ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَا دَخْلَ فِيهِ لِلرَّأْيِ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هُوَ» أَيْ أَحَبُّ الْأَعْمَالِ «حِفْظُ اللِّسَانِ» مِنْ كُلِّ شَيْءٍ غَيْرِ خَيْرٍ فَيَلْزَمُ أَنْ تَحْفَظَ كَلَامَكَ فِيمَا لَا يَعْنِيكَ وَهُوَ أَنْ تَتَكَلَّمَ بِكُلِّ مَا لَوْ سَكَتَّ عَنْهُ لَمْ تَأْثَمْ وَلَمْ تَتَضَرَّرْ حَالًا أَوْ مَآلًا كَمَا حَكَيْت لِقَوْمٍ أَسْفَارَك وَمَا رَأَيْت فِيهَا مِنْ جِبَالٍ وَتِلَالٍ وَأَنْهَارٍ وَالْبِلَادَ وَأَحْوَالَهَا فَإِنَّك فِي ذَلِكَ مُضَيِّعٌ أَوْقَاتَك وَأَوْقَاتَ الْمُسْتَمِعِينَ وَمُحَاسَبٌ عَلَى عَمَلِ لِسَانِك وَإِنْ مَزَجْت بِحِكَايَاتِكَ زِيَادَةً أَوْ نُقْصَانًا وَتَزْكِيَةَ نَفْسٍ فَأَنْتَ آثِمٌ وَكَذَا صَاحِبُك، مَثَلًا إذَا سَأَلْت رَجُلًا أَنْتَ صَائِمٌ فَإِنْ سَكَتَ تَأَذَّيْت وَإِنْ قَالَ لَا كَذَبَ وَإِنْ قَالَ نَعَمْ اسْتَبْدَلَ سِرَّ عَمَلِهِ جَهْرًا فَدَخَلَ عَلَيْهِ الرِّيَاءُ وَأَيْضًا يَلْزَمُ التَّوَقِّي عَنْ فُضُولِ الْكَلَامِ وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ فَإِنَّهُ مَذْمُومٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ آثِمًا كَمَا سَيَأْتِي.
وَبِالْجُمْلَةِ إنَّ حِفْظَ اللِّسَانَ مِنْ أَهَمِّ الْمُهِمَّاتِ وَأَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ إذْ هُوَ تُرْجُمَانُ الْقَلْبِ الَّذِي هُوَ مَنْظَرُ الرَّبِّ فَلَا يَنْبَغِي لِلتُّرْجُمَانِ أَنْ يَتَكَلَّمَ إلَّا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَإِلَّا فَيَسْتَحِقُّ الْمُعَاتَبَةَ (ت «عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) الثَّقَفِيِّ (- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قُلْت يَا نَبِيَّ اللَّهِ حَدِّثْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ» مِنْ النَّارِ وَمِنْ النَّدَامَةِ يَوْمَ الْبَوَارِ «قَالَ»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute