- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قُلْ» بِلِسَانِك أَوْ بِقَلْبِك أَوْ بِحَالِك وَشُهُودِك وَعِيَانِك يَعْنِي جَدِّدْ إيمَانَك بِاَللَّهِ ذِكْرًا بِقَلْبِك وَنُطْقًا بِلِسَانِك بِأَنْ تَسْتَحْضِرَ جَمِيعَ مَعَانِي الْإِيمَانِ الشَّرْعِيِّ «رَبِّي اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقِمْ» قِيلَ الِاسْتِقَامَةُ امْتِثَالُ كُلِّ مَأْمُورٍ وَتَجَنُّبُ كُلِّ مَنْهِيٍّ وَقِيلَ الْمُتَابَعَةُ لِلسُّنَنِ الْمُحَمَّدِيَّةِ مَعَ التَّخَلُّقِ بِالْأَخْلَاقِ الْمُرْضِيَةِ وَقِيلَ الِاتِّبَاعُ مَعَ تَرْكِ الِابْتِدَاعِ وَقِيلَ حَمْلُ النَّفْسِ عَلَى أَخْلَاقِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ وَهِيَ دَرَجَةٌ بِهَا كَمَالُ الْأُمُورِ وَتَمَامُهَا وَبِوُجُودِهَا حُصُولُ الْخَيْرَاتِ وَنِظَامِهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُطِيقُهَا إلَّا الْأَكَابِرُ لِأَنَّهَا الْخُرُوجُ عَنْ الْمَعْهُودَاتِ وَمُفَارَقَةُ الرُّسُومِ وَالْعَادَاتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا} [فصلت: ٣٠]- وَأَيْضًا قَدْ مَرَّ «قُلْت» أَيْ سُفْيَانُ «يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ» مِمَّا يُهْلِكُنِي «فَأَخَذَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِلِسَانِ نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ هَذَا» فَهُوَ أَشَدُّ مَا يُخَافُ لِمَا عَرَفْت أَنَّهُ مَنْبَعُ كُلِّ شَرٍّ فِي الْقُشَيْرِيَّةِ «عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا النَّجَاةُ قَالَ احْفَظْ عَلَيْك لِسَانَك» الْحَدِيثَ (ط عَنْ أَسْلَمَ) مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - دَخَلَ يَوْمًا عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ يَجْبِذُ لِسَانَهُ) مَقْلُوبُ يَجْذِبُ لِسَانَهُ مِنْ قَبِيلِ الِاشْتِقَاقِ الْكَبِيرِ عَلَى لُغَةِ تَمِيمٍ وَأَنْكَرَهُ ابْنُ السَّرَّاجِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ مَأْخُوذًا مِنْ الْآخَرِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُتَصَرِّفٌ فِي نَفْسِهِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْمِصْبَاحِ.
(فَقَالَ عُمَرُ لَهُ مَهْ) أَيْ اُكْفُفْ لِأَنَّهُ عَبَثٌ (غَفَرَ اللَّهُ لَك) لِاهْتِمَامِك بِهَذَا الشَّأْنِ (فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ إنَّ هَذَا أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ) مَوَاضِعَ الْهَلَاكِ وَفِي الشَّرْعِيَّةِ وَالْبَلَاءُ مُوَكَّلٌ بِالنُّطْقِ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَضَعُ حَجَرًا فِي فِيهِ لِيَمْنَعَ نَفْسَهُ عَنْ الْكَلَامِ بِمَا لَا يُهِمُّ وَفِي الْإِحْيَاءِ عَنْ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنْ كَانَ الْكَلَامُ مِنْ فِضَّةٍ فَالصَّمْتُ مِنْ ذَهَبٍ.
(خ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ تَضَمَّنَ لِي» تَكَفَّلَ تَفَعَّلَ مِنْ التَّكَلُّفِ «مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ» مِنْ الْفَرْجِ «وَمَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ» أَيْ اللِّسَانِ «تَضَمَّنْت لَهُ بِالْجَنَّةِ» اللَّحْي بِفَتْحِ اللَّامِ مَنْبَتُ اللِّحْيَةِ تَضَمَّنْت بِالْجَنَّةِ إمَّا بِالشَّفَاعَةِ أَوْ لِوُثُوقِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّ حِفْظَهُمَا يُدْخِلُ الْجَنَّةَ لِعِلْمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالرَّابِطَةِ بَيْنَهُمَا وَبِالْجُمْلَةِ إنَّ حِفْظَ اللِّسَانِ مِنْ أَسْبَابِ دُخُولِ الْجَنَّةِ (وَحِفْظُ اللِّسَانِ) عَنْ كُلِّ مَا لَا يَنْبَغِي (لَا يَتَيَسَّرُ إلَّا بِالِاحْتِرَازِ عَنْ كَثْرَةِ الْكَلَامِ) لِأَنَّ مَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ كَثُرَ مَلَامُهُ وَقِيلَ مَنْ عَدَّ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلَامُهُ إلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ وَفِي حَدِيثِ الْجَامِعِ مَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ كَثُرَ سَقَطُهُ وَمَنْ كَثُرَ سَقَطُهُ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ وَمَنْ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ كَانَتْ النَّارُ أَوْلَى بِهِ لِأَنَّ السَّقَطَ مَا لَا عِبْرَةَ بِهِ وَلَا نَفْعَ فَإِنْ لَغْوًا لَا إثْمَ فِيهِ حُوسِبَ عَلَى تَضْيِيعِ عُمْرِهِ وَكُفْرَانِ النِّعْمَةِ بِصَرْفِ نِعْمَةِ اللِّسَانِ عَنْ الذِّكْرِ إلَى الْهَذَيَانِ وَقَلَّمَا سَلِمَ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى مَا يُوجِبُ الْآثَامَ فَتَصِيرُ النَّارُ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْجَنَّةِ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ لَا تَبْسُطَنَّ لِسَانَك فَيُفْسِدَ عَلَيْك شَأْنَك وَفِي الْمَثَلِ السَّائِرِ رُبَّ كَلِمَةٍ تَقُولُ لِصَاحِبِهَا دَعْنِي دَعْنِي وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إلَى رَجُلٍ مِكْثَارٍ فَقَالَ يَا هَذَا وَيْحَك إنَّمَا تُمْلِي كِتَابًا إلَى رَبِّك يُقْرَأُ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ يَوْمَ الشَّدَائِدِ وَالْأَهْوَالِ وَأَنْتَ عَطْشَانُ عُرْيَانُ جَوْعَانُ فَانْظُرْ مَاذَا تُمْلِي وَلِابْنِ الْمُبَارَكِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute