للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَعْدَ بْنَ زِيَادٍ قَالَ الذَّهَبِيُّ مَتْرُوكٌ (أَنَّهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى «مَنْ لَمْ يَرْضَ بِقَضَائِي» لَا الْمَقْضِيِّ إذْ قَدْ يَكُونُ الرِّضَا بِهِ كُفْرًا كَالرِّضَا بِالْكُفْرِ كَمَا فِي الِاعْتِقَادِيَّةِ وَالْكَلَامِيَّةِ «، وَلَمْ يَصْبِرْ عَلَى بَلَائِي فَلْيَلْتَمِسْ رَبًّا سِوَايَ» فَإِنَّ شَأْنَ الرَّبِّ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي عَبْدِهِ مَا يَشَاءُ فَإِذَا لَمْ يَرْضَ بِقَضَائِهِ، وَلَمْ يَصْبِرْ عَلَى بَلَائِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِرُبُوبِيَّتِهِ فِي حَقِّهِ.

قَالَ الْمُنَاوِيُّ عَنْ الْغَزَالِيِّ كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ هَذَا لَا يَرْضَانَا رَبًّا حَتَّى سَخِطَ فَلْيَتَّخِذْ رَبًّا آخَرَ يَرْضَاهُ، وَلَيْسَ فِي السُّخْطِ إلَّا الْهَمُّ وَالضَّجَرُ فِي الْحَالِ وَالْوِزْرُ وَالْعُقُوبَةُ فِي الْمَآلِ إذْ لَا يَنْصَرِفُ الْقَضَاءُ بِالْهَلَعِ وَالْجَزَعِ كَمَا قِيلَ

مَا قَدْ قَضَى يَا نَفْسُ فَاصْطَبِرِي لَهُ ... وَلَك الْأَمَانُ مِنْ الَّذِي لَمْ يُقَدَّرْ

وَتَيَقُّنِي أَنَّ الْمُقَدَّرَ كَائِنٌ ... حَتْمٌ عَلَيْك صَبَرْت أَمْ لَمْ تَصْبِرِي

فَتَرْكُ التَّسْلِيمِ إضَاعَةُ ثَوَابِ الصَّابِرِينَ - وَاخْتِيَارُ الْخُسْرَانِ الْمُبِينِ - فَمَنْ رَضِيَ بِمَكْرُوهِ الْبَلَاءِ تَلَذَّذَ بِالْبَلَاءِ.

فَإِنْ قِيلَ الشَّرُّ وَالْمَعْصِيَةُ بِقَضَائِهِ تَعَالَى فَكَيْفَ الرِّضَا بِهِ - قُلْنَا الرِّضَا إنَّمَا يَلْزَمُ بِالْقَضَاءِ، وَقَضَاءُ الشَّرِّ لَيْسَ بِشَرٍّ بَلْ الشَّرُّ الْمَقْضِيُّ وَلَعَلَّك سَمِعْت فِي الِاعْتِقَادِ تَفْصِيلَهُ ثُمَّ قَالَ قَالُوا وَالْمَقْضِيَّاتُ أَرْبَعَةٌ نِعْمَةٌ وَشِدَّةٌ وَخَيْرٌ وَشَرٌّ فَالنِّعْمَةُ يَجِبُ الرِّضَا فِيهَا بِالْقَاضِي وَالْقَضَاءِ وَالْمَقْضِيِّ وَيَجِبُ عَلَيْهِ ذِكْرُ الْمِنَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ وَفَّقَهُ وَالشَّرُّ يَجِبُ فِيهِ الرِّضَا بِالْقَاضِي وَالْقَضَاءِ وَالْمَقْضِيِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَقْضِيٌّ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ شَرٌّ.

(تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي شَرْحِ الْعَوَارِفِ «أَوَّلُ مَا كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِي اللَّوْحِ إنِّي أَنَا اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا مَنْ لَمْ يَرْضَ بِقَضَائِي، وَلَمْ يَشْكُرْ نَعْمَائِي، وَلَمْ يَصْبِرْ عَلَى بَلَائِي فَلْيَطْلُبْ رَبًّا سِوَايَ» قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ لَمْ يَرْضَ بِقَضَائِي، وَقَدَرِي فَلْيَلْتَمِسْ رَبًّا غَيْرِي» قَالَ شَارِحُهُ فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَرْضَى وَيَشْكُرَ فَإِنَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمَصْلَحَةِ عَبْدِهِ، وَأَيُّ شَيْءٍ يَنْفَعُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ غَدًا يَشْكُرُ عَلَى الْبَلَايَا كَمَا يَشْكُرُ الصَّبِيُّ بَعْدَ الْبُلُوغِ عَلَى تَأْدِيبِ مُؤَدِّبِهِ وَضَرْبِهِ فَإِنَّ الْبَلَاءَ تَأْدِيبٌ مِنْ اللَّهِ، وَعَنْ التَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا أَعْرَابِيُّ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ فَقَالَ إلَى أَيْنَ فَقَالَ إبْرَاهِيمُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَقَالَ كَأَنَّك مَجْنُونٌ لَا أَرَى لَك مَرْكَبًا، وَلَا زَادًا وَالسَّفَرُ طَوِيلٌ فَقَالَ إبْرَاهِيمُ إنَّ لِي مَرَاكِبَ كَثِيرَةً، وَلَكِنْ لَا تَرَاهَا فَقَالَ مَا هِيَ فَقَالَ إذَا نَزَلَتْ عَلَيَّ بَلِيَّةٌ رَكِبْت مَرْكَبَ الصَّبْرِ، وَإِذَا نَزَلَتْ عَلَيَّ نِعْمَةٌ رَكِبْت مَرْكَبَ الشُّكْرِ، وَإِذَا نَزَلَ بِي الْقَضَاءُ رَكِبْت مَرْكَبَ الرِّضَا، وَإِذَا دَعَتْنِي النَّفْسُ إلَى شَيْءٍ عَلِمْت أَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْعُمُرِ أَقَلُّ مِمَّا مَضَى فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ سِرْ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنْتَ الرَّاكِبُ، وَأَنَا الرَّاجِلُ.

قَالَ فِي الْقُشَيْرِيَّةِ: اعْلَمْ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَكَادُ يَرْضَى عَنْ الْحَقِّ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَرْضَى عَنْهُ الْحَقُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [البينة: ٨] قَالَ تِلْمِيذٌ لِشَيْخِهِ إذَا وَجَدْت قَلْبِي رَاضِيًا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلِمْت أَنَّهُ رَاضٍ عَنِّي فَقَالَ الشَّيْخُ أَحْسَنْت يَا غُلَامُ، وَقِيلَ: قَالَ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَهِي دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إذَا عَمِلْته رَضِيتَ عَنِّي فَقَالَ لَهُ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ فَخَرَّ مُوسَى سَاجِدًا مُتَضَرِّعًا فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ يَا ابْنَ عِمْرَانَ إنَّ رِضَايَ فِي رِضَاك بِقَضَائِي. (حك عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَعْلَمَ مَنْزِلَتَهُ عِنْدَ اللَّهِ فَلْيَنْظُرْ مَنْزِلَةَ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَهُ» قِيلَ حَاصِلُهُ إنْ كَانَ الْعَبْدُ رَاضِيًا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فَاَللَّهُ رَاضٍ عَنْهُ فَلْيَنْظُرْ مَنْزِلَةَ اللَّهِ مِنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>