الَّذِينَ يُنَظِّفُونَ ثِيَابَهُمْ وَيَطْلُبُونَ الثِّيَابَ الرَّفِيعَةَ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَرُوسِ الَّتِي تُزَيِّنُ نَفْسَهَا طُولَ النَّهَارِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ عِبَادَةِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ وَبَيْنَ عِبَادَتِهِ صَنَمًا وَمَنْ رَأَى ثَوْبَهُ بِحَيْثُ يَلْتَفِتُ إلَيْهِ قَلْبُهُ فَهُوَ مَشْغُولٌ بِنَفْسِهِ وَقَالَ الْبَسْ مَا يَدْفَعُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ وَيَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَهُوَ كِسَاءٌ يُغَطِّي بِهِ رَأْسَهُ وَأَوْسَطُهُ قَمِيصٌ وَقَلَنْسُوَةٌ وَنَعْلَانِ وَأَعْلَاهُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مِنْدِيلٌ وَسَرَاوِيلُ وَرُوِيَ أَنَّ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَبِسَ الْمُسُوحَ حَتَّى نَقَبَتْ جِلْدَهُ، فَقَالَتْ أُمُّهُ الْبَسْ مَكَانَ الْمِسْحِ جُبَّةً مِنْ صُوفٍ فَفَعَلَ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ يَا يَحْيَى أَنْتَ عَلَى الدُّنْيَا فَبَكَى وَنَزَعَهَا وَعَادَ كَمَا كَانَ وَقَالَ أَيْضًا «وَكَانَتْ قِيمَةُ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَاحْتَذَى نَعْلَيْنِ جَدِيدَتَيْنِ فَأَعْجَبَهُ حُسْنَهُمَا فَخَرَّ سَاجِدًا وَقَالَ تَوَاضَعْت لِرَبِّي خَشْيَةَ أَنْ يَمْقُتَنِي ثُمَّ خَرَجَ بِهِمَا إلَى أَوَّلِ مِسْكِينٍ لَقِيَهُ فَأَعْطَاهُ إيَّاهُمَا» وَاشْتَرَى عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ثَوْبًا بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ فَلَبِسَهُ وَهُوَ خَلِيفَةٌ وَقَطَعَ كُمَّيْهِ مِنْ رُسْغٍ وَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَذَا مِنْ رِيَاشِهِ وَتَمَامُهُ فِي الْمُنَاوِيِّ.
(وَمِنْهَا أَنْ يَسْتَنْكِفَ عَنْ) إجَابَةِ (دَعْوَةِ الْفَقِيرِ) وَأَنْ يَحْضُرَ إلَى ضِيَافَتِهِ (لَا عَنْ دَعْوَةِ الْغَنِيِّ وَالشَّرِيفِ) حَيْثُ يُجِيبُ دَعْوَتَهُمَا وَقَدْ كَانَ الْفُقَرَاءُ أَفْضَلَ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ وَإِنْ كَانُوا شَاكِرِينَ مَا دَامَ الْفُقَرَاءُ صَابِرِينَ وَأَيْضًا فِي طَعَامِهِمْ بَرَكَةٌ وَجَبْرُ قُلُوبِهِمْ وَكَسْرُ صَوْلَةِ النَّفْسِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُنْظُرُوا إلَى مَنْ هُوَ دُونَكُمْ وَلَا تَنْظُرُوا إلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى» وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ «أَوْصَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أُحِبَّ الْمَسَاكِينَ وَأَدْنُوَ مِنْهُمْ» وَقَدْ «نَهَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - عَنْ مُخَالَطَةِ الْأَغْنِيَاءِ» وَعَنْ عُمَرَ إيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى أَهْلِ السَّعَةِ وَحِينَ سَأَلَ هِرَقْلُ أَبَا سُفْيَانَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ يَتْبَعُهُ أَشْرَافُ النَّاسِ أَوْ ضُعَفَاؤُهُمْ، فَقَالَ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ قَالَ هِرَقْلُ هُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ وَعَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ مَرَّ بِهِ الْغَنِيُّ وَالْمِسْكِينُ فِي الْمَسْجِدِ هَذَا يَعْنِي الْمِسْكِينَ خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِنْ مِثْلِ هَذَا يَعْنِي الْغَنِيَّ» .
(وَمِنْهَا أَنْ يَسْتَنْكِفَ عَنْ قَضَاءِ حَاجَةِ الْأَقْرِبَاءِ وَالرُّفَقَاءِ) مِنْ الْأَهْلِ وَالْأَوْلَادِ (فِي السُّوقِ خُصُوصًا شِرَاءَ الْأَشْيَاءِ الْخَسِيسَةِ كَالصَّابُونِ وَالْكَبِدِ وَالْكَرِشِ وَالْحِنَّاءِ وَالنُّورَةِ وَالْمَصْطَكَى وَالْمُشْطِ وَمِنْهَا أَنْ يَثْقُلَ عَلَيْهِ تَقَدُّمُ الْأَقْرَانِ فِي الْمَشْيِ وَالْجُلُوسِ بِحَيْثُ) ظَرْفٌ لِتَقَدُّمٍ أَوْ حَالٌ مِنْهُ (فَإِنْ اتَّفَقَ ذَلِكَ) التَّقَدُّمُ فِي الْمَشْيِ وَالْجُلُوسِ (فَإِمَّا أَنْ يَذْهَبَ وَيُفَارِقَ فَلَا يَمْشِي وَلَا يَجْلِسُ) مَعَهُ أَصْلًا (أَوْ يَبْعُدُ عَنْهُ فِي الْمَشْيِ وَالْجُلُوسِ بِحَيْثُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ أَقْرَانِهِ (أَشْخَاصٌ مِمَّنْ يَعْلَمُ كُلُّ أَحَدٍ أَنَّهُمْ) أَيْ الْأَشْخَاصَ (أَدْوَنُ مِنْهُ) مِنْ الْمُتَكَبِّرِ (لِيُظْهِرَ) بَيْنَ النَّاسِ (أَنَّهُ اخْتَارَ التَّوَاضُعَ إذْ لَوْ كَانَ مُتَّصِلًا مُؤَخَّرًا عَنْهُ) فِي الْمَشْيِ وَالْجُلُوسِ (لَظَنَّ أَنَّهُ أَدْوَنُ مِنْهُ) وَذَلِكَ يَخِفُّ عَلَى نُفُوسِ الْمُتَكَبِّرِينَ إذْ يُوهِمُونَ أَنَّهُمْ تَرَكُوا مَكَانَهُمْ بِالِاخْتِيَارِ وَالتَّفَضُّلِ فَيَكُونُ قَدْ تَكَبَّرَ وَتَكَبَّرَ بِإِظْهَارِ التَّوَاضُعِ أَيْضًا.
(وَمِنْهَا عَدَمُ قَبُولِ الْحَقِّ عِنْدَ مُنَاظَرَةِ الْأَقْرَانِ مِنْ صَاحِبِهِ) لِئَلَّا يَظُنَّ النَّاسُ أَعْلَمِيَّتَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute