قِيلَ تَنْزِيهًا لَكِنْ لَا يُلَائِمُهُ مَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ (لِمَا سَبَقَ فِي الْمِرَاءِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -) وَهُوَ «لَا تُمَارِ أَخَاك وَلَا تُمَازِحُهُ» (وَوَجْهُهُ) أَيْ النَّهْيِ (أَنَّ كَثْرَتَهُ تُسْقِطُ الْمَهَابَةَ وَالْوَقَارَ) فَهُمَا إنْ لَمْ يَكُونَا لِغَرَضٍ نَفْسَانِيٍّ وَمِيلٍ هَوَائِيٍّ أَمْرَانِ مَرْغُوبَانِ لَا سِيَّمَا مِمَّنْ هُوَ مُقْتَدًى بِهِ كَالْعُلَمَاءِ وَمَنْ هُوَ فِي مَقَامِ الِاحْتِسَابِ (وَيُورِثُ الضَّغِينَةَ) أَيْ الْحِقْدَ (فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ مُجَرَّدِ الْإِكْثَارِ بَلْ مِنْ طَبِيعَةِ مَا مَازَحَ بِهِ (وَ) يُورِثُ (كَثْرَةَ الضَّحِكِ) فَإِنَّ أَصْلَ الضَّحِكِ لَيْسَ بِمَذْمُومٍ لِأَنَّ (الْمُمِيتَ لِلْقَلْبِ) هُوَ كَثْرَةُ الضَّحِكِ لَا مُطْلَقُهُ
وَعَنْ بُسْتَانِ الْعَارِفِينَ يُكْرَهُ الضَّحِكُ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ عِنْدَ الْجِنَازَةِ وَعِنْدَ الْمَقَابِرِ وَعِنْدَ الْمَفْجُوعِ بِالْمُصِيبَةِ وَعِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَعِنْدَ ذِكْرِ اللَّهِ وَيُقَالُ الضَّحِكُ مِنْ غَيْرِ عَجَبٍ نَوْعٌ مِنْ الْجُنُونِ (ت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ مَنْ يَأْخُذُ عَنِّي هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمُ» مِنْ التَّعْلِيمِ «مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّ خَمْسًا فَقَالَ اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ» {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣]- وَإِنَّ الْعَمَلَ وَإِنْ كَثُرَ لَا يُقْبَلُ مَا لَمْ يُقَارَنْ بِالتَّقْوَى وَإِذَا قَارَنَ وَإِنْ قَلِيلًا فَمَقْبُولٌ فَمَنْ اتَّقَى جَمِيعَ الْمَحَارِمِ يَكُنْ مُتَّقِيًا فَيَصِيرُ عَمَلُهُ وَإِنْ قَلَّ مَقْبُولًا وَمَنْ لَمْ يَتَّقِ وَإِنْ كَثُرَ عَمَلُهُ لَا يَصِيرُ مَقْبُولًا - {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: ٢٧] كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْمُصَنِّفِ «وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَك» وَإِنْ قَلَّ «تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ» لِأَنَّ مَعْنَى الْغِنَى عَدَمُ الِاحْتِيَاجِ إلَى الْغَيْرِ فَمَنْ رَضِيَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ مِنْ الرِّزْقِ وَلَمْ يَطْلُبْ الزِّيَادَةَ يَكُنْ فَرْدًا سَابِقًا فِي الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ النَّاسِ فَإِنَّ الْغِنَى لَيْسَ بِكَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ وَالْقَنَاعَةُ غِنًى وَعِزٌّ بِاَللَّهِ وَضِدُّهَا فَقْرٌ وَذُلٌّ لِلْغَيْرِ وَمَنْ لَمْ يَقْنَعْ لَمْ يَشْبَعْ أَبَدًا فَفِي الْقَنَاعَةِ الْعِزُّ وَالْغِنَى وَالْحُرِّيَّةُ وَفِي فَقْدِهَا الذُّلُّ وَالتَّعَبُّدُ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الرِّزْقَ بِالْقَسْمِ وَالْحَظِّ لَا بِالْعِلْمِ وَالْعَقْلِ وَلَا فَائِدَةَ لِلْجِدِّ
قَالَ الْحُكَمَاءُ لَوْ جَرَتْ الْأَقْسَامُ عَلَى قَدْرِ الْعُقُولُ لَمْ تَعِشْ الْبَهَائِمُ وَنَظَمَهُ أَبُو تَمَّامٍ فَقَالَ
يَنَالُ الْفَتَى مِنْ عَيْشِهِ وَهُوَ جَاهِلٌ ... وَيُكْدِي الْفَتَى فِي دَهْرِهِ وَهُوَ عَالِمُ
وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْزَاقُ تَجْرِي عَلَى الْحِجَا ... هَلَكْنَ إذًا مِنْ جَهْلِهِنَّ الْبَهَائِمُ
«وَأَحْسِنْ إلَى جَارِك» بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ «تَكُنْ مُؤْمِنًا» كَامِلَ الْإِيمَانِ فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى الْإِحْسَانِ فَكُفَّ عَنْ أَذَاهُ وَإِنْ كَانَ مُؤْذِيًا لَك فَيَلْزَمُك الصَّبْرُ حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ لَك فَرَجًا «وَأَحِبَّ» أَيْ ارْضَ «لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِك تَكُنْ مُسْلِمًا» بِأَنْ تُحِبَّ لَهُمْ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِك مِنْ جِهَةٍ لَا تَزَاحَمُونِ فِيهَا فَإِنْ انْتَفَتْ الْمَحَبَّةُ لِنَحْوِ حِقْدٍ أَوْ حَسَدٍ انْتَفَى عَنْهُ كَمَالُ الْإِيمَانِ قَالَ السَّرِيُّ لِي ثَلَاثُونَ سَنَةً فِي الِاسْتِغْفَارِ مِنْ قَوْلِي الْحَمْدُ لِلَّهِ وَقَعَ فِي بَغْدَادَ حَرِيقٌ فَاسْتَقْبَلَنِي رَجُلٌ فَقَالَ نَجَا حَانُوتُك فَقُلْت الْحَمْدُ لِلَّهِ فَمُذْ قُلْتهَا فَأَنَا نَادِمٌ حَيْثُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute