للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النِّيَّةِ الصَّالِحَةِ) فِي ابْتِدَائِهِ وَأَثْنَائِهِ بِأَنْ يَقْصِدَ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَتَخْلِيصَ نَفْسِهِ مِنْ الْجَهْلِ وَمَضَرَّةِ النَّفْسِ وَالْهَوَى وَلَا يَقْصِدُ تَحْصِيلَ الْوَظَائِفِ وَالْمَدَارِسِ وَالْجَاهِ وَالرِّفْعَةِ وَسَوْقِ الدُّنْيَا وَإِلَّا لَانْقَلَبَتْ الْقَضِيَّةُ وَانْعَكَسَ الْأَمْرُ (وَالْعَمَلُ بِهِ وَنَشْرُهُ) كَالتَّدْرِيسِ (لِلَّهِ تَعَالَى بِلَا طَمَعِ نَفْعٍ مِنْ النَّاسِ وَأَخْذِ مَالٍ عَلَيْهِ وَإِلَّا) إنْ لَمْ يُقَارَنْ الْعِلْمُ بِالْعَمَلِ وَالنَّشْرِ وَلَمْ يَخْلُ عَنْ الطَّمَعِ وَأَخْذِ الْمَالِ (فَيَنْقَلِبُ عَلَيْهِ) الْأَمْرُ (فَيَصِيرُ أَخَسَّ مَرْتَبَةً مِنْ الْجَاهِلِ وَأَشَدَّ عَذَابًا مِنْهُ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ) وَعِنْدَ بَعْضٍ عَلَى الْعَكْسِ؛ لِأَنَّ الْجَاهِلَ تَرَكَ فَرْضَيْنِ الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ وَالْفَاسِقَ تَرَكَ الْعَمَلَ فَقَطْ. وَأُجِيبَ أَنَّ ذَلِكَ الْفَرْضَ وَإِنْ وَاحِدًا لَكِنْ لَمَّا كَانَ عَنْ عِلْمٍ كَانَ أَقْبَحَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ مَنْ يَعْلَمُ لَيْسَ كَمَنْ لَا يَعْلَمُ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِمٌ لَمْ يَنْفَعْهُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ» لَعَلَّ أَصْلَ هَذَا الْجَوَابِ مَا ذُكِرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا تَرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ عِنْدَنَا كَكَثْرَةِ مَا لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الشُّهْرَةِ وَإِنْ رَجَحَتْ بِكَثْرَةِ الْأُصُولِ وَكَذَا كَثْرَةُ الْأَجْزَاءِ وَالْفَرْقُ أَنَّ نَيْطَ الْحُكْمِ بِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ، فَلَا تَرْجِيحَ وَإِنْ بِالْمَجْمُوعِ فَنَعَمْ أَقُولُ لَعَلَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ لَيْسَ الْجَهْلَ الصِّرْفَ وَإِلَّا فَكُفْرٌ، بَلْ فِيمَا وَرَاءَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ الْعِلْمَ الْفَرْضَ غَايَتُهُ تَرْكُ تَفْصِيلِهِ وَأَدِلَّتِهِ وَدَقَائِقِهِ فَلَا يَصِلُ رُتْبَةَ الْفَرْضِ (فَكَيْفَ يَلِيقُ بِالْعَالِمِ) الَّذِي انْقَلَبَ عِلْمُهُ عَلَيْهِ وِزْرًا وَوَبَالًا لِقَلْبِهِ الْمَوْضُوعَ وَعَكْسِهِ الْمَعْقُولَ (أَنْ يَتَكَبَّرَ بِهِ) بِعِلْمِهِ ذَلِكَ (عَلَيْهِ) عَلَى الْجَاهِلِ وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ رُتْبَةً (وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ كَوْنَ الْعِلْمِ فَضِيلَةً مَشْرُوطٌ بِمُقَارَنَةِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ وَكَوْنُ عَذَابِ الْعَالِمِ الْفَاسِقِ أَشَدَّ مِنْ الْجَاهِلِ مَجْمُوعُ مَا ذُكِرَ مِنْ (مَا خُرِّجَ) لَكِنَّ بَعْضَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَحَادِيثِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى بَعْضِ الْمُدَّعَى وَإِنْ دَلَّ بَعْضُهُ عَلَى التَّمَامِ (ت) التِّرْمِذِيُّ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا لِغَيْرِ اللَّهِ» لِلتَّوَصُّلِ إلَى غَيْرِهِ كَالْجَاهِ وَالْمَالِ وَالْأَمَانِيِّ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالدُّنْيَا كَالْمَنْزِلَةِ عِنْدَ الْمُلُوكِ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ وَالْحُكَّامِ «أَوْ» لَمْ يَتَعَلَّمْ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنَّهُ بَعْدَ حُصُولِهِ «أَرَادَ بِهِ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى» كَمَا ذُكِرَ «فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» فَلْيَتَّخِذْ فِيهَا نُزُلًا فَإِنَّهَا دَارُهُ وَقَرَارُهُ وَفِي الْخَبَرِ «مَنْ يَتَعَلَّمُ الْعِلْمَ لِاكْتِسَابِ الدُّنْيَا وَالرِّفْعَةِ فِيهَا كَمَنْ رَفَعَ الْعَذِرَةَ بِمِلْعَقَةٍ مِنْ يَاقُوتٍ» فَمَا أَشْرَفَ الْوَسِيلَةَ وَمَا أَخَسَّ الْمُتَوَسَّلَ إلَيْهِ أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَى دَاوُد عَلَيَّ نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا تَجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَك عَالِمًا مَفْتُونًا فَيَصُدَّك عَنْ مَحَبَّتِي، أُولَئِكَ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ عَلَى عِبَادِي وَلَيْتَ شِعْرِي مَنْ شَهِدَ بِقَلْبِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْفَعَّالُ وَأَنَّهُ لَا ضَارَّ وَلَا نَافِعَ إلَّا هُوَ وَأَنَّ قُلُوبَ الْعِبَادِ بِيَدِهِ وَأَنَّهُ لَا يَنَالُ مِنْ الدُّنْيَا إلَّا مَا قُسِمَ لَهُ كَيْفَ يَقْصِدُ بِعِلْمِهِ غَيْرَهُ تَعَالَى فَمَا فِي الْفَيْضِ (د) أَبُو دَاوُد (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>