للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى» قَالَ الْمُحَشِّي يَعْنِي الْعُلُومَ الشَّرْعِيَّةَ مِنْ الْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ وَالْأُصُولَيْنِ وَأَمَّا مَا عَدَاهَا فَجَائِزٌ تَعَلُّمُهُ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بَعْضُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَبَعْضُهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَعُلُومِ الْعَرَبِيَّةِ «لَا يَتَعَلَّمُهُ إلَّا لِيُصِيبَ بِهِ غَرَضًا مِنْ الدُّنْيَا» بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَوْ الْمُهْمَلَةِ أَيْ الْمَتَاعَ وَقِيلَ عِوَضًا بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ فَالْوَاوُ «لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَعْنِي رِيحَهَا» مِنْ الرَّاوِي، وَفِي الْحَدِيثِ «وَإِنَّ عَرْفَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسَافَةِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ» فَإِمَّا كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ الدُّخُولِ أَصْلًا إنْ أَوْصَلَهُ إلَى الْكُفْرِ أَوْ أَوَّلًا فَكَامِلُ الْإِيمَانِ لَا يَفْعَلُ مِثْلَهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ تَعَلَّمْنَا الْعِلْمَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَأَبَى الْعِلْمُ أَنْ يَكُونَ إلَّا لِلَّهِ، وَحَدِيثُ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ» فَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَشْكُلُ بِهِ فِي مَقَامِنَا هَذَا فَافْهَمْ (طك) الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عُلَمَاءُ هَذِهِ الْأُمَّةِ رَجُلَانِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عِلْمًا فَبَذَلَهُ لِلنَّاسِ» بِالتَّعْلِيمِ وَالتَّذْكِيرِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَالْإِفْتَاءِ وَالْقَضَاءِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَشْمَلَ الْبَذْلَ بِإِظْهَارِ الْعَمَلِ لِيَقْتَدُوا بِهِ فِي الْعَمَلِ «وَلَمْ يَأْخُذْ عَلَيْهِ طَمَعًا» فِي مُقَابَلَةِ تَعْلِيمِهِ أَجْرًا، بَلْ طَلَبَ أَجْرَهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا أُجْرَةُ تَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ وَأَخْذُ وَظَائِفِ الدَّرْسِ وَالْمَدْرَسَةِ وَالْإِمَامَةِ وَالْخَطَابَةِ وَنَحْوِهَا فَقَدْ عُرِفَ مِنْ مَحَلِّهَا «وَلَمْ يَشْتَرِ بِهِ ثَمَنًا» يَعْنِي لَمْ يَبِعْهُ بِثَمَنٍ مِنْ أَثْمَانِ الدُّنْيَا وَمَتَاعِهَا، بَلْ طَلَبَ الْجَزَاءَ مِنْ رَبِّ الْجَزَاءِ «فَذَلِكَ» الرَّجُلُ «يَسْتَغْفِرُ لَهُ حِيتَانُ» جَمْعُ حُوتٍ «الْبَحْرِ» وَكَذَا النَّهْرُ وَالْغَدِيرُ دَلَالَةً أَوْ مُقَايَسَةً إمَّا حَقِيقَةٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِغْفَارَ مِنْهَا أَمْرٌ مُمْكِنٌ أَخْبَرَ بِهِ الصَّادِقُ فَمَضْمُونُهُ وَاقِعٌ وَأَنَّ النُّصُوصَ مَحْمُولَةٌ عَلَى ظَوَاهِرِهَا مَا لَمْ يَصْرِفْ صَارِفٌ قَطْعِيٌّ كَمَا مَرَّ وَقَدْ قَالَ {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [الحشر: ١] ، {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: ٤٤] ، وَحِكْمَةُ تَسْبِيحِهِمْ لِتَنْفَعَهُمْ بِالْعِلْمِ إذْ بِالْعِلْمِ يُدْرَى أَنَّ الطَّيْرَ لَا يُؤْذَى وَلَا يُقْتَلُ وَلَا يُذْبَحُ إلَّا فِيمَا شُرِعَ وَلَا يُعَذَّبُ بِجُوعٍ وَظَمَإٍ وَحَبْسٍ فِي حَرٍّ وَبَرْدٍ لَا يُطِيقُهُ وَلَا يَجُوزُ الصَّيْدُ لِلتَّلَهِّي كَمَا فِي الْفَيْضِ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ نُزُولَ الرَّحْمَةِ إنَّمَا هُوَ بِصَلَاحِ الْعَالِمِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْعِلْمِ، وَإِمَّا مَجَازٌ بِمَعْنَى أَنَّ اسْتِغْفَارَهُمْ لَهُ أَنْ يَكْتُبَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ بِعَدَدِ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ الْأَرْضِيَّةِ اسْتِغْفَارَةً مُسْتَجَابَةً حَكَاهُ عَنْ الْحَلِيمِيِّ فِي الْفَيْضِ أَيْضًا لَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِامْتِنَاعِ الْعَادِيِّ وَعَلَى تَأْوِيلِ النُّصُوصِ الظَّاهِرَةِ فِي إمْكَانِ ذَلِكَ «وَدَوَابُّ الْبَرِّ وَالطَّيْرُ فِي جَوِّ السَّمَاءِ» مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لِوُصُولِ بَرَكَةِ الْعِلْمِ إلَيْهِمْ أَوْ تَعْظِيمًا لَهُمْ، وَقِيلَ إنَّ الْحَالَ نَاطِقَةٌ بِذَلِكَ «وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ» تَعَالَى «عِلْمًا فَبَخِلَ بِهِ عَنْ عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى» وَلَمْ يُعَلِّمْ وَلَمْ يُدَرِّسْ وَلَمْ يُصَنِّفْ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ وَالْإِمْكَانِ «وَأَخَذَ عَلَيْهِ طَمَعًا وَشَرَى بِهِ ثَمَنًا» وَلَوْ قَلِيلًا؛ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ التَّنْكِيرَ لِلتَّقْلِيلِ حُكِيَ عَنْ تَاجِ الدِّينِ الْإِسْكَنْدَرِيِّ، أَمَّا عِلْمٌ يَكُونُ مَعَهُ الرَّغْبَةُ فِي الدُّنْيَا وَالتَّمَلُّقُ لِأَرْبَابِهَا وَصَرْفُ الْهِمَّةِ إلَى اكْتِسَابِهَا وَالْجَمْعُ وَالِادِّخَارُ وَالْمُبَاهَاةُ وَالِاسْتِكْثَارُ وَطُولُ الْأَمَلِ وَنِسْيَانُ الْآخِرَةِ فَمَا أَبْعَدَ مِنْ هَذَا الْعِلْمِ عِلْمُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَرَثَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَهَلْ يَنْتَقِلُ الشَّيْءُ الْمَوْرُوثُ إلَى الْوَارِثِ إلَّا بِالصِّفَةِ الَّتِي كَانَ بِهَا عِنْدَ الْمَوْرُوثِ عَنْهُ، وَمَثَلُ مَنْ هَذِهِ الْأَوْصَافُ أَوْصَافُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَمَثَلِ الشَّمْعَةِ تُضِيءُ عَلَى غَيْرِهَا وَهِيَ تُحْرِقُ نَفْسَهَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى عِلْمَ الْعَالِمِ الَّذِي عِلْمُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>