وَلَا عَلَى مَنْ يَنْظُرُ وُجُوهَ الْأَجْنَبِيَّاتِ وَلَا عَلَى الْمُغَنِّي وَلَا عَلَى مَنْ يَلْعَبُ الشِّطْرَنْجَ عِنْدَهُمَا وَلَا عَلَى الذِّمِّيِّ إلَّا عِنْدَ حَاجَتِهِ عِنْدَهُ وَأَمَّا لَوْ سَلَّمَ الذِّمِّيُّ فَيَرُدُّ بِقَوْلِهِ وَعَلَيْكُمْ فَقَطْ وَلَا يَرُدُّ سَلَامَ السَّائِلِ كَذَا فِي الْفُصُولِ الْأُسْرُوشَنِيَّة.
قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ هَلْ يُسَلِّمُ الْمِصْرِيُّ عَلَى الْقَرَوِيِّ أَوْ الْعَكْسُ اُخْتُلِفَ فِيهِ وَقِيلَ الَّذِي جَاءَ مِنْ الْمِصْرِ يُسَلِّمُ عَلَى الَّذِي جَاءَ مِنْ الْقَرْيَةِ وَقِيلَ عَلَى عَكْسِهِ وَالرَّاكِبُ يُسَلِّمُ عَلَى الْمَاشِي وَالْقَائِمُ عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ وَالصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ وَفِي الْفُصُولِ أَيْضًا مَنْ دَخَلَ عَلَى الْقَاضِي أَوْ الْأَمِيرِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَسِعَهُ أَنْ لَا يُسَلِّمَ عَلَيْهِ هَيْبَةً أَوْ احْتِشَامًا لَهُ وَبِهَذَا أُجْرِيَ الرَّسْمُ أَنَّ النَّاسَ إذَا مَرُّوا عَلَى الْوُلَاةِ وَالْأُمَرَاءِ لَا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِمْ وَإِلَيْهِ مَالَ الْخَصَّافُ انْتَهَى لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ يُنْبِئُ أَنَّ سَعَةَ عَدَمِ السَّلَامِ مُخْتَصٌّ بِزَمَانِ جُلُوسِهِمَا لِلْحُكْمِ وَقَوْلُهُ هَيْبَةً أَوْ احْتِشَامًا يُشْعِرُ بِالْإِطْلَاقِ.
وَكَذَا قَوْلُهُ وَبِهَذَا أُجْرِيَ إلَى آخِرِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ لَا احْتِرَازِيٌّ هَذَا وَإِنْ بَعِيدًا عَنْ التَّبَادُرِ لَكِنْ يُؤَيَّدُ بِقَوْلِ بَعْضٍ عَلَى الْقَاضِي حِينَ يَسْمَعُ الدَّعْوَى (ت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إلَى مَجْلِسٍ» وَفِي الْجَامِعِ إلَى الْمَجْلِسِ وَفَسَّرَ شَارِحُهُ بِحَيْثُ يَرَى الْجَالِسِينَ وَيَرَوْنَهُ وَيَسْمَعُ كَلَامَهُمْ وَيَسْمَعُونَ كَلَامَهُ «فَلْيُسَلِّمْ» عَلَيْهِمْ نَدْبًا مُؤَكَّدًا نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ سُنَّةٌ وَرَدَّهُ فَرْضٌ «فَإِنْ بَدَا لَهُ» أَيْ ظَهَرَ «أَنْ يَجْلِسَ فَلْيَجْلِسْ» ثَمَّةَ «ثُمَّ إذَا قَامَ» لِيَنْصَرِفَ «فَلْيُسَلِّمْ» عَلَيْهِمْ أَيْضًا نَدْبًا مُؤَكَّدًا وَإِنْ قَصُرَ الْفَصْلُ بَيْنَ سَلَامِهِ وَقِيَامِهِ وَإِنْ قَامَ فَوْرًا وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ «وَلَيْسَتْ» التَّسْلِيمَةُ «الْأُولَى أَحَقَّ» أَوْلَى «مِنْ» التَّسْلِيمَةِ «الثَّانِيَةِ» أَيْ: كِلْتَا التَّسْلِيمَتَيْنِ حَقٌّ وَسُنَّةٌ وَكَمَا أَنَّ التَّسْلِيمَةَ إخْبَارٌ عَنْ سَلَامَتِهِمْ مِنْ شَرِّهِ عِنْدَ الْحُضُورِ فَكَذَا الثَّانِيَةُ إخْبَارٌ عَنْ سَلَامَتِهِمْ مِنْ شَرِّهِ عِنْدَ الْغَيْبَةِ وَلَيْسَتْ السَّلَامَةُ عِنْدَ الْحُضُورِ أَوْلَى مِنْ السَّلَامَةِ عِنْدَ الْغَيْبَةِ
قَالَ النَّوَوِيُّ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْجَمَاعَةِ رَدُّ السَّلَامِ عَلَى مَنْ سَلَّمَ وَفَارَقَهُمْ وَقَوْلُ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي السَّلَامُ عِنْدَ الْمُفَارَقَةِ إنَّمَا يُنْدَبُ رَدُّهُ وَلَا يَجِبُ لِأَنَّ التَّحِيَّةَ إنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ إلْقَاءِ رَدِّهِ الشَّاشِيُّ بِأَنَّ السَّلَامَ سُنَّةٌ عِنْدَ الِانْصِرَافِ كَمَا هُوَ عِنْدَ الْجُلُوسِ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي الْفَيْضِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ زَادَ فِيهِ رَزِينٌ وَمَنْ سَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ حِينَ يَقُومَ عَنْهُمْ شَرِيكُهُمْ فِيمَا خَاضُوا فِيهِ مِنْ خَيْرٍ بَعْدَهُ
(خ م عَنْ «أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ مَرَّ عَلَى الصِّبْيَانِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ» أَيْ أَنَسٌ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ» أَيْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ فَالسَّلَامُ عَلَى الصِّبْيَانِ سُنَّةٌ لَكِنْ إنْ ظَنَّ رَدَّهُمْ وَفِي الْبُسْتَانِ اُخْتُلِفَ فِي السَّلَامِ عَلَيْهِمْ قِيلَ لَا وَقِيلَ نَعَمْ لَكِنَّ الْمُخْتَارَ تَسْلِيمُهُمْ إنْ ظَنَّ رَدَّهُمْ فَالْحَدِيثُ حُجَّةُ الْمُخْتَارِ (طب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «أَعْجَزُ النَّاسِ» أَيْ أَضْعَفُهُمْ رَأْيًا «مَنْ عَجَزَ فِي الدُّعَاءِ» وَفِي الْجَامِعِ عَنْ الدُّعَاءِ أَيْ الطَّلَبِ مِنْ اللَّهِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الشَّدَائِدِ لِتَرْكِهِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَتَعَرُّضِهِ لِغَضَبِهِ بِإِهْمَالِهِ وَمَا لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِيهِ وَفِيهِ قِيلَ
اللَّهُ يَغْضَبُ إنْ تَرَكْت سُؤَالَهُ ... وَبُنَيُّ آدَمَ حِينَ يُسْأَلَ يَغْضَبُ
وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْأَوْلَى الرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ بِعَدَمِ الدُّعَاءِ «وَأَبْخَلُ النَّاسِ» أَيْ أَمْنَعُهُمْ لِلْفَضْلِ وَأَشَحُّهُمْ «مَنْ بَخِلَ بِالسَّلَامِ» فَإِنَّهُ خَفِيفُ الْمُؤْنَةِ عَظِيمُ الْمَثُوبَةِ فَلَا يُهْمِلُهُ إلَّا مَنْ بَخِلَ بِالْقُرُبَاتِ وَشَحَّ بِالْمَثُوبَاتِ وَتَهَاوَنَ بِمَرَاسِمِ الشَّرِيعَةِ لَكِنْ يَشْكُلُ أَنَّ تَبَادُرَ بُخْلِ النَّاسِ مَنْعُ الزَّكَاةِ الَّتِي هِيَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ الْقَطْعِيُّ فَرْضِيَّتُهَا وَالسَّلَامُ أَمْرٌ مَنْدُوبٌ فَكَيْفَ يَكُونُ تَرْكُهُ كَمَنْعِهَا فَضْلًا عَنْ زِيَادَتِهَا
أَقُولُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنَّ أَصْلَ الْبُخْلِ لِتَرْكِ الْأَمْرِ الرَّبَّانِيِّ وَزِيَادَتَهُ لِكَوْنِ بَخِيلَ الْمَالِ مَعْذُورًا فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّ النُّفُوسَ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّهِ إلَى أَنْ يَكُونَ عَدِيلًا لِلرُّوحِ وَأَمَّا السَّلَامُ فَلَيْسَ فِيهِ إتْعَابٌ وَقَهْرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute