للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: ٣٧] الْآيَةَ) قَالَ الْإِمَامُ الرَّاغِبُ فِي الْمُفْرَدَاتِ الْعَجَلَةُ طَلَبُ الشَّيْءِ قَبْلَ أَوَانِهِ وَعَنْ تَفْسِيرِ أَبِي السُّعُودِ الْعَجَلُ الطِّينُ بِلُغَةِ حِمْيَرَ فَقِيلَ فَحِينَئِذٍ لَا تَقْرِيبَ لَا يَخْفَى أَنَّ عَدَمَ التَّقْرِيبِ عِنْدَ إرَادَةِ هَذَا الْمَعْنَى وَلَيْسَ فَلَيْسَ {سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ} [الأنبياء: ٣٧] فَإِنْ قِيلَ إنْ كَانَ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ كَانَتْ الْعَجَلَةُ طَبْعًا غَرِيزِيًّا فَمَا مَعْنَى النَّهْيِ، وَالنَّهْيُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْعَقْلِ الِاخْتِيَارِيِّ؟ . أُجِيبَ أَنَّ الْعَائِقَ كُلَّمَا كَانَ أَشَدَّ كَانَتْ الْقُدْرَةُ عَلَى مُخَالَفَتِهِ أَكْمَلَ فَافْهَمْ (وَ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ} [طه: ١١٤] الْآيَةَ) .

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولا} [الإسراء: ١١] عَنْ الْمُبَرِّدِ مِنْ شَأْنِهِ الْعَجَلَةُ، وَقِيلَ أَيْ تَعْجِيلٌ فِي الْأَمْرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ كُنْ، وَقِيلَ عَلَى الْقَلْبِ بِمَعْنَى خُلِقَ الْعَجَلُ مِنْ الْإِنْسَانِ، وَعَنْ بَعْضٍ خُلِقَتْ الْعَجَلَةُ مِنْ الْإِنْسَانِ وَحَقِيقَتُهُ تَدُلُّ عَلَيْهَا وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلَّذِي يُكْثِرُ الشَّيْءَ خُلِقْتَ مِنْهُ، وَقِيلَ مِنْ أَخْلَاقِ الشَّيْطَانِ الْعَجَلَةُ وَالطَّيْشُ وَالْإِنْسَانُ بِطَبْعِهِ عَجُولٌ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ لَهُ الْعَقْلَ، وَأَرْشَدَهُ إلَى التَّثَبُّتِ وَالتَّأَنِّي فَمَنْ اسْتَعْمَلَ عَقْلَهُ فِي تَحْصِيلِ هَذَيْنِ الْخُلُقَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ فَقَدْ فَارَقَ الشَّيْطَانَ فِي الطِّبَاعِ. وَعَنْ الْبَيْهَقِيّ عَلَى رِوَايَةِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التَّأَنِّي مِنْ اللَّهِ» أَيْ التَّثَبُّتُ فِي الْأُمُورِ «وَالْعَجَلَةُ مِنْ الشَّيْطَانِ» .

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: إنَّمَا كَانَتْ الْعَجَلَةُ مِنْ الشَّيْطَانِ؛ لِأَنَّهَا خِفَّةٌ وَطَيْشٌ وَحِدَّةٌ فِي الْعَبْدِ تَمْنَعُهُ مِنْ التَّثَبُّتِ وَالْوَقَارِ وَالْحِلْمِ وَتُوجِبُ وَضْعَ الشَّيْءِ بِغَيْرِ مَحَلِّهِ وَتَجْلُبُ الشُّرُورَ وَتَمْنَعُ الْخُيُورَ، وَعَنْ الْغَزَالِيِّ الْعَجَلَةُ فِعْلُ الشَّيْءِ قَبْلَ أَوَانِهِ الْأَلْيَقِ. فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا كَانَتْ الْعَجَلَةُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَمَا الْحِكْمَةُ فِي طَبْعِ الْإِنْسَانِ عَلَى الْعَجَلَةِ قُلْت لِتَكُونَ الْعَجَلَةُ مَطِيَّةً فِي طَرِيقِ الْآخِرَةِ فَإِذَا جَمَحَتْ بِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ حَبَسَهَا بِزِمَامِ الْعَقْلِ.

وَعَنْ حَاتِمٍ الْأَصَمِّ الْعَجَلَةُ مِنْ الشَّيْطَانِ إلَّا فِي خَمْسٍ فَإِنَّهَا مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إطْعَامُ الضَّيْفِ وَتَجْهِيزُ الْمَيِّتِ وَتَزْوِيجُ الْبِكْرِ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ وَالتَّوْبَةُ مِنْ الذُّنُوبِ، وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ثَلَاثَةٌ لَا تُؤَخِّرُهَا الصَّلَاةُ إذَا أَتَتْ وَالْجِنَازَةُ إذَا حَضَرَتْ وَالْأَيِّمُ إذَا وَجَدَتْ كُفُؤًا.

(ت) (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «السَّمْتُ الْحَسَنُ» أَيْ الْهَيْئَةُ الْمَرْضِيَّةُ وَالسَّمْتُ الطَّرِيقُ وَالْقَصْدُ وَالسَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ «وَالتُّؤَدَةُ» التَّأَنِّي وَالتَّثَبُّتُ وَتَرْكُ الْعَجَلَةِ، وَقِيلَ التَّرَفُّقُ وَالتَّمَهُّلُ فِي الْأُمُورِ «وَالِاقْتِصَادُ» بَيْنَ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ «جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» أَيْ هَذِهِ الْخِصَالُ مِنْ شَمَائِلِ أَهْلِ النُّبُوَّةِ وَجُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ فَضَائِلِهِمْ فَاقْتَدُوا بِهِمْ فِيهَا وَتَابِعُوهُمْ عَلَيْهَا فَإِنَّ أَمْرَ النُّبُوَّةِ لَا يَتِمُّ بِدُونِهَا، وَأَمْثَالُ هَذِهِ التَّقَادِيرِ مِمَّا لَا يُهْتَدَى إلَى تَعَيُّنِهَا إلَّا بِنُورِ الْوَحْيِ فَمَعْرِفَةُ مِثْلِهَا بِالرَّأْيِ وَالِاسْتِنْبَاطِ مَسْدُودَةٌ ثُمَّ الْعَجَلَةُ إنَّمَا تَكُونُ مَذْمُومَةً فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ لِاحْتِيَاجِهَا إلَى التَّأَمُّلِ وَالتَّفْكِيرِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِعَوَاقِبِهَا.

وَأَمَّا فِي الْأُمُورِ الْأُخْرَوِيَّةِ فَلَيْسَتْ بِمَذْمُومَةٍ فِي الْأَصْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [الحديد: ٢١] {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: ١٤٨]- وَكَانَ الْبُوشَنْجِيُّ فِي الْخَلَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>