للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨] بَاقٍ لَعَلَّ التَّحْقِيقَ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْكُلِّ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْعَامِّ الَّذِي خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ، وَلَوْ بِنَوْعِ التَّحَمُّلِ.

(وَاسْتِعَاذَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ) أَيْ الْكَسَلِ (رَوَاهَا) فِي الِاسْتِعَاذَةِ (خ م عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -) ، وَعَنْ أَبَوَيْهَا (، وَأَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) الْقِيَاسُ تَقْدِيمُ الذَّكَرِ عَلَى الْإِنَاثِ كَمَا فِي الشَّهَادَاتِ لَكِنْ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ عَائِشَةَ عَلَى أَنَسٍ فِي الْعِلْمِ وَالْفَقَاهَةِ، وَقُرْبِ النُّبُوَّةِ وَالشَّرَفِ وَالْفَضِيلَةِ قَدَّمَهَا فِي التَّرْتِيبِ فَأَمَّا عَنْ عَائِشَةَ فَعَلَى مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِرَمْزِ الشَّيْخَيْنِ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ» إلَى آخِرِهِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ الْكَسَلُ التَّثَاقُلُ وَالتَّرَاخِي عَمَّا يَنْبَغِي مَعَ الْقُدْرَةِ أَوْ هُوَ عَدَمُ انْبِعَاثِ النَّفْسِ لِفِعْلِ الْخَيْرِ وَالْعَاجِزُ مَعْذُورٌ وَالْكَسْلَانُ لَا وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ حَالَةٌ رَدِيئَةٌ، وَلَوْ مَعَ عُذْرٍ فَلِذَلِكَ تَعَوَّذَ مِنْهُ.

وَأَمَّا عَنْ أَنَسٍ فَكَمَا فِي الْجَامِعِ بِرَمْزِ الشَّيْخَيْنِ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ» إلَخْ عَنْ النَّوَوِيِّ الْكَسَلُ انْبِعَاثُ النَّفْسِ لِلْخَيْرِ، وَقِلَّةُ الرَّغْبَةِ فِيهِ مَعَ إمْكَانِهِ.

(وَكَوْنُ مُقْتَضَاهُ هَلَاكَ النَّفْسِ وَالْبَدَنِ) عِنْدَ التَّفْرِيطِ فِي أَمْرِهِمَا (وَكَوْنُهُ تَشَبُّهًا بِالْجَمَادِ) فِي عَدَمِ التَّحَرُّكِ وَكَمَالِ الْجُمُودِ فِي الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ كَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَرَكَةٌ إرَادِيَّةٌ (وَ) كَوْنُهُ (إبْطَالًا لِلْحِكْمَةِ) مِنْ خَلْقِهِ تَعَالَى وُجُودَهُ لِيَعْبُدَهُ تَعَالَى أَوْ مِنْ خَلْقِهِ الْحَوَاسَّ لِيَصْرِفَهَا لِلْمَنَافِعِ الَّتِي تَنْبَغِي لِكُلٍّ مِنْهَا.

(وَالْعِلَاجُ الْعَمَلِيُّ لِلْكَسَلِ مُجَالَسَةُ أَرْبَابِ الْجِدِّ وَالسَّعْيِ) فَإِنَّ الصُّحْبَةَ سَارِيَةٌ وَالطَّبِيعَةَ سَارِقَةٌ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ بَعْضِ السَّلَفِ اسْتَكْثِرْ مِنْ الْإِخْوَانِ مَا قَدَرْت فَإِنَّ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ شَفَاعَةً فِي تَعْلِيمِ الْمُتَعَلِّمِ قِيلَ

عَنْ الْمَرْءِ لَا تَسْأَلْ وَأَبْصِرْ قَرِينَهُ ... فَإِنَّ الْقَرِينَ بِالْمُقَارِنِ يَقْتَدِي

فَإِنْ كَانَ ذَا شَرٍّ فَجَنِّبْهُ سُرْعَةً ... وَإِنْ كَانَ ذَا خَيْرٍ فَقَارِنْهُ تَهْتَدِي

وَيَنْبَغِي أَنْ يُحِبَّهُمْ حَتَّى تَنْعَكِسَ مِنْهُمْ أَحْوَالُهُ كَمَا قِيلَ وَمِنْ آثَارِ حُبِّ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَتَعَدَّى مِنْ الْمَحْبُوبِ إلَى مَنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ وَيُنَاسِبَهُ، وَلَوْ مِنْ بُعْدٍ مِنْ مَحْبُوبِ مَحْبُوبِهِ وَمَنْ يُثْنِي عَلَيْهِ حَتَّى مَنْزِلِهِ وَمَحَلَّتِهِ وَجِيرَانِهِ حَتَّى قِيلَ إنَّ الْمُؤْمِنَ إذَا أَحَبَّ الْمُؤْمِنَ أَحَبَّ كَلْبَهُ وَيَنْبَغِي فِيمَنْ تُرِيدُ صُحْبَتَهُ خَمْسُ خِصَالٍ الْعَقْلُ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَتَرْكُ الْفِسْقِ وَالِابْتِدَاعِ وَالْحِرْصِ عَلَى الدُّنْيَا (وَمُجَانَبَةُ الْكَسَالَى وَالْبَطَّالِينَ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} [الكهف: ٢٨] لِئَلَّا يَسْرِيَ إلَيْهِ حَالُهُمْ قَالَ فِي تَعْلِيمِ الْمُتَعَلِّمِ، وَأَنْشَدْت هَذَا الشَّعْرَ عِنْدِي

لَا تَصْحَبْ الْكَسْلَانَ فِي حَالَاتِهِ ... كَمْ صَالِحٍ بِفَسَادِ آخَرَ يَفْسُدُ

عَدْوَى الْبَلِيدِ إلَى الْجَلِيدِ سَرِيعَةٌ ... كَالْجَمْرِ يُوضَعُ فِي الرَّمَادِ فَيَخْمُدُ

وَفِي مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ قَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ لَا تَصْحَبْ مِنْ النَّاسِ إلَّا مَنْ يَكْتُمُ وَيَسْتُرُ عَيْبَك وَيَكُونُ مَعَك فِي النَّوَائِبِ وَيُؤْثِرُك فِي الرَّغَائِبِ وَيَنْشُرُ حَسَنَتَك وَيَطْوِي سَيِّئَتَك فَإِنْ لَمْ تَجِدْهُ فَلَا تَصْحَبْ إلَّا نَفْسَك (وَالضَّعْفُ يُعَالَجُ بِالتَّأَمُّلِ فِي أَنَّ الْحَيَاءَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَحَقُّ، وَعَذَابَهُ أَشَدُّ) فَلَا تَدَعْ الطَّاعَةَ لِشَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ، وَفِي الْحَدِيثِ «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ» (وَمُجَالَسَةُ الْأَقْوِيَاءِ) فِي عَمَلِ الطَّاعَةِ (وَذَوِي الصَّلَابَةِ فِي الدِّينِ) قَالَ فِي الْحِكَمِ الْعَطَائِيَّةِ فِي بَابِ الصُّحْبَةِ لَا تَصْحَبْ مِنْ لَا يُنْهِضُك حَالُهُ وَلَا يَدُلُّ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَقَالُهُ قَالَ فِي شَرْحِهِ: الصُّحْبَةُ أَصْلٌ كَبِيرٌ مِنْ أُصُولِ الْقَوْمِ، وَفِيهَا مَنَافِعُ، وَفَوَائِدُ وَالْحَالُ هُنَاكَ كَوْنُ هِمَّتِهِ مُنْحَصِرَةً بِهِ تَعَالَى مُعْرِضًا عَمَّا سِوَاهُ وَحَصْرُ الْتِجَائِهِ إلَيْهِ تَعَالَى، وَإِسْقَاطُ نَظَرِهِ عَنْ غَيْرِهِ تَعَالَى فِي النَّفْعِ وَالضُّرِّ وَإِسْقَاطُ نَفْسِهِ مِنْ عَيْنِهِ فَلَا يُشَاهِدُ لَهَا فِعْلًا فَصُحْبَةُ مَنْ هَذِهِ حَالُهُ، وَإِنْ قَلَّتْ عِبَادَتُهُ جَالِبَةٌ لِكُلِّ نَفْعٍ دِينِيٍّ وَدُنْيَوِيٍّ.

قَالَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ: لَا تُعَاشِرْ مِنْ النَّاسِ إلَّا مَنْ تَزِيدُ عِنْدَهُ بِبِرٍّ وَتَنْقُصُ عِنْدَهُ بِإِثْمٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ كُنْ مَعَ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا بِالْأَدَبِ وَمَعَ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ بِالْعِلْمِ وَمَعَ الْعَارِفِينَ كَيْفَ شِئْت، وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - شَرُّ الْأَصْدِقَاءِ مَنْ أَحْوَجَك

<<  <  ج: ص:  >  >>