للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَإِنَّ أَكْثَرَ الْفُقَهَاءِ) لَعَلَّ الْأَكْثَرِيَّةَ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِ أَبِي حَنِيفَةَ وَسَائِرِ الْأَئِمَّةِ كَالشَّافِعِيِّ وَإِنْ لَمْ نَطَّلِعْ عَلَى أَقْوَالِ السَّائِرِينَ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّ الْإِمَامَيْنِ ذَهَبَا إلَى الْحَجْرِ، وَأَبَا حَنِيفَةَ إلَى عَدَمِهِ لَكِنْ قَالُوا إنْ خَالَفَ أَبَا حَنِيفَةَ صَاحِبَاهُ يُخَيَّرُ وَيَعْمَلُ بِمَا أَفْضَى إلَيْهِ رَأْيُهُ.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ يَأْخُذُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الِاخْتِلَافُ اخْتِلَافَ عَصْرٍ وَزَمَانٍ فَيَخْتَارُ قَوْلَهُمَا لِتَغَيُّرِ الْأَحْكَامِ بِتَغَيُّرِ الْأَزْمَانِ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ فَعَلَى هَذَا لَا يُفِيدُ التَّقْيِيدُ بِالْأَكْثَرِيَّةِ نَفْعًا كَثِيرًا، وَأَنَّ التَّرْجِيحَ بِالْقُوَّةِ لَا بِالْكُثْرِ فَافْهَمْ.

(ذَهَبُوا إلَى وُجُوبِ حَجْرِ السَّفِيهِ الْمُسْرِفِ) عَلَى الْقَاضِي (مَعَ أَنَّهُ) أَيْ الْحَجْرَ (إهْدَارٌ لِلْآدَمِيَّةِ) فَضَرَرُ السَّفَهِ بَالِغٌ لِمَرْتَبَةٍ تُهْدِرُ آدَمِيَّةَ الْآدَمِيِّ (وَإِلْحَاقٌ بِالْحَيَوَانَاتِ الْعُجْمِ) الَّتِي لَا شُعُورَ لَهَا بَلْ (وَ) إلْحَاقٌ (بِالْجَمَادَاتِ) ، وَأَنَّ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ فِي عَدَمِ اعْتِبَارِ تَصَرُّفَاتِهَا أَوْ كَوْنِ تَصَرُّفِهِ كَعَدَمِ التَّصَرُّفِ فَلَا يُتَوَهَّمُ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى فِي إلْحَاقِ الْجَمَادَاتِ؛ لِأَنَّ الْجَمَادَاتِ لَيْسَ لَهُمْ حَرَكَاتٌ اخْتِيَارِيَّةٌ وَالسَّفِيهُ لَهُ ذَلِكَ (فَإِنْ قَبِلَ الْعِلَاجَ) أَيْ إنْ أَمْكَنَ قَبُولُ الْعِلَاجِ (فَبِالْمَنْعِ عَنْ جُلَسَاءِ السُّوءِ) الَّذِينَ يُحَرِّضُونَهُ وَيُغْرُونَهُ عَلَى الْإِعْطَاءِ وَيُنَفِّرُونَهُ مِنْ الْإِمْسَاكِ فَإِنَّ الْمُقَارِنَ بِالْمُقَارِنِ يَقْتَدِي.

وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الصُّحْبَةُ سَارِيَةٌ وَالطَّبِيعَةُ سَارِقَةٌ نَظْمٌ

يَا ربد بدتر بود ازماربد ... بِحَقِّ ذَات ياك اللَّهِ الصَّمَدِ

يَا ربد آردتر سِوَى جَحِيمٍ ... يَا رينكوكيرنا يَأْبَى نعيم

(وَبِإِلْزَامِهِ مُجَالَسَةَ الْعُقَلَاءِ) الَّذِينَ اسْتَعْمَلُوا عُقُولَهُمْ بِمَوَاضِعِهَا لَعَلَّهُمْ الْعُلَمَاءُ الظَّاهِرِيُّونَ (وَالْحُكَمَاءِ) لَعَلَّهُمْ الْمُتَصَوِّفَةُ الْمُتَشَرِّعُونَ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا رَزَقَهُ خَلِيلًا صَالِحًا إنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ، وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانَهُ» ، وَعَنْ عِيسَى - عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: تَحَبَّبُوا إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِبُغْضِ أَهْلِ الْمَعَاصِي وَتَقَرَّبُوا إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّبَاعُدِ عَنْهُمْ وَالْتَمِسُوا رِضَى اللَّهِ تَعَالَى بِسَخَطِهِمْ قَالُوا يَا رُوحَ اللَّهِ فَمَنْ نُجَالِسُ قَالَ جَالِسُوا مَنْ تُذَكِّرُكُمْ رُؤْيَتُهُ وَمَنْ يَزِيدُ فِي عَمَلِكُمْ كَلَامُهُ وَمَنْ يُرَغِّبُكُمْ فِي الْآخِرَةِ عَمَلُهُ. وَقَالَ عَلْقَمَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي وَصِيَّتِهِ لِابْنِهِ يَا بُنَيَّ إنْ عَرَضَتْ لَك حَاجَةٌ فَاصْحَبْ مَنْ إذَا خَدَمْته صَانَك، وَإِنْ صَحِبْته زَانَك أَيْ حَفِظَك، وَإِنْ قَعَدَ بِك مَانَك أَيْ حَمَلَ مُؤْنَتَك اصْحَبْ مَنْ إذَا مَدَدْت يَدَك بِخَيْرٍ مَدَّهَا، وَإِنْ رَأَى مِنْك حَسَنَةً عَدَّهَا، وَإِنْ رَأَى سَيِّئَةً سَدَّهَا اصْحَبْ مَنْ إذَا سَأَلْته أَعْطَاك، وَإِنْ سَكَتَ ابْتَدَاك، وَإِنْ نَزَلَتْ بِك نَازِلَةٌ وَاسَاك أَيْ جَعَلَك كَنَفْسِهِ اصْحَبْ مَنْ إذَا قُلْت صَدَّقَ قَوْلَك، وَإِنْ حَاوَلْت أَمْرًا آمَرَكَ، وَإِنْ تَنَازَعْتُمَا آثَرَك، وَإِنَّ أَخَاك الْحَقَّ مَنْ يَضُرُّ نَفْسَهُ لِيَنْفَعَك.

(وَإِسْمَاعِهِ مَا وَرَدَ فِي آفَاتِ الْإِسْرَافِ) كَمَا مَرَّ (وَحَمْلِهِ عَلَى تَكَلُّفِ الْإِمْسَاكِ) الَّذِي هُوَ عَلَى خِلَافِ طَبْعِهِ (وَلَوْ) كَانَ الْحَمْلُ (بِالْعِتَابِ وَالْعِقَابِ، وَأَمَّا الْجَهْلُ فَيُزَالُ بِالتَّعَلُّمِ) لِزَوَالِ الْمُسَبَّبِ بِزَوَالِ السَّبَبِ.

(وَعِلَاجُ الرِّيَاءِ سَبَقَ، وَأَمَّا الْكَسَلُ وَالْبَطَالَةُ) الْمَذْكُورَانِ (وَهُوَ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ فَمَذْمُومٌ جِدًّا وَحَسْبُك فِيهِ) أَيْ يَكْفِيك فِي ذَمِّهِ (قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩] فَإِذَا قَصُرَ نَفْعُ الْإِنْسَانِ عَلَى سَعْيِهِ فَمَنْ لَا سَعْيَ لَهُ لَا نَفْعَ لَهُ وَيَلْزَمُ أَيْضًا مِنْهُ عَدَمُ الِانْتِفَاعِ مِنْ عَمَلِ الْغَيْرِ.

وَأَمَّا نَحْوُ الشَّفَاعَةِ وَالدُّعَاءِ وَالصَّدَقَةِ فَقِيلَ إنَّهَا مِنْ سَعْيِهِ فِي الْإِيمَانِ وَالصَّلَاحِ، وَقِيلَ الْكُلُّ بِالسَّعْيِ لَكِنَّ أَسْبَابَ السَّعْيِ قَدْ تَكُونُ بِوَاسِطَةِ قَرَابَةٍ أَوْ صَدَاقَةٍ فَيَدْعُو لَهُ وَيَتَصَدَّقُ وَكَذَا مَحَبَّةُ الصُّلَحَاءِ مُتَسَبِّبَةٌ عَنْ سَعْيِهِ فِي خِدْمَةِ الدِّينِ أَقُولُ وَكَذَا النَّسَبُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: ٢١] فَإِنَّهُ مَشْرُوطٌ بِالْإِيمَانِ وَكَذَا الصَّلَاحُ، وَلَوْ لَمْ يُمَاثِلْ صَلَاحَ الْأَسْلَافِ كَمَا قَالُوا فِي مَحَبَّةِ الصُّلَحَاءِ، وَأَمَّا نَحْوُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» كَمَا فِي الْمَشَارِقِ وقَوْله تَعَالَى - سَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ - فَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُتَسَبَّبٌ مِنْ سَعْيِهِ وَبِالْجُمْلَةِ الْمَحْذُورُ يَنْدَفِعُ بِتَعْمِيمِ السَّعْيِ إلَى مَا فِي الْجُمْلَةِ هَذَا لَكِنَّ الْإِشْكَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>