وَتَعْظِيمِهِمْ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ التَّعْزِيرُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَتُعَزِّرُوهُ} [الفتح: ٩] النُّصْرَةُ وَالتَّعْظِيمُ، وَإِنْ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ فَزَاءَيْنِ أَيْ إجْلَالِهِمْ لَهُ، وَهَيْبَتِهِمْ لِمَقَامِهِ (وَثَنَائِهِمْ) أَيْ مَدْحِهِمْ لَهُ (كَمَا فِي أَوْلَادِ الْكُبَرَاءِ مِنْ الْأُمَرَاءِ وَالْقُضَاةِ وَالْمُدَرِّسِينَ وَالْمَشَايِخِ) الْمَشْهُورِينَ بِالْوَعْظِ أَوْ مَشَايِخِ الطَّرِيقِ لَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يَجْمَعَ ذَلِكَ مَعَ قَوْلِهِ فِي أَوْلَادِ الْأَغْنِيَاءِ نَعَمْ إنَّ أَوْلَادَ الْكُبَرَاءِ مَجْبُولَةٌ بِنَحْوِ التَّعْظِيمِ الْمَذْكُورِ دُونَ أَوْلَادِ الْأَغْنِيَاءِ (وَنَحْوِهِمْ) مِنْ أَعْوَانِ السُّلْطَانِ وَأَرْبَابِ الْوَجَاهَةِ.
(وَالثَّانِي) مِنْ أَسْبَابِ السَّفَهِ (الْجَهْلُ بِمَعْنَى الْإِسْرَافِ أَوْ بِبَعْضِ أَصْنَافِهِ) أَيْ الْإِسْرَافِ (فَلَا يَظُنُّهُ) أَيْ لَا يَعْتَقِدُ مَا فَعَلَهُ (سَرَفًا) حَتَّى يَجْتَنِبَهُ (بَلْ يَظُنُّهُ سَخَاءً) مَمْدُوحًا (لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي بَذْلِ غَيْرِ الْوَاجِبِ) ، وَإِنْ افْتَرَقَا بِصَرْفِ الْمَالِ فِي غَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ وَفِي مُسْتَحِقِّهِ (أَوْ) الْجَهْلُ (بِحُرْمَتِهِ وَضَرَرِهِ.
وَالثَّالِثُ: الرِّيَاءُ وَالسُّمْعَةُ) ؛ لِأَنَّهُ يُسْرِفُ لِنَيْلِ الثَّنَاءِ مِنْ النَّاسِ وَمَدْحِهِمْ.
(وَالرَّابِعُ: الْكَسَلُ) أَيْ الْفُتُورُ، وَعَدَمُ النَّشَاطِ فِي الْخَيْرِ وَالتَّقَاعُدُ عَنْ تَحْصِيلِ مَرَاتِبِ الْكَمَالِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ فَيَطْلُبُ حُصُولَ ذَلِكَ لَهُ عِنْدَ النَّاسِ بِالْإِسْرَافِ وَالتَّبْذِيرِ (وَالْبَطَالَةُ) أَيْ تَرْكُ الْعَمَلِ لِمُجَرَّدِ الْحُضُورِ وَالرَّاحَةِ (وَالْخَامِسُ ضَعْفُ النَّفْسِ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيهِ الْعَوَامُّ) لَا الْخَوَاصُّ (حَيَاءً) فَإِنَّ الْحَيَاءَ الْحَقِيقِيَّ مَمْدُوحٌ وَمِنْ الْإِيمَانِ كَمَنْ يُنْفِقُ الْمَالَ فِي مَعْصِيَةٍ بِنَاءً عَلَى إنْفَاقِ الْغَيْرِ عِنْدَهُ فِيهَا فَلَا تَسْمَحُ نَفْسُهُ بِالْمُخَالَفَةِ، وَعَدَمِ الْإِنْفَاقِ لِضَعْفِهَا وَعَدَمِ قُوتِهَا بَلْ رُبَّمَا يَسْتَدِينُ لِذَلِكَ كَذَا نُقِلَ عَنْ الْمُصَنِّفِ لَعَلَّ لَيْسَ مِنْهُ بَذْلُهُ خَوْفًا عَلَى عِرْضِهِ وَنَفْسِهِ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ إعْطَاءُ شَيْءٍ لِمَنْ يَخَافُ هَجْوَهُ جَائِزٌ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَشْكُلُ بِمَا سَبَقَ وَصَرَّحَ فِي قَاضِي خَانْ أَيْضًا وَالرَّجُلُ إذَا كَانَ مُطْرِبًا مُغَنِّيًا إنْ أُعْطِيَ بِغَيْرِ شَرْطٍ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ يَأْخُذُ ذَلِكَ عَلَى شَرْطٍ رُدَّ الْمَالِ عَلَى صَاحِبِهِ إنْ كَانَ يَعْرِفُهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ إذْ مَا يُبَاحُ أَخْذُهُ يُبَاحُ إعْطَاؤُهُ وَمَا فِي الْأَشْبَاهِ فِي قَاعِدَةِ مَا حَرُمَ أَخْذُهُ حَرُمَ إعْطَاؤُهُ مِنْ قَوْلِهِ كَالرِّبَا وَمَهْرِ الْبَغْيِ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَالرِّشْوَةِ وَأُجْرَةِ النَّائِحَةِ وَالزَّامِرِ فَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ أَوْ نَقُولُ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَتَقُولُ إذَا ثَبَتَ شَيْءٌ عَلَى خِلَافِ قِيَاسٍ، وَلَوْ مِنْ أَئِمَّتِنَا لَا يَجُوزُ قِيَاسُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ (وَالسَّادِسُ ضَعْفُ الدِّينِ فَلَا يَهْتَمُّ لَهُ) إلَى الْإِسْرَافِ لِضَعْفِ دِيَانَتِهِ مَعَ عِلْمِهِ مَفْسَدَتَهُ.
(وَعِلَاجُهُ) أَيْ الْإِسْرَافُ (أَمَّا السَّفَهُ الطَّبِيعِيُّ) مِنْهُ (فَزَوَالُهُ عَسِيرٌ جِدًّا) فَتَذَكَّرْ مَا سَبَقَ فَتَأَمَّلْ فِيهِ (فَلِذَا نَهَى الشَّارِعُ عَنْ إيتَاءِ الْمَالِ لَهُ) أَيْ لِلسَّفِيهِ بِقَوْلِهِ {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: ٥] (وَأَمَرَ بِحَجْرِهِ) بِقَوْلِهِ {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا} [البقرة: ٢٨٢] الْآيَةَ - هَذَا عِنْدَهُمَا، وَأَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ فِيمَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ دُونَ مَا لَا يَقْبَلُهُ كَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلَا حَجْرَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ مُخَاطَبٌ فَتَصَرُّفُهُ صَادِرٌ عَنْ أَهْلِهِ مُضَافٌ إلَى مَحَلِّهِ؛ وَلِذَا يُخَاطَبُ بِحُقُوقِ الشَّرْعِ وَيُحْبَسُ فِي دُيُونِ الْعِبَادِ وَيَصِحُّ مِنْهُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالنَّذْرُ وَالْيَمِينُ، وَإِقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِأَسْبَابِ الْعُقُوبَاتِ الَّتِي تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ مَعَ أَنَّ ضَرَرَ النَّفْسِ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الْمَالِ، وَعَلَى مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا لَا يُحْجَرُ بِمُجَرَّدِ السَّفَهِ بَلْ يُحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ فَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute