(وَهُوَ) أَيْ الْقَلَعِيُّ (مَعْرِفَةُ أَسْبَابِهِ ثُمَّ إزَالَتُهَا) ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الشَّيْءِ إذَا زَالَ زَالَ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِالْمَرَّةِ (وَهِيَ) أَيْ الْأَسْبَابُ (سِتَّةٌ) سَفَهٌ وَجَهْلٌ وَرِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ وَكَسَلٌ وَبَطَالَةٌ وَضَعْفُ نَفْسٍ وَضَعْفُ دِينٍ (الْأَوَّلُ، وَهُوَ الْغَالِبُ) فِي السَّبَبِيَّةِ (السَّفَهُ، وَهُوَ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ، وَهُوَ ضَعْفُ الْعَقْلِ وَخِفَّتُهُ وَسَخَافَتُهُ) السَّخِيفُ ضِدُّ الثَّخِينِ (وَرَكَاكَتُهُ) مِنْ رَكَّ يَرِكُّ رَكَاكَةً أَيْ ضَعُفَ فِي عَقْلِهِ وَرَأْيِهِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْقَامُوسِ.
اعْلَمْ أَنَّ السَّفَهَ هُوَ النُّقْصَانُ فِي الْعَقْلِ كَيْفًا وَضِدُّهُ الرُّشْدُ، وَالْبَلَادَةُ نُقْصَانٌ فِيهِ كَمًّا وَضِدُّهُ الذَّكَاءُ وَالْغَبَاوَةُ الْبُطْءُ، وَعَدَمُ السُّرْعَةِ فِي الِانْتِقَالِ مِنْ الْمَبَادِئِ إلَى الْمَطْلُوبِ بِدُونِ النُّقْصَانِ فِي الْكُمِّ وَالْكَيْفِ وَضِدُّهَا الْفَطِنَةُ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ (وَضِدُّهُ الرُّشْدُ وَهُوَ قُوَّةُ الْعَقْلِ وَبُلُوغُهُ كَمَالَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: ٥] الْمَنْسُوبَةَ إلَيْكُمْ تَصَرُّفًا وَإِلَيْهِمْ مِلْكًا (ثُمَّ قَالَ {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: ٦] أَيْ أَبْصَرْتُمْ رُشْدًا {فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: ٦] أَعْطُوهَا إلَيْهِمْ لِرَفْعِ الْحَجْرِ بِزَوَالِ السَّفَهِ (وَأَكْثَرُ السَّفَهِ طَبِيعِيٌّ) يُخَالِفُهُ عَدُّ الْأُصُولِيِّينَ السَّفَهَ مِنْ الْعَوَارِضِ الْمُكْتَسَبَةِ قَالَ فِي الْمِرْآةِ فَإِنَّ السَّفِيهَ بِاخْتِيَارِهِ يَعْمَلُ عَلَى خِلَافِ مُوجَبِ الْعَقْلِ مَعَ بَقَاءِ الْعَقْلِ فَلَا يَكُونُ سَمَاوِيًّا، وَلَا شَكَّ أَنَّ الطَّبِيعِيَّ سَمَاوِيٌّ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُرَادَ مِنْ الطَّبِيعِيِّ الْمَبْدَأُ وَمِنْ الِاكْتِسَابِ الْأَثَرُ (وَقَدْ يَنْضَمُّ إلَيْهِ مَا يُقَوِّيهِ عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَى كَثْرَةِ الْإِسْرَافِ) بِأَنْ يَنْضَمَّ إلَى مَا هُوَ طَبِيعَةٌ لَهُ مَا يُقَوِّيهِ (وَهُوَ) أَيْ مَا يُقَوِّيهِ (تَمَلُّكُ الْمَالِ بِغَيْرِ كَسْبٍ وَتَعَبٍ) كَالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ فَإِنَّ كُلْفَةَ الْكَسْبِ، وَإِتْعَابَ التَّحْصِيلِ تُصَعِّبُ الْإِنْفَاقَ وَالْإِهْدَارَ وَتُذَكِّرُ فَوَائِدَ الْمَالِ وَمَنَافِعَهُ (وَحَثُّ جُلَسَائِهِ) إيَّاهُ فَمِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى فَاعِلِهِ، وَالْمَفْعُولُ مَتْرُوكٌ (عَلَى الْإِنْفَاقِ وَتَنْفِيرُهُمْ) إيَّاهُ (عَنْ الْإِمْسَاكِ لِيَأْكُلُوا مَالَهُ) عِنْدَ تَبْذِيرِهِ (وَيَأْخُذُوهُ فَلِهَذَا نُهِيَ عَنْ جَلِيسِ السُّوءِ) كَمَا رُوِيَ عَنْ الصَّحِيحَيْنِ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَك، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا مُنْتِنَةً» قَوْلُهُ يُحْذِيَكَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ يُعْطِيك قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِهِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ النَّهْيُ عَنْ مُجَالَسَةِ مَنْ تُؤْذِي مُجَالَسَتُهُ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا وَالتَّرْغِيبُ فِي مُجَالَسَةِ مَنْ تَنْفَعُ مُجَالَسَتُهُ فِيهِمَا، وَفِيهِ إيذَانُ بِطَهَارَةِ الْمِسْكِ وَحِلِّ بَيْعِهِ وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ
تَجَنَّبْ قَرِينَ السُّوءِ وَاصْرِمْ حِبَالَهُ ... فَإِنْ لَمْ تَجِدْ مِنْهُ مَحِيصًا فَدَارِهِ
وَلَازِمْ حَبِيبَ الصِّدْقِ وَاتْرُكْ مِرَاءَهُ ... تَنَلْ مِنْهُ صَفْوَ الْوُدِّ مَا لَمْ تُمَارِهِ
؛ وَلِلَّهِ فِي عَرْضِ السَّمَوَاتِ جَنَّةٌ ... وَلَكِنَّهَا مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ
(وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْإِسْرَافِ يَكْثُرُ) وُجُودُهُ (فِي أَوْلَادِ الْأَغْنِيَاءِ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَتْعَبُونَ فِي تَحْصِيلِ الْأَمْوَالِ فَلَا يَعْرِفُونَ قَدْرَهَا فَيُضَيِّعُونَهَا فِي سَفَاهَتِهِمْ كَالتُّجَّارِ، وَأَهْلِ الْمَنَاصِبِ (وَقَدْ يَحْصُلُ السَّفَهُ أَوْ يَزِيدُ بِرِعَايَةِ النَّاسِ لَهُ وَبِتَعْظِيمِهِمْ إيَّاهُ وَتَغْرِيرِهِمْ) أَيْ مُخَادَعَتِهِمْ لَهُ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ لِيَنَالُوا مِنْهُ وَيُقَالُ غَرَّتْهُ الدُّنْيَا غُرُورًا خَدَعَتْهُ بِزِينَتِهَا هَذَا إنْ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ فَرَاءٍ مُهْمَلَةٍ، وَإِنْ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ فَزَايٍ مُعْجَمَةٍ فَرَاءٍ مُهْمَلَةٍ أَيْ نَصْرَتِهِمْ لَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute