للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَعْلُومَاتِ الْمُؤَذِّنِينَ وَالْمُدَرِّسِينَ وَكَذَا الْأَئِمَّةُ وَالْخُطَبَاءُ فِي الْجَوَامِعِ وَالْمَدَارِسِ مَثَلًا فَقِيلَ لَيْسَ فِيهَا شَرْطُ هِبَةِ ثَوَابِ تِلْكَ الْعِبَادَاتِ لِرُوحِ الْوَاقِفِ بَلْ لَهُمَا ثَوَابُ صَدَقَتِهِمَا وَإِعَانَتِهِمَا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَبِالْجُمْلَةِ الْمَنْفِيُّ إهْدَاءُ ثَوَابِ الْأَعْمَالِ فِي مُقَابَلَةِ الْأُجْرَةِ، وَهُوَ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِيمَا ذُكِرَ وَمَا وُجِدَ فِيهِ إلَّا إعَانَةٌ عَلَى مَنْ قَامَ بِتِلْكَ الْعِبَادَاتِ نَعَمْ لَوْ شُرِطَ إهْدَاءُ الثَّوَابِ فِي مُقَابَلَةِ هَذِهِ الْأَمْوَالِ لَكَانَ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَقُولُ قَدْ أَشَارَ إلَى نَفْيِ ذَلِكَ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ هَذَا الْكِتَابِ وَأَيْضًا صَرَّحَ بِنَفْيِهِ فِي إنْقَاذِ الْهَالِكِينَ وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي نَحْوِ الْمُؤَذِّنِينَ وَالْمُدَرِّسِينَ فَوَجْهُ تَجْوِيزِ الْمُتَأَخِّرِينَ مَعَ كَوْنِهِ خِلَافَ الْقِيَاسِ مَشْهُورٌ فِي الْفِقْهِيَّةِ قِيلَ هُنَا عَنْ الشَّارِحِ الْكُرْدِيِّ اعْتِرَاضًا عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ طَاعَةٌ مَقْبُولَةٌ وَحَسَنَةٌ صَحِيحَةٌ عِنْدَ اللَّهِ وَيَصِلُ ثَوَابُهُ إلَى الْآمِرِ وَعَلَيْهِ اسْتَقَرَّ عَمَلُ الْأُمَّةِ.

وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ «لَمَّا رَقَى بَعْضَ الْمُسَافِرِينَ عَلَى لَدِيغٍ بِالْحَمْدِ فَبَرِئَ فَأَعْطَوْهُ شَيْئًا كَرِهَهُ أَصْحَابُهُ لِكَوْنِهِ أَجْرًا عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» وَفِي الْحَاوِي وَالْقُنْيَةِ يُكْرَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ لِخَتْمِ الْقُرْآنِ إلَّا أَنْ يَخْتِمَ جَمِيعَهُ وَلَوْ قَالَ اقْرَأْ مِنْهُ فَلَا يُكْرَهُ بِقِرَاءَةِ الْبَعْضِ وَيُكْرَهُ أَنْ يُنْقِصَ أَجْرَ الْخَتْمِ عَنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ انْتَهَى فَالْمَنْعُ جَهْلٌ وَضَلَالٌ وَتَفْرِيقٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَاحْفَظْهُ حَتَّى تَخْلُصَ مِنْ غَلَطَاتِ الْمُصَنِّفِ وَخُرَافَاتِهِ انْتَهَى.

وَرَدَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَدَمُ الْأُجْرَةِ فِي التَّعْلِيمِ مُطْلَقًا وَجُوِّزَ فِي الرُّقِيِّ خَاصَّةً لِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَحَمَلُوا الْأُجْرَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْأُجْرَةِ لِلرُّقْيَةِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَ مُضَافًا أَيْ رُقْيَةَ كِتَابِ اللَّهِ بِقَرِينَةِ سَبَبِ الْوُرُودِ وَقِيلَ بِنَسْخِهِ بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْوَعِيدِ عَلَى أَخْذِ الْأُجْرَةِ، وَأَنَّ الْحَدِيثَ خَبَرٌ وَاحِدٌ لَا يُعَارِضُ نَحْوَ نَصِّ قَوْله تَعَالَى - {وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلا} [البقرة: ٤١]- مَعَ أَنَّ إمَامَنَا لَمْ يَعْمَلْ بِالْحَدِيثِ وَكَذَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَإِنْ عَمِلَ بِهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَدَعْوَى دَلَالَةِ النُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعِ عَلَى الْجَوَازِ كَذِبٌ وَافْتِرَاءٌ فَإِنَّ الْأَدِلَّةَ الْأَرْبَعَةَ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الأنعام: ٩٠]- {إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [يوسف: ١٠٤] ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى مَا الْقُرْآنُ إلَّا دَلَالَةُ ذِكْرٍ لِلْعَالَمِينَ لَا يَتَجَاوَزُ إلَى كَوْنِهِ مِمَّا يُسْأَلُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ مِنْ الْخَلْقِ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ» وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا ثَوَابَ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَهِيَ الْحَالَةُ الْبَاعِثَةُ عَلَى الْعَمَلِ الْمُعَبِّرِ عَنْهَا بِالْعَزْمِ وَالْقَصْدِ وَلَا تُوجَدُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَلَا ثَوَابَ وَلَا إجَارَةَ وَلَا بَيْعَ؛ لِأَنَّهُمَا وَارِدَانِ عَلَى الْمَوْجُودِ وَالثَّوَابُ هُنَا مَعْدُومٌ وَالتَّفْصِيلُ فِي إنْقَاذِ الْهَالِكِ.

وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ مِثْلُ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فِي كَوْنِهَا عِبَادَةً بَدَنِيَّةً مَحْضَةً فَكَمَا لَا تَجُوزُ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِمَا لَا تَجُوزُ عَلَيْهَا وَأَمَّا كَوْنُ الْمُعْطِي صِلَةً بِلَا عَقْدٍ وَشَرْطٍ وَقِرَاءَةُ الْقَارِئِ حِسْبَةٌ وَمُعْطَاةٌ ثَوَابُهُ لِلْمُعْطِي فَمَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ الْعَطَاءَ إنَّمَا هُوَ لِمُجَرَّدِ الْقِرَاءَةِ عَلَى مُرَادِهِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْرَأْ لَمْ يُعْطَ وَكَذَا لَوْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَقْرَأْ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَ فِي الْحَاوِي وَالْقُنْيَةِ فَالْحَاوِي لِعَدَمِ كَوْنِهِ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ الْفِقْهِيَّةِ لَا يُعْمَلُ بِمَا يُخَالِفُ فِيهِ الْأُصُولَ السَّابِقَةَ وَكَذَا الْقُنْيَةُ لِأَنَّ صَاحِبَهُ مُعْتَزِلِيٌّ فَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ فِيمَا يُخَالِفُ الْكُتُبَ الْمُعْتَبَرَةَ انْتَهَى مُلَخَّصًا أَقُولُ لَا حَاجَةَ إلَى كَثْرَةِ هَذَا التَّطْوِيلِ فِي رَدِّ هَذَا الْقَوْلِ بِالْجَمِيلِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَدَمَ الْجَوَازِ عَلَى مَا فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ كَمَا نُقِلَ عَنْ تَاجِ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ بِالْأُجْرَةِ لَا يُسْتَحَقُّ بِهَا الثَّوَابُ لَا لِلْمَيِّتِ وَلَا لِلْقَارِئِ وَعَنْ الْمُحِيطِينَ وَالْخُلَاصَةِ وَالِاخْتِيَارِ أَوْصَى لِقَارِئِ الْقُرْآنِ عِنْدَ قَبْرِهِ بِشَيْءٍ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ.

وَعَنْ الْحَافِظِ الْعَيْنِيِّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ وَيُمْنَعُ الْقَارِئُ لِلدُّنْيَا وَالْآخِذُ وَالْمُعْطِي آثِمَانِ وَكَأَنَّ احْتِجَاجَ الْمُعْتَرِضِ بِالْحَدِيثِ وَالْكُتُبِ الضَّعِيفَةِ كَانَ رَأْيًا فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَتَرْجِيحِ الْمَرْجُوحِ عَلَى الرَّاجِحِ وَقَدْ كَانَ دَلِيلُ الْمُقَلِّدِ هُوَ قَوْلُ مَنْ قَلَّدَهُ لَا غَيْرُ فَإِنَّ الِاحْتِجَاجَ بِالنَّصِّ هُوَ مَنْصِبُ الِاجْتِهَادِ وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ مُعَارِضٌ بِخَبَرِ إنْ كُنْت تُحِبُّ أَنْ تُطَوِّقَ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا أَيْ الْهَدِيَّةَ عَلَى تَعْلِيمِهِ وَبِخَبَرِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ عَلَّمْت

<<  <  ج: ص:  >  >>