للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْفِسْقِ وَتُمِيلُوهُمْ عَنْ الْبَاطِلِ إلَى الْحَقِّ (فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ الشَّرِيفُ أَنَّ مُجَرَّدَ النَّهْيِ لَا يَكْفِي فِي الْخُرُوجِ عَنْ الْأَثِمِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْبُغْضِ وَالْغَضَبِ وَالْهِجْرَةِ وَعَدَمِ الِاخْتِلَاطِ إنْ لَمْ يَنْتَهُوا) عَمَّا يَفْعَلُونَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ شَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا شَرِيعَةٌ لَنَا إذَا قَصَّهَا اللَّهُ أَوْ أَخْبَرَ بِهَا الرَّسُولُ بِلَا نَكِيرٍ فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ هَذَا حُكْمُ الشَّرِيعَةِ السَّالِفَةِ فَلَا يُفْهَمُ كَوْنُهُ شَرِيعَةً لَنَا لِجَوَازِ النَّسْخِ وَأَيْضًا إنَّ جَرَيَانَ هَذَا الْحُكْمِ فِينَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى طَرِيقِ الْقِيَاسِ وَحُكْمُ أَصْلِهِ ثَابِتٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ ثُمَّ عَنْ بِلَالِ بْنِ سَعْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْمَعْصِيَةُ إذَا اخْتَفَتْ لَمْ تَضُرَّ إلَّا صَاحِبَهَا وَإِذَا أُعْلِنَتْ ضَرَّتْ الْعَامَّةَ.

وَكَانَ الثَّوْرِيُّ إذَا رَأَى الْمُنْكَرَ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُغَيِّرَهُ بَالَ دَمًا فَحَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَكُونَ فِي الْحَمِيَّةِ وَالْغَيْرَةِ وَالصَّلَابَةِ بِهَذَا الْمَكَانِ كَمَا فِي النِّصَابِ وَفِي الشَّرِيعَةِ وَأَعْظَمُ الْوَاجِبِ عَلَى مَنْ يُخَالِطُ النَّاسَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَنْفَعُ عَمَلٌ لِلَّهِ مَعَ تَرْكِ الْغَضَبِ لِلَّهِ تَعَالَى وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ «قِيلَ أَوْ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ تُخْسَفُ الْأَرْضُ وَفِيهَا الصَّالِحُونَ قَالَ نَعَمْ بِادِّهَانِهِمْ وَسُكُوتِهِمْ عَنْ أَهْلِ الْمَعَاصِي» .

وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَخَافَ فِي احْتِسَابِهِ إلَّا اللَّهَ بَلْ يَسْتَعِينُ وَيَدْخُلُ فِيهِ مُتَوَكِّلًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [التوبة: ١٣]- حُكِيَ أَنَّ الشِّبْلِيَّ أَرَاقَ خَوَابِيَ خَمْرٍ لِلْمُعْتَصِمِ فِي سَفِينَةٍ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ إلَّا وَاحِدَةً وَالْقَوْمُ سُكُوتٌ مِنْ هَيْبَتِهِ فَأَتَى بِهِ الْمُعْتَصِمُ فَقَالَ لِمَ فَعَلْت فَقَالَ الشَّيْخُ أَيَّدَ اللَّهُ الْخَلِيفَةَ لَوْ عَلِمْت أَنَّ فِي بَطْنِك خَمْرًا لَشَقَقْته بِهَذِهِ الْحَرْبَةِ فَقَالَ تُرِيدُ بِهَذَا أَنْ أَقْتُلَك وَتَكُونَ شَهِيدًا فَلَا أَفْعَلُ ثُمَّ قَالَ لِمَ تَرَكْت الْخَابِيَةَ الْوَاحِدَةَ فَقَالَ لِأَنِّي وَجَدْت فِي نَفْسِي عِنْدَهَا شَيْئًا فَتَرَكْتهَا وَلَمْ أَهْرِقْهَا بِمُرَادِ نَفْسِي كَمَا فِي النِّصَابِ كَمَا سَبَقَ.

(مُهِمَّةٌ) قَالَ فِي مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ وَمِنْ مُنْكَرَاتِ الْعَامَّةِ أَنْ يَقْعُدَ فِي بَيْتِهِ وَلَا يَصْرِفَ مَا فَضَلَ مِنْ فُرُوضِ الْعَيْنِ إلَى فُرُوضِ الْكِفَايَةِ كَأَنْ يَخْرُجَ إلَى الْقُرَى الْمُجَاوِرَةِ لِبَلَدِهِ وَيُعَلِّمَ أَهْلَهَا أَرْكَانَ الصَّلَاةِ وَشَرَائِطَهَا وَسَائِرَ الْفَرَائِضِ إلَّا أَنْ يَفْعَلَهُ الْبَعْضُ وَإِنَّمَا يَجِبُ التَّبْلِيغُ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ وَإِنْ عَلِمَ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَا يَجِبُ تَبْلِيغُهَا وَالْأَثِمُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْفُقَهَاءِ أَشَدُّ لِأَنَّ الْعِلْمَ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ أَوَّلًا لِنَفْسِهِ ثُمَّ أَهْلِ بَيْتِهِ ثُمَّ لِأَقَارِبِهِ وَجِيرَانِهِ ثُمَّ وَثُمَّ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى أَنْ يَخْرُجَ إلَى السُّوقِ وَيُغَيِّرَ مُنْكَرَاتِهِمْ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى تَغْيِيرِ الْبَعْضِ فَلَا يَكُونُ عَدَمُ تَغْيِيرِ الْبَوَاقِي عُذْرًا فِي عَدَمِ الْخُرُوجِ وَيَتَعَدَّى مِنْهُمْ إلَى أَهْلِ الْقُرَى ثُمَّ أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَهَكَذَا إلَى أَقْصَى الْعَالَمِ فَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>