وَالْخَلَفُ بِالْفَتْحِ الصَّالِحُ مِنْهُمْ وَجَمْعُهُ أَخْلَافٌ يُقَالُ خَلَفُ سُوءٍ وَخَلَفُ صِدْقٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ} [مريم: ٥٩] .
وَقَالَ لَبِيدٌ
ذَهَبَ الَّذِينَ يُعَاشُ فِي أَكْنَافِهِمْ ... وَبَقِيتُ فِي خَلَفٍ كَجِلْدِ الْأَجْرَبِ
«يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ» كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٣] «وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ» مِنْ الْأَفْعَالِ الْغَيْرِ الْمَرْضِيَّةِ «فَمَنْ جَاهَدَهُمْ» بِتَغْيِيرِ مُنْكَرَاتِهِمْ «بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ» كَامِلٌ كَانَ الْمُؤْمِنُ هُوَ لَا غَيْرُ.
«وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ» كَذَلِكَ «وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ» بِأَنْ لَا يَرْضَى بِأَقْوَالِهِمْ الْمُنْكَرَةِ وَأَفْعَالِهِمْ الْقَبِيحَةِ «فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ» أَيْ الْجِهَادِ بِالْقَلْبِ «مِنْ» ثَمَرَاتِ «الْإِيمَانِ» أَوْ كَمَالِهِ «حَبَّةُ خَرْدَلٍ» .
وَعَنْ الْبَيْضَاوِيِّ فِي شَرْحِ الْمَصَابِيحِ مَعْنَاهُ أَنَّ أَدْنَى مَرَاتِبِ الْإِيمَانِ أَنْ لَا يَسْتَحْسِنَ الْمَعَاصِيَ وَيَكْرَهَهَا بِقَلْبِهِ وَأَنْ يَمْتَنِعَ عَنْهَا أَوْ اشْتَغَلَ بِأَعْرَاضٍ دُنْيَوِيَّةٍ وَلَذَّاتٍ مُخْدَجَةٍ عَاجِلَةٍ وَإِذَا زَالَ ذَلِكَ حَتَّى اسْتَصْوَبَ الْمَعَاصِيَ وَجَوَّزَ التَّدْلِيسَ عَلَى الْخَلْقِ وَالتَّلْبِيسَ فِي الْخُلُقِ خَرَجَ مِنْ دَائِرَةِ الْإِيمَانِ خُرُوجَ مَنْ اسْتَحَلَّ مَحَارِمَ اللَّهِ وَاعْتَقَدَ بُطْلَانَ أَحْكَامِهِ انْتَهَى.
كَمَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَضَرَ مَعْصِيَةً فَكَرِهَهَا فَكَأَنَّمَا غَابَ عَنْهَا وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَأَحَبَّهَا فَكَأَنَّهُ حَضَرَهَا» ثُمَّ إنَّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِنْكَارِ فَلْيَقُلْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ اللَّهُمَّ إنَّ هَذَا مُنْكَرٌ وَأَنَا لَهُ مُنْكِرٌ.
(ت عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا وَقَعَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ فِي الْمَعَاصِي» بَعْدَ مَوْتِ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَتْهُمْ عُلَمَاؤُهُمْ فَلَمْ يَنْتَهُوا فَجَالَسُوهُمْ فِي مَجَالِسِهِمْ» أَيْ جَالَسَ عُلَمَاؤُهُمْ مَعَ عُصَاتِهِمْ وَلَمْ يَهْجُرُوهُمْ زَعْمًا مِنْهُمْ أَنَّ مُجَرَّدَ النَّهْيِ يَكْفِي فِي الْخُرُوجِ عَنْ الْأَثِمِ «وَآكَلُوهُمْ وَشَارَبُوهُمْ فَضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ» أَيْ سَوَّدَهَا اللَّهُ وَقَسَّاهَا بِسَبَبِ الْمُجَالَسَةِ وَالْمُؤَاكَلَةِ وَالْمُشَارَبَةِ بِأَنْ خَلَقَ فِي قُلُوبِ عُلَمَائِهِمْ رِضًا وَمَيْلًا إلَى مَعَاصِيهِمْ فَصَارَتْ قُلُوبُ الْجَمِيعِ قَاسِيَةً بَعِيدَةً مِنْ قَبُولِ الْحَقِّ فَاسْتَحَقُّوا جَمِيعًا اللَّعْنَ.
«وَلَعَنَهُمْ عَلَى لِسَانِ دَاوُد وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -» أَيْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الزَّبُورِ وَالْإِنْجِيلِ وَقِيلَ إنَّ أَهْلَ إيلْيَاءَ لَمَّا اعْتَدَوْا فِي السَّبْتِ لَعَنَهُمْ دَاوُد - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَمَسَخَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى قِرَدَةً وَأَصْحَابُ الْمَائِدَةِ لَمَّا كَفَرُوا دَعَا عَلَيْهِمْ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَعَنَهُمْ فَأَصْبَحُوا خَنَازِيرَ وَكَانُوا خَمْسَمِائَةِ أَلْفِ رَجُلٍ وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى - {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [المائدة: ٧٨] «ذَلِكَ» أَيْ اللَّعْنُ «بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ» بِاعْتِدَائِهِمْ عَنْ الْحَدِّ الْمَشْرُوعِ «فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ لَا» أَيْ لَا يَخْرُجُونَ عَنْ إثْمِ الْمَعْصِيَةِ بِمُجَرَّدِ النَّهْيِ وَالْمَنْعِ.
( «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى تَأْطُرُوهُمْ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا» بِالْفَتْحِ أَيْ تَعْطِفُوهُمْ عَلَى الْحَقِّ عَطْفًا يَعْنِي حَتَّى تَمْنَعُوا الظَّلَمَةَ وَالْفَسَقَةَ عَنْ الظُّلْمِ