لِذِكْرِهِ هُنَا قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ الِاسْتِهْزَاءُ بِالْعِلْمِ وَالْعُلَمَاءِ كُفْرٌ، وَعَنْ مُنْيَةِ الْمُفْتِي تَخْفِيفُ الْعِلْمِ وَالْعُلَمَاءِ كُفْرٌ، وَعَنْ الْخِزَانَةِ مَنْ أَذَلَّ الْعُلَمَاءَ يُنْفَى مِنْ الْبَلَدِ بَعْدَ تَجْدِيدِ الْإِيمَانِ، وَعَنْ مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ إهَانَةُ عُلَمَاءِ الدِّينِ كُفْرٌ، وَعَنْ الْمُحِيطِ إنْ شَتَمَ عَالِمًا فَقَدْ كَفَرَ فَتَطْلُقُ امْرَأَتُهُ وَهَكَذَا، وَهَكَذَا وَدَعْوَى الْفَرْقِ بَيْنَ مَا نُقِلَ وَبَيْنَ الْغَضَبِ قَرِيبٌ إلَى التَّحَكُّمِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَقَلَّ مِنْ الِاسْتِلْزَامِ غَايَةُ الْجَوَابِ اخْتِيَارُ الْأَوَّلِ وَيَدَّعِي أَنَّ الْبُغْضَ إلَيْهِمْ، وَإِنْ لِغَيْرِ عِلْمِهِمْ لَكِنْ الْوِزْرُ فَوْقَ مَا لِلْغَيْرِ (وَالصَّالِحِينَ) الَّذِينَ صَرَفُوا أَعْمَارَهُمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمْوَالَهُمْ فِي مَرْضَاتِهِ (وَضِدُّهُ حُبُّهُمْ فِي اللَّهِ تَعَالَى) .
(حَكَّ) الْحَاكِمُ (عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -) ، وَعَنْ أَبَوَيْهَا (أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ» سَيْرُهُ «عَلَى الصَّفَا» أَيْ الصَّخْرِ الْأَمْلَسِ، وَهُوَ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَسْبَابِ كَالْمَطَرِ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اتَّخَذَ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِهَتْكِ الْأَسْبَابِ وَمُشَاهَدَةِ الْكُلِّ مِنْ رَبِّ الْأَرْبَابِ قِيلَ هُنَا عَنْ الرَّازِيّ السَّلَامَةُ عَلَى قَدْرِ نَفْيِ الشُّرَكَاءِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَ ظَاهِرًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} [البقرة: ٢٢] وَمِنْهُمْ مَنْ أَقَرَّ بِالْوَحْدَانِيَّةِ ظَاهِرًا لَكِنَّهُ يَقُولُ قَوْلًا يَهْدِمُهُ كَإِضَافَةِ السَّعَادَةِ وَالنُّحُوسَةِ إلَى الْكَوَاكِبِ أَوْ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ إلَى الدَّوَاءِ أَوْ الْفِعْلِ إلَى الْعَبْدِ اسْتِقْلَالًا وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَ كُلَّ ذَلِكَ لَكِنْ بِطَبْعِ الشَّهْوَةِ كَمَا أَشَارَ بِهِ بِقَوْلِهِ {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية: ٢٣] وَهَذَا هُوَ الشِّرْكُ الْخَفِيُّ.
وَحَاصِلُهُ الِالْتِفَاتُ إلَى غَيْرِهِ تَعَالَى فَالْبَشَرُ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ فَلِهَذَا السَّبَبِ تَضَرَّعَ الْأَنْبِيَاءُ فِي أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُمْ الْأَسْبَابَ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلِذَلِكَ الْخَفَاءُ عَجَزَ عَنْ وُقُوفِهِ أَوْحَدِيُّ الْعُلَمَاءِ، وَإِنَّمَا يُبْتَلَى بِهِ الْعُلَمَاءُ الْمُجِدُّونَ فِي سُلُوكِ الْآخِرَةِ فَإِنَّهُمْ بَعْدَ كَدِّهِمْ فِي قَهْرِ النَّفْسِ إلَى أَنْ يُقْطَعَ طَمَعُ الْمَعَاصِي، وَإِلَى أَنْ تَكُونَ الطَّاعَاتُ طَبِيعَةً لَهُمْ تَمِيلُ نُفُوسُهُمْ إلَى لَذَّةِ الْقَبُولِ عِنْدَ الْخَلْقِ فَلَا يَخْلُونَ عَنْ الْإِخْبَارِ، وَإِظْهَارِ الْأَعْمَالِ أَوْ مَحَبَّةِ اطِّلَاعِ الْخَلْقِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ بِطَاعَتِهِمْ أَوْ الْفَرَحِ بِمَحْمَدَةِ النَّاسِ، وَلَا يَقْنَعُونَ بِاطِّلَاعِ الْخَالِقِ وَمَحْمَدَتِهِ طَمَعًا فِي احْتِرَامِهِمْ، وَالنَّاسُ يَتَبَرَّكُونَ بِدُعَاءِ أَحَدِهِمْ؛ وَلِقَائِهِ وَخِدْمَتِهِ وَالتَّوَاضُعِ لَهُ، وَهُوَ يَظُنُّ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ حَيَاتَهُ بِاَللَّهِ وَبِعِبَادَتِهِ الْمَرَضِيَّةِ، وَإِنَّمَا حَيَاتُهُ بِهَذِهِ الشَّهْوَةِ الْخَفِيَّةِ الَّتِي يَعْمَى عَنْ دَرْكِهَا إلَّا أُولُو الْعُقُولِ النَّافِذَةِ الْقَوِيَّةِ، وَيَرَى أَنَّهُ يُخْلِصُ فِي طَاعَاتِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَقَدْ أُثْبِتَ اسْمُهُ فِي جَرِيدَةِ الْمُنَافِقِينَ كَذَا فِي الْفَيْضِ مُلَخَّصًا.
«فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ» قَالَ فِي الْفَيْضِ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الشِّرْكَ مُتَلَاشٍ فِي الْأُمَّةِ لِفَضْلِ يَقِينِهِمْ فَإِنَّهُ وَإِنْ خَطَرَ لَهُمْ فَهُوَ خُطُورٌ خَفِيٌّ لَا يُؤَثِّرُ فِي نُفُوسٍ كَمَا لَا يُؤَثِّرُ دَبِيبُ النَّمْلِ عَلَى الصَّفَا بَلْ إذَا عَرَضَ لَهُمْ خَطَرَاتُ الْأَسْبَابِ رَدَّتْهَا صَلَابَةُ قُلُوبِهِمْ بِاَللَّهِ. انْتَهَى. «وَأَدْنَاهُ أَنْ تُحِبَّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْجَوْرِ» أَيْ ظُلْمِ أَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ كَمَحَبَّةِ مَنْ قَتَلَ سَارِقًا لِقَتْلِهِ وَجَزَاؤُهُ الشَّرْعِيُّ إنَّمَا هُوَ الْقَطْعُ وَنَحْوُهُ. «وَ» أَنْ «تُبْغِضَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْعَدْلِ» كَبُغْضِ مَنْ حَكَمَ عَلَى نَهْجِ الشَّرْعِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ «، وَهَلْ الدِّينُ إلَّا الْحُبُّ فِي اللَّهِ» أَيْ الْحُبُّ لِمَنْ يُحِبُّهُ اللَّهُ لِعِبَادَتِهِ وَتَرْكِ مَنْهِيَّاتِهِ لَعَلَّ الْمُرَادَ كَمَالُ الدِّينِ فَمَنْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ الْحُبُّ لَيْسَ بِكَافِرٍ وَيُؤَيِّدُ حَدِيثُ الشَّيْخَيْنِ فِي الْمَشَارِقِ «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ» بِاسْتِلْذَاذِ الطَّاعَةِ وَتَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ فِي طَلَبِ رِضَا اللَّهِ عَنْهُ «أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ» يَعْنِي لَا يُحِبُّهُ إلَّا لِغَرَضِ رِضَا اللَّهِ عَنْهُ حَتَّى تَكُونَ كَمَحَبَّةِ أَبَوَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِمَا وَمَحَبَّةِ وَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَعُهُ بِالدُّعَاءِ الصَّالِحِ لَهُ، وَعَلَى هَذَا كَذَا فِي الْمَشَارِقِ الْحَدِيثَ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَقْصِدَ رِضَاهُ تَعَالَى عِنْدَ مَحَبَّةِ كُلِّ شَيْءٍ «وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ» أَيْ الْبُغْضُ لِمَنْ يُبْغِضُهُ اللَّهُ لِارْتِكَابِهِ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ قَالَ فِي الْفَيْضِ أَيْ مَا دِينُ الْإِسْلَامِ إلَّا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَلْبَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ التَّعَلُّقِ بِمَحْبُوبٍ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ اللَّهُ وَحْدَهُ مَحْبُوبَهُ وَمَعْبُودَهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَعَبَّدَ قَلْبُهُ لِغَيْرِهِ، وَذَلِكَ هُوَ الشِّرْكُ الْمُبِينُ فَمِنْ ثَمَّةَ كَانَ الْحُبُّ فِي اللَّهِ هُوَ الدِّينُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute