للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: ٣١] » هَذَا مِنْ الْحَدِيثِ قَالَ فِي الْفَيْضِ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ الشِّرْكُ شِرْكَانِ ثُمَّ قَالَ وَالثَّانِي الشِّرْكُ فِي عِبَادَتِهِ، وَهُوَ أَخَفُّ، وَأَسْهَلُ فَإِنَّهُ مُوَحِّدٌ لَكِنَّهُ لَا يُخْلِصُ فِي مُعَامَلَتِهِ فَتَارَةً يَعْمَلُ لِحَظِّ نَفْسِهِ وَتَارَةً لِطَلَبِ الدُّنْيَا وَالرِّفْعَةِ وَالْجَاهِ فَلِلَّهِ مِنْ عَمَلِهِ نَصِيبٌ؛ وَلِنَفْسِهِ وَهَوَاهُ نَصِيبٌ؛ وَلِلشَّيْطَانِ نَصِيبٌ، وَهَذَا حَالُ أَكْثَرِ النَّاسِ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا فَالرِّيَاءُ كُلُّهُ شِرْكٌ. انْتَهَى مُلَخَّصًا. ثُمَّ وَجَدَ الدَّلَالَةَ بِالْحَدِيثِ أَمَّا عَلَى كَوْنِ الْمَطْلُوبِ بُغْضُ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ فَبِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ «وَتُبْغِضَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْعَدْلِ» إذْ الْعِلْمُ وَالصَّلَاحُ مِنْ الْعَدْلِ أَوْ عَلَى كَوْنِ الْمَطْلُوبِ الضِّدُّ الَّذِي هُوَ حُبُّهُمْ فِي اللَّهِ فَبِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ، وَهَلْ الدِّينُ إلَخْ لَا يَخْفَى عَدَمُ ظُهُورِ التَّقْرِيبِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَفْظُ الْعَدْلِ، وَلَفْظُ الْحُبِّ عَامَّانِ مَقْصُورُ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِينَ لَكِنْ حِينَئِذٍ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ وَجْهِ تَخْصِيصِ الْمَطْلُوبِ بِالْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ بَلْ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ هُوَ الْعُمُومُ عَلَى أَنَّهُ قَالَ فِي الْفَيْضِ إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُنْكَرٌ، وَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ.

(د) (عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ» لَفْظُ فِي هُنَا بِمَعْنَى اللَّامِ إشَارَةٌ إلَى الْإِخْلَاصِ أَيْ الْحُبُّ فِي جِهَتِهِ وَوَجْهِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: ٦٩] أَيْ فِي حَقِّنَا وَمِنْ أَجْلِنَا؛ وَلِوَجْهِنَا خَالِصًا فَمِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ أَنْ يُحِبَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ لِلْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ لَا لِحَظٍّ نَفْسَانِيٍّ كَالْمَنَافِعِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَكَذَا أَنْ يَكْرَهَهُ لِكُفْرِهِ، وَعِصْيَانِهِ لَا لِنَحْوِ إيذَائِهِ لَهُ. وَالْحَاصِلُ لَا تَكُونُ مُعَامَلَتُهُ مَعَ الْخَلْقِ إلَّا لِلَّهِ وَمِنْ الْبُغْضِ فِي اللَّهِ بُغْضُ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ، وَأَعْدَاءِ الدِّينِ وَالْمُجَاهَدَةُ مَعَ النَّفْسِ بِحَسَبِهِمَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مَعَ وَجَازَتِهِ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ وَمَنْ تَدَبَّرَهُ وَقَفَ عَلَى سُلُوكِ طَرِيقِ اللَّهِ، وَفَنَاءِ السَّالِكِ فِي اللَّهِ ثُمَّ إنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِيهِ أَفْضَلَ مِنْ نَحْوِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْجِهَادِ.

قُلْنَا مَنْ أَحَبَّ فِي اللَّهِ يُحِبُّ أَنْبِيَاءَهُ، وَأَوْلِيَاءَهُ وَمِنْ شَرْطِ مَحَبَّتِهِ إيَّاهُمْ أَنْ يَقْفُوَ أَثَرَهُمْ وَيُطِيعَ أَمْرَهُمْ قَالَ الْقَائِلُ

تَعْصِي الْإِلَهَ وَأَنْتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ ... هَذَا لَعَمْرِي فِي الْقِيَاسِ بَدِيعُ

لَوْ كَانَ حُبُّك صَادِقًا لَأَطَعْتَهُ ... إنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ

وَكَذَا مِنْ الْبُغْضِ فِي اللَّهِ بُغْضُ أَعْدَائِهِ وَبَذْلُ جُهْدِهِ فِي مُجَاهَدَتِهِمْ قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ، وَفِيهِ أَنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ لِلْإِنْسَانِ أَعْدَاءٌ يُبْغِضُهُمْ فِي اللَّهِ كَمَا لَهُ أَصْدِقَاءٌ يُحِبُّهُمْ فِي اللَّهِ كَذَا فِي الْفَيْضِ وَمِنْ حَدِيثِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.

«أَفْضَلُ الْإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ لِلَّهِ وَتُبْغِضَ لِلَّهِ وَتُعْمِلَ لِسَانَك فِي ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنْ تُحِبَّ لِلنَّاسِ» مِنْ الطَّاعَاتِ وَالْمُبَاحَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ «مَا تُحِبُّ لِنَفْسِك وَتَكْرَهَ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِك» مِنْ الْمَكَارِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ، «وَأَنْ تَقُولَ خَيْرًا» كَلِمَةً تَجْمَعُ الطَّاعَاتِ وَالْمُبَاحَاتِ «أَوْ تَصْمُتَ» أَيْ تَسْكُت، وَالْمَقْصُودُ ائْتِلَافُ الْقُلُوبِ وَانْتِظَامُ الْأَحْوَالِ.

(حَدّ) أَحْمَدُ (طب عَنْ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَقُولُ لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ صَرِيحَ الْإِيمَانِ» حَقِيقَتَهُ وَحَلَاوَتَهُ «حَتَّى يُحِبَّ لِلَّهِ وَيُبْغِضَ لِلَّهِ فَإِذَا أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ فَقَدْ اسْتَحَقَّ الْوِلَايَةَ لِلَّهِ» أَيْ: اسْتَحَقَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>