الْمَذْكُورِ (النُّصْحُ وَالنَّصِيحَةُ) يُقَالُ نَصَحْت لِزَيْدٍ أَنْصَحُ لَهُ نُصْحًا وَنَصِيحَةً، وَهَذِهِ لُغَةٌ فَصِيحَةٌ عَلَيْهَا قَوْله تَعَالَى - {إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ} [هود: ٣٤]- وَفِي لُغَةٍ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ فَيُقَالُ نَصَحْته وَهُوَ الْإِخْلَاصُ وَالصِّدْقُ فِي الْمَشُورَةِ وَالْعَمَلِ كَذَا نُقِلَ عَنْ الْمِصْبَاحِ (وَهِيَ إرَادَةُ بَقَاءِ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَحَدٍ مِمَّا لَهُ فِيهَا صَلَاحٌ) مَنْفَعَةٌ دِينِيَّةٌ أَوْ دُنْيَوِيَّةٌ (أَوْ) إرَادَةُ (حُدُوثِهَا لَهُ) أَيْ النِّعْمَةِ لِلْغَيْرِ (وَإِنْ شِئْت قُلْت) هِيَ (إرَادَةُ الْخَيْرِ لِلْغَيْرِ) فِيهِ جِنَاسٌ بَدِيعِيٌّ (وَهِيَ وَاجِبَةٌ) بِالْآيَةِ وَالْأَحَادِيثِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ» وَقَالَ «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبَّ لِنَفْسِهِ» وَقِيلَ؛ لِأَنَّ ضِدَّهَا الْحَسَدُ الْمُحَرَّمُ (م) مُسْلِمٌ (عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ) كَانَ نَصْرَانِيًّا فَوَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَسْلَمَ وَكَانَ صَاحِبَ لَيْلٍ وَقُرْآنٍ اشْتَرَى حُلَّةً بِأَلْفٍ يَخْرُجُ فِيهَا إلَى الصَّلَاةِ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ قَصَّ بِإِذْنِ عُمَرَ كَذَا فِي الْفَيْضِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «إنَّ الدِّينَ» الْحَقَّ الْكَامِلَ وَفِي الْحَاشِيَةِ قِوَامُ الدِّينِ وَعِمَادُ الشَّرِيعَةِ «النَّصِيحَةُ» وَكَرَّرَهُ فِي رِوَايَةٍ ثَلَاثًا فَقِيلَ التَّكْرِيرُ دَلِيلُ الْوُجُوبِ فَتَأَمَّلْ.
«قُلْنَا لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِلَّهِ تَعَالَى» بِالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَتَوْحِيدِهِ وَوَصْفِهِ بِجَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْجَمَالِ وَتَنْزِيهِهِ عَنْ جَمِيعِ مَا لَا يَلِيقُ بِعُلُوِّ شَأْنِهِ وَإِخْلَاصِ النِّيَّةِ فِي عِبَادَتِهِ وَبَذْلِ الطَّاقَةِ فِي طَاعَتِهِ وَتَجَنُّبِ مَعْصِيَتِهِ وَالْحُبِّ وَالْبُغْضِ فِي اللَّهِ بِمُوَالَاةِ مَنْ أَطَاعَهُ وَمُعَادَاةِ مَنْ عَصَاهُ وَالِاعْتِرَافِ بِنِعَمِهِ وَشُكْرِهِ عَلَيْهَا وَالشَّفَقَةِ عَلَى خَلْقِهِ وَالدُّعَاءِ إلَى ذَلِكَ فَمِنْ النَّصِيحَةِ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ لَا تُدْخِلَ فِي صِفَاتِهِ مَا لَيْسَ مِنْهَا، وَحَقِيقَةُ هَذِهِ الْإِضَافَةِ رَاجِعَةٌ إلَى الْعَبْدِ فِي نَصِيحَةِ نَفْسِهِ لِلَّهِ وَاَللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ «وَلِكِتَابِهِ» الْإِضَافَةُ لِلِاسْتِغْرَاقِ أَيْ جَمِيعِ كُتُبِهِ كَمَا فِي الْمُؤْمِنِ بِهِ وَذَلِكَ بِبَذْلِ جُهْدِهِ فِي الذَّبِّ عَنْهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْجَاهِلِينَ وَانْتِحَالِ الْمُبْطِلِينَ وَبِالْوُقُوفِ عِنْدَ أَحْكَامِهِ وَإِقَامَةِ حُرُوفِهِ فِي التِّلَاوَةِ وَالتَّخَشُّعِ عِنْدَهُ وَالِاعْتِبَارِ بِمَوَاعِظِهِ وَالتَّفَكُّرِ فِي عَجَائِبِهِ وَالْعَمَلِ بِمُحْكَمِهِ وَالتَّسْلِيمِ لِمُتَشَابِهِهِ «وَلِرَسُولِهِ» بِالْإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ وَنُصْرَتِهِ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا وَإِعْظَامِ حَقِّهِ وَبَثِّ دَعَوْتِهِ وَنَشْرِ سُنَّتِهِ وَالتَّلَطُّفِ فِي تَعْلِيمِهَا وَتَعَلُّمِهَا وَالتَّأَدُّبِ بِآدَابِهِ وَتَجَنُّبِ مَنْ تَعَرَّضَ لِأَحَدٍ مِنْ آلِهِ وَأَصْحَابِهِ «وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ» الْخُلَفَاءِ وَنُوَّابِهِمْ بِمُعَاوَنَتِهِمْ عَلَى الْحَقِّ وَإِعَانَتِهِمْ فِيهِ وَتَذْكِيرِهِمْ بِرِفْقٍ وَإِعْلَامِهِمْ بِمَا غَفَلُوا عَنْهُ مِنْ حَقِّ الْمُسْلِمِينَ وَتَرْكِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ وَالدُّعَاءِ بِصَلَاحِهِمْ وَالصَّلَاةِ خَلْفَهُمْ وَجِهَادِ الْكُفَّارِ مَعَهُمْ وَأَدَاءِ الصَّدَقَاتِ إلَيْهِمْ وَتَرْكِ الْخُرُوجِ بِالسَّيْفِ إذَا ظَهَرَ مِنْهُمْ حَيْفٌ أَوْ سُوءُ سِيرَةٍ وَعَدَمِ تَغْرِيرِهِمْ بِإِفْرَاطِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ.
وَقَدْ يُرَادُ بِالْأَئِمَّةِ الْعُلَمَاءُ وَنَصِيحَتُهُمْ قَبُولُ مَا رَوَوْا إذَا انْفَرَدُوا وَتَقْلِيدُهُمْ وَمُتَابَعَتُهُمْ إذَا اجْتَمَعُوا «وَعَامَّتِهِمْ» بِإِرْشَادِهِمْ لِمَا يَنْفَعُ لَهُمْ فِي مَبْدَئِهِمْ وَمَعَادِهِمْ وَكَفِّ الْأَذَى عَنْهُمْ وَتَعْلِيمِهِمْ مَا جَهِلُوهُ وَسَتْرِ عَوْرَتِهِمْ وَسَدِّ خَلَّتِهِمْ وَأَمْرِهِمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيِهِمْ عَنْ الْمُنْكَرِ بِرِفْقٍ وَشَفَقَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute