للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ أَرْبَعَةٍ وَيَجُوزُ إقَامَةُ التَّعْزِيرِ حَالَ مُبَاشَرَةِ الْمَعْصِيَةِ لِكُلِّ أَحَدٍ وَبَعْدَهَا إنَّمَا هُوَ لِلْحَاكِمِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ. وَفِيهِ أَيْضًا لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ إنْ انْزَجَرَ بِصِيَاحٍ وَبِلَا سِلَاحٍ وَإِلَّا حَلَّ. وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ أَنَّ الْمُحَشِّي تَبِعَ فِي إطْلَاقِ الْحُرْمَةِ عِنْدَنَا الْبَزَّازِيَّةَ فَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْخَبْطُ وَالْغَلَطُ كَمَا زَعَمَهُ الْبَعْضُ. أَقُولُ الْكَلَامُ فِي إطْلَاقِ الْإِطْلَاقِ مَعَ أَئِمَّتِنَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ وَإِنْ كَثُرَتْ الْأَقْوَالُ فِي الْكُتُبِ لَكِنَّ الْمُفْتَى بِهِ لُزُومُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْقَاتِلِ وَعَدَمُ التَّصْدِيقِ بِيَمِينِهِ كَمَا هُوَ الْقِيَاسُ الْمُوَافِقُ لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ الْبَيِّنَةُ لِلْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ (وَقَدْ تُطْلَقُ الْغَيْرَةُ) الظَّاهِرُ إطْلَاقٌ مَجَازِيٍّ (عَلَى كَرَاهِيَةِ الْمَرْأَةِ اشْتَرَاكَ الْغَيْرِ) مَعَهَا (فِي بَعْلِهَا) زَوْجِهَا (وَهَذِهِ) أَيْ غَيْرَةُ الْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ (مَذْمُومَةٌ) لِخِلَافِ السُّنَّةِ الْمَشْرُوعَةِ (م) مُسْلِمٌ (عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -) وَعَنْ أَبَوَيْهَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا لَيْلًا» الْتِفَاتٌ عِنْدَ السَّكَّاكِيِّ «فَغِرْت» أَخَذَتْنِي الْغَيْرَةُ لِخُرُوجِهِ إلَى بَعْضِ نِسْوَانِهِ «عَلَيْهِ» أَيْ عَلَى خُرُوجِهِ «فَجَاءَ) - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (فَرَأَى مَا أَصْنَعُ» مِنْ الْغَيْرَةِ «، فَقَالَ مَا لَك يَا عَائِشَةُ أَغِرْت» مِنْ الْغَيْرَةِ الْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ «، فَقَالَتْ» عَلَى الِالْتِفَاتِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَقُلْت «وَمَا لِي لَا يَغَارُ مِثْلِي» فِي مَعْرِفَةِ شَرَفِ قَدْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ فِي كَوْنِي مِنْ خِيَارِ زَوْجَاتِك «عَلَى مِثْلِك» فِي كَوْنِك أَفْضَلَ الْمَوْجُودَاتِ وَمَظْهَرَ رَحْمَةِ الْمُكَوَّنَاتِ «، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَدْ جَاءَك شَيْطَانُك» كِنَايَةٌ عَنْ تَحْرِيكِهِ وَوَسْوَسَتِهِ فَظَهَرَتْ الْمَذْمُومِيَّةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْ الِاحْتِجَاجِ بِالْحَدِيثِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْغَيْرَةِ الْمَذْمُومَةِ مَا هِيَ اخْتِيَارِيَّةٌ كَاسْتِمْرَارِهَا وَإِلَّا فَالْمَجْبُولَةُ الَّتِي طُبِعَتْ لَهَا النِّسْوَانِ لَا تَكُونُ مَذْمُومَةً لِعَدَمِ دُخُولِهَا تَحْتَ التَّكْلِيفِ «قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَ مَعِي شَيْطَانِي» قِيلَ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ دَاخِلَةٌ عَلَى مُقَدَّرٍ مَعْطُوفٍ عَلَيْهِ أَيْ أَنَا مُطِيعَةٌ وَمَعِي شَيْطَانٌ. «قَالَ نَعَمْ قُلْت وَمَعَك يَا رَسُولَ اللَّهِ» فِيهِ الْتِفَاتٌ «قَالَ نَعَمْ وَلَكِنْ أَعَانَنِي اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ حَتَّى أَسْلَمَ» قَالَ الْمُحَشِّي رُوِيَ بِرَفْعِ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا وَالْمَعْنَى عَلَى الْأَوَّلِ حَتَّى أَكُونَ سَالِمًا مِنْ وَسَاوِسِهِ بِسَبَبِ عِنَايَتِهِ تَعَالَى وَعَلَى الثَّانِي حَتَّى صَارَ مُسْلِمًا مُنْقَادًا لَا يَأْمُرُنِي إلَّا مَا هُوَ خَيْرٌ انْتَهَى. أَقُولُ تُرَجَّحُ صِيغَةُ الْمَاضِي بِمَا نُقِلَ عَنْ الْخَطَّابِيِّ أَنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ الرُّوَاةِ إلَّا سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فَإِنَّهُ يَقُولُ فَأَسْلَمُ مِنْ شَرِّهِ فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا يُتَصَوَّرُ الْإِسْلَامُ مِنْ الشَّيْطَانِ وَحَسَّنَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَأَيَّدَ الْأَوَّلَ بِرِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَلَا يَأْمُرُنِي إلَّا بِحَقٍّ. وَفِي رِوَايَةٍ «؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَلَيْسَ يَأْمُرُنِي إلَّا بِخَيْرٍ» . وَعَنْ بَعْضٍ أَنَّ هَذَا وَإِنْ ظَاهِرًا فِي الْإِسْلَامِ لَكِنْ يُحْتَمَلُ الْقَوْلُ الْآخَرُ وَرُدَّ بِوُرُودِ إسْلَامِ الْقَرِينِ النَّبَوِيِّ صَرِيحًا بِلَا احْتِمَالِ تَأْوِيلٍ كَمَا فِي دَلَائِلِ أَبِي نُعَيْمٍ الْحَافِظِ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ «- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فُضِّلْت عَلَى آدَمَ بِخَصْلَتَيْنِ كَانَ شَيْطَانِي كَافِرًا أَعَانَنِي اللَّهُ عَلَيْهِ حَتَّى أَسْلَمَ وَكُنَّ أَزْوَاجِي عَوْنًا لِي وَكَانَ شَيْطَانُ آدَمَ كَافِرًا وَزَوْجَتُهُ عَوْنًا عَلَى خَطِيئَتِهِ» . وَقِيلَ اخْتَلَفُوا فِي تَرْجِيحِ الرِّوَايَةِ فَالْخَطَّابِيُّ رَجَّحَ الرَّفْعَ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ الْفَتْحَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَلَا يَأْمُرُنِي إلَّا بِخَيْرٍ» وَاخْتَلَفُوا عَلَى رِوَايَةِ الْفَتْحِ قِيلَ أَسْلَمَ بِمَعْنَى اسْتَسْلَمَ وَانْقَادَ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ اسْتَسْلَمَ وَقِيلَ صَارَ مُسْلِمًا مُؤْمِنًا ثُمَّ قِيلَ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فَتَأَمَّلْ. (وَغَيْرَةُ الْمُؤْمِنِ لِلَّهِ تَعَالَى كَرَاهِيَةُ الْمَعْصِيَةِ) مِنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ (وَمَا لَا يُحِبُّهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَذِهِ وَاجِبَةٌ) فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهَا

(وَضِدُّ الْحَسَدِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>