للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ» احْذَرُوا قَلَقَ النَّفْسِ مِنْ رُؤْيَةِ النِّعْمَةِ عَلَى الْغَيْرِ وَهُوَ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْحَقِّ وَمُعَانَدَةٌ لَهُ وَإِزَالَةُ فَضْلِهِ عَمَّنْ أَهْلُهُ لَهُ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ «فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ» أَيْ يُذْهِبُهَا وَيُحْرِقُهَا وَيَمْحُو أَثَرَهَا كَمَا فِي الْفَيْضِ «كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ» أَيْ الْيَابِسَ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي بِصَاحِبِهِ إلَى اغْتِيَابِ الْمَحْسُودِ وَشَتْمِهِ وَقَدْ يُتْلِفُ مَالَهُ وَيَسْفِكُ دَمَهُ وَكُلُّ ذَلِكَ مَظَالِمُ يُقْتَصُّ مِنْهَا فِي الْآخِرَةِ وَيَذْهَبُ فِي عِوَضِ ذَلِكَ حَسَنَاتُهُ فَكَأَنَّهُ يُفْسِدُ عَمَلَهُ فَلَا حُجَّةَ لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي حَبْطِ الطَّاعَاتِ بِالْمَعَاصِي.

(تَنْبِيهٌ)

قَالَ الْغَزَالِيُّ الْحَاسِدُ جَمَعَ لِنَفْسِهِ بَيْنَ عَذَابَيْنِ؛ لِأَنَّ حَسَدَهُ عَلَى نِعْمَةِ الدُّنْيَا وَكَانَ مُعَذَّبًا بِالْحَسَدِ وَمَا قَنَعَ بِذَلِكَ حَتَّى أَضَافَ إلَيْهِ عَذَابًا فِي الْآخِرَةِ فَقَصَدَ مَحْسُودَهُ وَأَصَابَ نَفْسَهُ وَأَهْدَى إلَيْهِ حَسَنَاتِهِ فَهُوَ صَدِيقُهُ وَعَدُوُّ نَفْسِهِ وَرُبَّمَا كَانَ حَسَدُهُ سَبَبَ انْتِشَارِ فَضْلِ مَحْسُودِهِ كَذَا فِي الْفَيْضِ «أَوْ قَالَ الْعُشْبَ» أَيْ الْكَلَأَ وَهُوَ شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي (وَالْمُرَادُ بِالْأَكْلِ الْإِضْعَافُ) فَإِنَّ كُلَّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا فَيُزِيلُ الْحَسَدُ التِّسْعَةَ فَيَبْقَى الْوَاحِدُ (إذْ لَا حَبْطَ) لِعَمَلِ الْخَيْرِ (بِالْمَعَاصِي) غَيْرِ الْكُفْرِ (عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ) كَمَا مَرَّ (أَوْ تَأْدِيَتِهِ إلَى الْكُفْرِ) بِاعْتِقَادِ الْحِلِّ أَوْ بِارْتِكَابِ شَيْءٍ مِنْ أَلْفَاظِ الْكُفْرِ أَوْ أَفْعَالِ الِارْتِدَادِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ دَفْعُ مُنَافَاةِ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ بِتِلْكَ الْقَاعِدَةِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ آنِفًا مِنْ اقْتِصَاصِ الْآخِرَةِ أَقْرَبُ مِنْهُمَا وَأَمَّا مَا قَالُوا مِنْ أَنَّ النُّصُوصَ مَحْمُولَةٌ عَلَى ظَاهِرِهَا بِلَا صَارِفٍ قَطْعِيٍّ فَلَعَلَّ أَنَّ مَا ذَكَرُوا فِي إثْبَاتِ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ قَطْعِيٌّ صَارِفٌ (ت) التِّرْمِذِيُّ (عَنْ الزُّبَيْرِ) أَحَدِ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «دَبَّ» أَيْ سَرَى «إلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ» أَيْ عَادَةُ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ «الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ» سُمِّيَا دَاءً؛ لِأَنَّهُمَا دَاءُ الْقَلْبِ «وَهِيَ الْحَالِقَةُ» مِنْ حَلْقِ الرَّأْسِ «أَمَا» بِالتَّخْفِيفِ حَرْفُ اسْتِفْتَاحٍ «إنِّي لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ» بِنَحْوِ الْمُوسَى «وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ» بِكَسْرِ الدَّالِ أَيْ تُزِيلُهُ أَيْ الْخَصْلَةِ الَّتِي شَأْنُهَا أَنْ تَحْلِقَ أَيْ تُهْلِكَ وَتَسْتَأْصِلَ الدِّينَ كَمَا يَسْتَأْصِلُ الْمُوسَى الشَّعْرَ؛ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ الْإِنْسَانَ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَحُضُورِ الصَّلَوَاتِ وَالْمَحَبَّةِ الْكَامِلَةِ فِي اللَّهِ؛ لِأَنَّ الْمُمْتَلِئَ صَدْرُهُ حَسَدًا وَبُغْضًا لَا تَكْمُلُ مَحَبَّتُهُ وَلَا يَجِدُ حَلَاوَةَ الطَّاعَاتِ فِي قَلْبِهِ وَلَا يَرْضَى بِقَضَائِهِ تَعَالَى. قِيلَ هُنَا عَنْ الْإِحْيَاءِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَةُ جَوَاهِرَ فِي جِسْمِ بَنِي آدَمَ يُزِيلُهَا أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ أَمَّا الْجَوَاهِرُ فَالْعَقْلُ وَالدِّينُ وَالْحَيَاءُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ الْغَضَبُ يُزِيلُ الْعَقْلَ وَالْحَسَدُ يُزِيلُ الدِّينَ وَالْغِيبَةُ تُزِيلُ الْعَمَلَ الصَّالِحَ وَالطَّمَعُ يُزِيلُ الْحَيَاءَ «وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُونَ حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِشَيْءٍ إذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ) قَالُوا بَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>