للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَإِمْكَانِ التَّقْيِيدِ) بِالصَّلَاحِ فَالْإِرَادَةُ الْمَذْكُورَةُ مَعَ عَدَمِ التَّيَقُّنِ دَالَّةٌ عَلَى وُجُودِ الْحَسَدِ فِي الْقَلْبِ فَعِلَاجُهُ التَّوَاضُعُ؛ لِأَنَّ التَّعَزُّزَ أَنْ يَرَى الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ شَرَفًا فِي مَرْتَبَتِهَا شَرْعًا وَعُرْفًا فَإِذَا رَآهَا أَدْنَى مِنْهَا قَلِيلًا زَالَ لَا مَحَالَةَ كَذَا نُقِلَ عَنْ الْمُصَنِّفِ.

(وَالثَّانِي التَّكَبُّرُ فَإِنَّ مَنْ فِي طَبْعِهِ التَّكَبُّرَ عَلَى إنْسَانٍ) لِرُؤْيَةِ نَفْسِهِ أَرْفَعَ مِنْهُ (وَاسْتِصْغَارَهُ وَاسْتِخْدَامَهُ) وَتَوَقُّعَهُ الِانْقِيَادَ لَهُ وَالْمُتَابَعَةَ فِي أَغْرَاضِهِ (فَإِذَا نَالَ) ذَلِكَ الْإِنْسَانُ (نِعْمَةً خَافَ أَنْ لَا يَتَحَمَّلَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كَمَا فِي نُسْخَةِ الْإِحْيَاءِ أَنْ لَا يَحْتَمِلَ (تَكَبُّرَهُ وَيَتَرَفَّعَ عَنْ مُتَابَعَتِهِ وَخِدْمَتِهِ) بَلْ رُبَّمَا يَتَشَوَّفُ إلَى مُسَاوَاتِهِ أَوْ إلَى أَنْ يَرْتَفِعَ عَلَيْهِ فَيَعُودَ مُتَكَبِّرًا عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ هُوَ مُتَكَبِّرًا عَلَيْهِ (فَيُرِيدُ زَوَالَهَا) أَيْ زَوَالَ تِلْكَ النِّعْمَةِ لِإِجْرَاءِ غَرَضِهِ.

قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ وَمِنْ التَّكَبُّرِ وَالتَّعَزُّزِ حَسَدُ أَكْثَرِ الْكُفَّارِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ قَالُوا كَيْفَ يَتَقَدَّمُ عَلَيْنَا يَتِيمٌ وَكَيْفَ نُطَأْطِئُ لَهُ رُءُوسَنَا {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف: ٣١] أَيْ كَانَ لَا يَثْقُلُ عَلَيْنَا أَنْ نَتَوَاضَعَ لَهُ وَنَتَّبِعَهُ إنْ كَانَ عَظِيمًا (وَعِلَاجُهُ سَبَقَ) يَعْنِي أَلْزَمَ نَفْسَهُ التَّوَاضُعَ لَهُ وَالِاعْتِذَارَ إلَيْهِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْمُصَنِّفِ وَقِيلَ يَكُفُّ نَفْسَهُ عَنْ قَضِيَّةِ الْحَسَدِ بِالْعَمَلِ بِضِدِّهِ مُجَاهَدَةً لِنَفْسِهِ وَمُخَالَفَةً لَهَا وَلِأَنَّهُ صَارَ كِبْرًا فَعِلَاجُهُ عِلَاجُهُ.

(وَالثَّالِثُ) خَوْفُ (سَبَبِيَّةِ نِعْمَةِ الْغَيْرِ) مِنْ نَحْوِ الْفَضْلِ وَالْكِمَالَاتِ دُنْيَوِيًّا أَوْ دِينِيًّا (لِفَوْتِ مَقْصُودِهِ) مِنْ نَحْوِ الْمَالِ وَالْجَاهِ وَالْإِحْسَانِ وَحُصُولِ الْأَمَانِي وَالْأَعْرَاضِ لِلْمُمَانَعَةِ بَيْنَ حُصُولِ ذَلِكَ الْمَقْصُودِ فِي الْحَاسِدِ وَفِي الْمَحْسُودِ كُلًّا أَوْ بَعْضَهُ وَحَاصِلُهُ طَلَبُ مَضَرَّةِ الْغَيْرِ لِمَنْفَعَةٍ أَوْ تَرْجِيحِ نَفْعِهِ عَلَى نَفْعِ الْغَيْرِ (وَذَلِكَ) السَّبَبُ (يَخْتَصُّ بِمُتَزَاحِمِينَ) مُتَجَاذِبِينَ (عَلَى مَقْصُودٍ وَاحِدٍ) يَعْنِي يَطْلُبُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَقْصُودُ لَهُ دُونَ صَاحِبِهِ (فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ) مِنْهُمَا (يَحْسُدُ صَاحِبَهُ فِي كُلِّ نِعْمَةٍ يَكُونُ زَوَالُهَا عَنْهُ) عَنْ صَاحِبِهَا (عَوْنًا لَهُ فِي الِانْفِرَادِ بِمَقْصُودِهِ) فَوُجُودُ النِّعْمَةِ فِي الْمَحْسُودِ مُنَافٍ لِحُصُولِ مَقْصُودِ الْحَاسِدِ كُلًّا أَوْ بَعْضَهَا (فَهَذَا الْحَسَدُ يَكُونُ بَيْنَ الْأَمْثَالِ وَالْأَقْرَانِ كَالضَّرَّاتِ) سُمِّيَتْ بِالضَّرَّةِ لِطَلَبِ كُلٍّ مِنْهُمَا ضَرَرَ الْأُخْرَى أَوْ تَكُونُ فِي ضَرَرِهَا (وَالْإِخْوَةِ) وَكَذَا الْأَخَوَاتُ (يَقْصِدُونَ الْمَنْزِلَةَ فِي قَلْبِ الزَّوْجِ) لِيَتَوَجَّهَ وَيُحْسِنَ إلَيْهَا دُونَ الْأُخْرَى (وَالْأَبَوَيْنِ) فَالْأَوَّلُ لِلْأَوَّلِ وَالثَّانِي لِلثَّانِي لِلتَّوَصُّلِ إلَى مَقَاصِدِ الْكَرَامَةِ وَالْإِحْسَانِ (وَتَلَامِذَةِ) وَالْأَوْفَقُ وَتِلْمِيذِي (أُسْتَاذٍ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ فِي الْعِلْمِ وَبِالْمُهْمَلَةِ فِي الصَّنَائِعِ كَمَا فِي بَعْضِ كُتُبِ ابْنُ الْكَمَالِ وَقَدْ يُقَالُ بِالْعَكْسِ وَبِعَدَمِ الْفَرْقِ (وَاحِدٍ وَمُرِيدِي) سُمِّيَ الْمُرِيدُ مُرِيدًا لِإِرَادَتِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى بِتَرْكِ مَا عَلَيْهِ الْعَادَةُ مِنْ التَّفْرِيحِ فِي أَوْطَانِ الْغَفْلَةِ وَالرُّكُونِ إلَى أَتْبَاعِ الشَّهْوَةِ وَتَرْكِ مَا دَعَتْ إلَيْهِ الْمُنْيَةُ بِالْتِزَامِ الْمُجَاهَدَاتِ وَتَحَمُّلِ الْمُكَابَدَاتِ وَالْمَصَاعِبِ وَالْمَتَاعِبِ وَمُعَالَجَةِ الْأَخْلَاقِ وَمُمَارَسَةِ الْأَشْوَاقِ وَقَالَ فِي الْقُشَيْرِيَّةِ مِنْ صِفَاتِ الْمُرِيدِينَ التَّحَبُّبُ إلَيْهِ بِالنَّوَافِلِ وَالْخُلُوصُ فِي نَصِيحَةِ الْأُمَّةِ وَالْأُنْسُ بِالْخَلْوَةِ وَالصَّبْرُ عَلَى مُقَاسَاةِ الْأَحْكَامِ وَالْإِيثَارُ لِأَمْرِهِ وَالْحَيَاءُ مِنْ نَظَرِهِ وَبَذْلُ الْمَجْهُودِ فِي مَحْبُوبِهِ وَالتَّعَرُّضُ لِكُلِّ سَبَبٍ يُوصِلُ إلَيْهِ وَالْقَنَاعَةُ بِالْخُمُولِ وَعَدَمُ الْقَرَارِ بِالْقَلْبِ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى الرَّبِّ وَفِيهَا أَيْضًا إذَا رَأَيْت الْمُرِيدَ يَشْتَغِلُ بِالرُّخْصِ وَالْكَسْبِ فَلَيْسَ يَجِيءُ مِنْهُ شَيْءٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُرِيدِ وَالْمُرَادِ فَالْمُرِيدُ الْمُبْتَدِئُ وَالْمُرَادُ الْمُنْتَهَى وَالْمُرِيدُ يَسِيرُ وَالْمُرَادُ يُسَارُ بِهِ وَالْمُرِيدُ يُرَاعِي سِيَاسَةَ الْعِلْمِ وَالْمُرَادُ يَتَوَلَّاهُ رِعَايَةُ الْحَقِّ، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا (شَيْخٍ وَاحِدٍ) فِي سُلُوكِ الطَّرِيقَةِ الصُّوفِيَّةِ (وَنُدَمَاءِ الْمَلِكِ) جَمْعُ نَدِيمٍ بِمَعْنَى صَاحِبٍ (وَخَوَاصِّهِ) مِثْلُ وُزَرَائِهِ لِلتَّوَصُّلِ بِهِ إلَى الْجَاهِ وَالْمَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>