(وَوُعَّاظِ بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ) إذَا كَانَ أَغْرَاضُهُمْ جَمْعَ الْمَالِ أَوْ الْمَقْبُولِيَّةَ أَوْ حُصُولَ الْأَمَانِي (وَطُلَّابِ وِلَايَةٍ) كَوَالِي وِلَايَةٍ (وَقَضَاءٍ) مَنْصِبٍ مُعَيَّنٍ (وَتَدْرِيسِ) مَدْرَسَةٍ مُعَيَّنَةٍ (وَتَوْلِيَةِ أَوْقَافٍ أَوْ جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِهَا) أَيْ جِهَاتِ الْأَوْقَافِ يَشْكُلُ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ مِنْ هَذَا السَّبَبِ وَنَحْوِهِ مُجَرَّدَ مَا فِي الْقَلْبِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ ظَاهِرِ عِبَارَتِهِ فَلَيْسَ بِمُوَافِقٍ لِمُخْتَارِهِ وَأَنَّ وَافَقَ مُخْتَارَ الْغَزَالِيِّ كَمَا سَبَقَ وَإِنْ أَرَادَ الثَّمَرَةَ وَالْأَثَرَ فِي الْجَوَارِحِ فَالْوِزْرُ لَهُ لَا لِلْحَسَدِ وَالْكَلَامُ فِيمَا لِلْحَسَدِ إلَّا أَنْ يُقَالَ فَعِنْدَ ظُهُورِ الْأَثَرِ فِي اللِّسَانِ أَوْ فِي الْجَوَارِحِ يَكُونُ لِمَا فِي الْقَلْبِ وِزْرُ غَيْرُ مَا فِي الْجَوَارِحِ فَتَأَمَّلْ.
وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُنَبَّهَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْحَسَدُ لِأَجْلِ حَسَدِ الْمَحْسُودِ لِلْحَاسِدِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ حَسَدًا، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُقَيَّدًا بِالْإِفْضَاءِ إلَى الْحَسَدِ كَالْإِفْضَاءِ إلَى الْكِبْرِ فِي التَّعَزُّزِ لِلْمُشَارَكَةِ فِي الْعِلَّةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْفَرْقَ تَحَكُّمٌ. (وَمَآلُهُ) أَيْ مَآلُ السَّبَبِ الثَّالِثِ (حُبُّ الْمَالِ) فِي الْبَعْضِ (أَوْ الرِّيَاسَةِ) فِي الْآخِرَةِ فَعِلَاجُهُ عِلَاجُهُمَا وَعِلَاجُ الْأَوَّلِ سَيَأْتِي وَعِلَاجُ الثَّانِي سَبَقَ مِنْ كَوْنِهِ كَمَالًا وَهْمِيًّا وَغَيْرَ ذَلِكَ.
(وَالرَّابِعُ) (مُجَرَّدُ حُبِّ الرِّيَاسَةِ) لَعَلَّ التَّقْيِيدَ بِالْمُجَرَّدِ لِلْفَرْقِ عَمَّا قَبْلَهُ فَافْهَمْ (كَمَنْ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ عَدِيمَ النَّظِيرِ فِي فَنٍّ مِنْ الْفُنُونِ) لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْفَنِّ هُنَا مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ نَوْعِ الْعُلُومِ بَلْ أَعَمُّ مِنْهُ إمَّا بِعُمُومِ الْمَجَازِ أَوْ بِالْمَعْنَى كَمَا يَشْهَدُ لَهُ مَا فِي آخِرِ الْكَلَامِ. (وَيَغْلِبُ عَلَيْهِ حُبُّ الثَّنَاءِ) قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ بَدَلُهُ إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ حُبُّ الثَّنَاءِ فَرِحَ بِمَا يُمْدَحُ بِهِ مِنْ أَنَّهُ وَحِيدُ الدَّهْرِ وَفَرِيدُ الْعَصْرِ فِي فَنِّهِ (فَإِذَا سَمِعَ بِنَظِيرٍ لَهُ فِي أَقْصَى الْعَالَمِ) أَيْ فِي عَالَمٍ يُمْكِنُ مُزَاحَمَةُ رِيَاسَتِهِ أَوْ يُضْعِفُهَا لَا فِي غَايَةِ بُعْدٍ كَالْهِنْدِ وَالْيَمَنِ وَإِنْ نُقِلَ عَنْ الْمُصَنِّفِ (سَاءَهُ ذَلِكَ وَأَحَبَّ مَوْتَهُ وَ) أَحَبَّ (زَوَالَ النِّعْمَةِ الَّتِي بِهَا) أَوْ بِتِلْكَ النِّعْمَةِ (يُشَارِكُهُ) أَيْ يُشَارِكُ الْحَاسِدُ الْمَحْسُودَ (فِي الْمَنْزِلَةِ مِنْ شَجَاعَةٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ عِبَادَةٍ أَوْ صِنَاعَةٍ) مِنْ الصَّنَائِعِ (أَوْ جَمَالٍ أَوْ ثَرْوَةٍ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ كَثْرَةُ مَالِهِ وَقَدْ فُهِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا السَّبَبِ عَدَاوَةٌ وَلَا تَعَزُّزٌ وَلَا تَكَبُّرٌ عَلَى الْمَحْسُودِ وَلَا خَوْفٌ مِنْ فَوَاتِ مَقْصُودِهِ سِوَى تَمَحُّضِ الرِّيَاسَةِ بِدَعْوَى الِانْفِرَادِ وَمِنْهُ إنْكَارُ عُلَمَاءِ الْيَهُودِ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِيفَةَ بُطْلَانِ رِيَاسَتِهِمْ. (وَالْخَامِسُ خُبْثُ النَّفْسِ وَشُحُّهَا بِالْخَيْرِ) أَيْ بُخْلُهَا مَعَ الْحِرْصِ (لِعِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى) حَاصِلُهُ إرَادَةُ زَوَالِ نِعْمَةِ الْغَيْرِ وَضَرَرِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ مَنْفَعَةِ نَفْسِهِ وَدَفْعِ مَضَرَّتِهِ بَلْ لِمُجَرَّدِ خُبْثِ نَفْسِهِ (فَإِنَّك) أَيُّهَا النَّاظِرُ الْمُمْتَحِنُ (تَجِدُ مَنْ لَا يَشْتَغِلُ بِرِيَاسَةٍ وَتَكَبُّرٍ وَطَلَبِ مَالٍ) مَثَلًا (إذَا وُصِفَ عِنْدَهُ حُسْنُ حَالِ عَبْدٍ) أَيَّ عَبْدٍ كَانَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ الْعَبْدِ وَحُسْنِ حَالِهِ عَلَاقَةٌ مُمَانِعَةٌ نَفْعَهُ وَدَفْعَ مَضَرَّتِهِ. (فِي نِعْمَةٍ يَشُقُّ) مِنْ الْمَشَقَّةِ (عَلَيْهِ ذَلِكَ) أَيْ حُسْنُ الْحَالِ الْمَذْكُورِ مِنْ غَيْرِ سَابِقَةٍ مُقْتَضِيَةٍ لِذَلِكَ (وَإِذَا وُصِفَ لَهُ اضْطِرَابُ أُمُورِ النَّاسِ) كَإِصَابَةِ الْبَلْوَى وَالْمَكَارِهِ (وَإِدْبَارُهُمْ وَفَوَاتُ مَقَاصِدِهِمْ) وَعَدَمُ الْوُصُولِ إلَى مَرَامِهِمْ وَبُطْلَانُ سِعَايَتِهِمْ وَتَضْيِيقُ عَيْشِهِمْ (فَرِحَ بِهِ فَهُوَ أَبَدًا يُحِبُّ الْإِدْبَارَ) أَيْ إدْبَارَ النِّعَمِ (لِغَيْرِهِ وَيَبْخَلُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ) كَأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ ذَلِكَ مِنْ خِزَانَتِهِ وَمِلْكِهِ، وَيُقَالُ الْبَخِيلُ مَنْ يَبْخَلُ بِمَالِ نَفْسِهِ وَالشَّحِيحُ مَنْ يَبْخَلُ بِمَالِ غَيْرِهِ فَهَذَا يَبْخَلُ بِنِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عِبَادِهِ (الَّذِينَ لَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ وَلَا رَابِطَةٌ) عَلَاقَةٌ مُوجِبَةٌ لِذَلِكَ بَلْ لِمُجَرَّدِ خُبْثٍ فِي النَّفْسِ وَرَذَالَةٍ فِي الطَّبْعِ كَمَا قَالَ فِي الْقُشَيْرِيَّةِ عَنْ بَعْضِ الْكُتُبِ الْحَاسِدُ عَدُوُّ نِعْمَتِي وَعَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute