للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعَهُ فَالْكَلَامُ مِنْ قَبِيلِ الْإِخْرَاجِ عَلَى مَخْرَجِ الْعَادَةِ لَا التَّخْصِيصِ بِمَا ذُكِرَ (وَإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ) إلَى نَحْوِ ضِيَافَتِهِ فَلَا يَمْتَنِعُ تَكَبُّرًا (وَالسَّعْيِ فِي حَاجَتِهِ) الَّتِي جَاءَ لِأَجْلِهَا إنْ كَانَ فِي وُسْعِهِ.

وَفِي حَدِيثِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: «مَنْ قَضَى لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ حَاجَةً كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ كَمَنْ حَجَّ أَوْ اعْتَمَرَ» ، وَفِيهِ أَيْضًا عَلَى رِوَايَةٍ أُخْرَى «كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ كَمَنْ خَدَمَ اللَّهَ عُمْرَهُ» .

قَالَ الْمُنَاوِيُّ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَقَضَاءُ حَوَائِجِ النَّاسِ لَهُ فَضْلٌ عَظِيمٌ وَالْعَبْدُ فِي حُقُوقِ الْخَلْقِ لَهُ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ الْأُولَى أَنْ يُنَزَّلَ فِي حَقِّهِمْ مَنْزِلَةَ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَهُوَ أَنْ يَسْعَى فِي أَغْرَاضِهِمْ رِفْقًا بِهِمْ وَإِدْخَالَ السُّرُورِ عَلَى قُلُوبِهِمْ الثَّانِيَةُ أَنْ يُنَزَّلَ مَنْزِلَةَ الْبَهَائِمِ وَالْجَمَادَاتِ فِي حَقِّهِمْ فَلَا يُنِيلُهُمْ خَيْرَهُ وَلَكِنْ يَكُفُّ عَنْهُمْ شَرَّهُ الثَّالِثَةُ أَنْ يُنَزَّلَ مَنْزِلَةَ الْعَقَارِبِ وَالْحَيَّاتِ لَا يُرْجَى خَيْرُهُ وَيُتَّقَى شَرُّهُ فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ أَنْ تَلْحَقَ بِأُفُقِ الْمَلَائِكَةِ فَاحْذَرْ أَنْ تَنْزِلَ عَنْ دَرَجَةِ الْجَمَادَاتِ إلَى دَرَجَةِ الْعَقَارِبِ وَالْحَيَّاتِ فَإِنْ رَضِيت النُّزُولَ مِنْ أَعْلَى عِلِّيِّينَ فَلَا تَرْضَ بِالرِّضَا فِي أَسْفَلِ السَّافِلِينَ فَلَعَلَّك تَنْجُو كِفَافًا لَا لَك وَلَا عَلَيْك.

وَفِيهِ أَيْضًا أَمْرُ الْحَسَنِ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ بِالْمَشْيِ فِي حَاجَةٍ، فَقَالَ أَنَا مُعْتَكِفٌ فَقَالَ يَا أَعْمَشُ أَمَا تَعْلَمُ أَنَّ مَشْيَك فِي حَاجَةِ أَخِيك خَيْرٌ لَك مِنْ حَجَّةٍ بَعْدَ حَجَّةٍ، وَأُخِذَ مِنْهُ أَنْ يَتَأَكَّدَ لِلشَّيْخِ السَّعْيُ فِي مَصَالِحِ طَلَبَتِهِ وَمُسَاعَدَتِهِمْ بِجَاهِهِ وَمَالِهِ عِنْدَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ وَسَلَامَةِ دِينِهِ وَعِرْضِهِ انْتَهَى.

(وَأَنْ لَا يَرَى نَفْسَهُ خَيْرًا مِنْهُ) إذْ اللَّائِقُ أَنْ يَجْعَلَ كُلَّ النَّاسِ أَوْلَى مِنْ نَفْسِهِ وَلَوْ كَافِرًا كَمَا سَيُصَرِّحُ الْمُصَنِّفُ وَوَقَعَ فِي دِيبَاجَةِ الشَّاطِبِيَّةِ وَفَصْلِ الْجَعْبَرِيِّ وَعَلِيٍّ الْقَارِيّ فِي شَرْحِهِ؛ لِأَنَّ الْأُمُورَ بِخَوَاتِمِهَا وَلَا يَدْرِي أَحَدٌ بِمَاذَا يَخْتِمُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فَرُبَّ عَالِمٍ يُخْتَمُ لَهُ بِسُوءٍ كَمَا سَمِعْت مِنْ قِصَّةِ بَلْعَامٍ وَرُبَّ جَاهِلٍ يُخْتَمُ لَهُ بِخَيْرٍ كَسَحَرَةِ فِرْعَوْنَ - {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} [لقمان: ٣٤]- (وَلَا يُحَقِّرَهُ) لِكَوْنِهِ مِنْ الْإِسْكَافِ (وَلَا يَسْتَصْغِرَهُ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَسْبُ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يُحَقِّرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ» (وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ التَّذَلُّلِ الْحَرَامِ (السُّؤَالُ لِمَنْ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ لِنَفْسِهِ) وَإِنْ سَأَلَهُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَدْيُونِ لَا يَضُرُّ وَلَا يَكُونُ سَائِلًا بَلْ هُوَ إعَانَةٌ لِذَلِكَ الْمُحْتَاجِ.

وَفِي الصُّرَّةِ عَنْ كَرَاهِيَةِ جَامِعِ الْفَتَاوَى وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ السُّؤَالُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَهُوَ غَنِيٌّ عَمَّا يَسْأَلُ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَسْأَلَتُهُ فِي وَجْهِهِ خُدُوشٌ أَوْ خُمُوشٌ أَوْ كُدُوحٌ» ؛ وَلِأَنَّهُ إذْلَالُ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَأَنَّهُ حَرَامٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ» .

(وَسَيَجِيءُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آفَاتِ اللِّسَانِ وَمِنْ السُّؤَالِ إهْدَاءُ قَلِيلٍ لِأَخْذِ كَثِيرٍ كَمَا يُفْعَلُ فِي دَعْوَةِ الْعُرْسِ وَالْخِتَانِ) كَمَا أَنَّ الْعَادَةَ فِي زَمَانِنَا جَرَتْ بِإِعْطَاءِ شَيْءٍ قَلِيلٍ عَلَى قَصْدِ دَفْعِ عِوَضٍ كَثِيرٍ فَإِنَّهُ تَذَلُّلٌ فِي نَفْسِهِ أَوْ لَازِمٌ لَهُ وَإِنْ تُعُورِفَ ذَلِكَ (وَكَمَنْ يُرِيدُ اتِّخَاذَ غَنَمٍ أَوْ نَحْلٍ) فَيُهْدِي إلَى جَمَاعَةٍ أَوْ أَهَالِي قَرْيَةٍ قَلِيلًا فَيُعْطُونَ لَهُ أَغْنَامًا (قِيلَ فِيهِ) أَيْ: فِي إهْدَاءِ الْقَلِيلِ لِأَخْذِ الْكَثِيرِ (نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: ٦] أَيْ لَا تُعْطِ قَلِيلًا طَالِبًا لِلْكَثِيرِ وَإِنَّمَا صَدَّرَ بِلَفْظِ قِيلَ؛ لِأَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى خِلَافِهِ؛ وَلِأَنَّهُ نَهَى عَنْ الِاسْتِغْزَارِ وَهُوَ أَنْ يَهَبَ شَيْئًا وَهُوَ يَطْمَعُ أَنْ يُعَوَّضَ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهُ بَلْ الْأَفْضَلُ أَنْ يُكَافِئَ الْهَدِيَّةَ بِأَفْضَلَ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْمُكَافَأَةِ بِالْمَالِ فَبِالدُّعَاءِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ كَذَا فِي الصُّرَّةِ عَنْ جَوَاهِرِ الْفِقْهِ.

(وَمِنْهُ الذَّهَابُ إلَى الضِّيَافَةِ وَوَصِيَّةُ الْمَيِّتِ) أَيْ إلَى مَا أَوْصَى بِهِ (بِلَا دَعْوَةٍ د) أَبُو دَاوُد (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ دُعِيَ» مِنْ الدَّعْوَةِ إلَى وَلِيمَةِ الْعُرْسِ وَسَائِرِ الضِّيَافَةِ «فَلَمْ يُجِبْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ»

<<  <  ج: ص:  >  >>