للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمُنَاوِيُّ: الْإِجَابَةُ وَاجِبَةٌ فِي الْوَلِيمَةِ عِنْدَ وُجُودِ الشُّرُوطِ وَنُدِبَ فِي غَيْرِهَا وَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ مُطْلَقًا بِشَرْطٍ وَجَزَمَ بِاخْتِصَاصِ الْوُجُوبِ بِوَلِيمَةِ النِّكَاحِ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَجُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ وَبَالَغَ السَّرَخْسِيُّ مِنْهُمْ فَنَقَلَ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، أَقُولُ الظَّاهِرُ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ وُجُوبُ الْإِجَابَةِ مُطْلَقًا عِنْدَ بَعْضٍ وَإِنْ وَلِيمَةً عِنْدَ آخَرَ فَسُنَّةٌ فِي غَيْرِهَا بِشَرْطِ عَدَمِ الْمُنْكَرِ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ فِيمَا يُرَى أَوْ يُسْمَعُ أَوْ يُعْلَمُ وَبِشَرْطِ الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ بِعَدَمِ قَصْدِ صَاحِبِ الدَّعْوَةِ الرِّيَاءَ وَالسُّمْعَةَ وَالتَّبَاهِيَ وَالتَّفَاخُرَ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ بَلْ لَا يَجُوزُ كَمَا قِيلَ.

وَفِي الدُّرَرِ فَإِنْ عَلِمَ الْمُنْكَرَ ابْتِدَاءً لَا يَحْضُرُ وَإِنْ بَعْدَ الْحُضُورِ فَإِنْ مُقْتَدًى بِهِ فَيَمْتَنِعُ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَيَخْرُجُ أَلْبَتَّةَ وَإِنْ غَيْرَ مُقْتَدًى بِهِ جَازَ أَكْلُهُ فَإِنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ سُنَّةٌ فَلَا تُتْرَكُ لِاقْتِرَانِ الْبِدْعَةِ مِنْ غَيْرِهِ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ لَا تُتْرَكُ لِنَائِحَةٍ انْتَهَى مُلَخَّصًا لَكِنْ الْمَفْهُومُ مِنْ قَاعِدَةِ الْأُصُولِ تَرْجِيحُ الْبِدْعَةِ عَلَى السُّنَّةِ عِنْدَ التَّعَارُضِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِبِدْعَةٍ بَلْ مُحَرَّمٌ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْبِدْعَةِ مِنْ نَفْسِهِ وَمِنْ غَيْرِهِ وَسَيَجِيءُ زِيَادَةُ تَفْصِيلٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَنْ دَخَلَ) الضِّيَافَةَ (عَلَى غَيْرِ دَعْوَةٍ دَخَلَ سَارِقًا) لِأَنَّهُ لِعَدَمِ الْإِذْنِ كَالدَّاخِلِ خُفْيَةً أَوْ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنِ صَاحِبِهِ أَوْ فِي أَصْلِ الْحُرْمَةِ (وَخَرَجَ مُغِيرًا) مِنْ الْإِغَارَةِ وَهِيَ النَّهْبُ فَهَذَا الشَّخْصُ جَمَعَ بَيْنَ إثْمَيْ السَّارِقِ فِي الدُّخُولِ وَالْمُغِيرِ فِي الْخُرُوجِ قِيلَ إسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ ضَعِيفٌ إلَّا أَنَّ لِلْمَحَلِّ الْمُسْتَشْهَدِ شَاهِدًا مِنْ الْقُرْآنِ - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} [النور: ٢٧]- الِاسْتِئْنَاسُ الِاسْتِئْذَانُ لَا يَخْفَى أَنَّ الدُّخُولَ فِي الْآيَةِ مُطْلَقٌ أَوْ مُقَيَّدٌ بِالْبُيُوتِ.

وَفِي الْمَطْلَبِ: الدُّخُولُ لِأَكْلِ الضِّيَافَةِ أَوْ كِنَايَةٌ عَنْ نَفْسِ الْأَكْلِ فَلَا يَصْلُحُ شَاهِدًا وَأَنَا أَقُولُ لَوْ سَلِمَ الضَّعْفُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَأْيِيدًا لِلْقِيَاسِ إذْ مَالُ الْغَيْرِ حَرَامٌ مُطْلَقًا إلَّا بِالْإِذْنِ فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فَيَلْزَمُ كَوْنُهُ كَالسَّارِقِ وَالْمُغِيرِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخَبَرَ الضَّعِيفَ يُؤْتَى لِأَجْلِ تَأْيِيدِ دَلِيلٍ مِنْ نَصٍّ أَوْ قِيَاسٍ.

(وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ التَّذَلُّلِ (الِاخْتِلَافُ) أَيْ التَّرَدُّدُ وَالِاخْتِلَاطُ (إلَى الْقُضَاةِ وَالْأُمَرَاءِ وَالْعُمَّالِ) عَمَلَةِ السُّلْطَانِ (وَالْأَغْنِيَاءِ طَمَعًا لِمَا فِي أَيْدِيهِمْ بِلَا ضَرُورَةٍ) فِي قَوْلِهِ طَمَعًا نَوْعُ غِنًى عَنْ قَوْلِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ إلَّا أَنْ لَا يَجْعَلَ طَمَعًا قَيْدًا لِلِاخْتِلَافِ كَمَا قِيلَ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ ابْتِدَاءً وَجُعِلَ لِلْأَغْنِيَاءِ فَقَطْ وَحِينَئِذٍ أَيْضًا يَنْدَفِعُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ هُوَ مَنْعُ الِاخْتِلَافِ الْمُطْلَقِ، وَهَذَا الْقَيْدُ يُوجِبُ الْمَنْعَ بِشَرْطِ قَيْدِ ذَلِكَ الطَّمَعِ، ثُمَّ تِلْكَ الضَّرُورَةُ كَالشَّهَادَةِ سِيَّمَا عِنْدَ التَّعَيُّنِ وَدَفْعِ الظُّلْمِ وَإِعَانَةِ الْمَظْلُومِ فَيَجُوزُ بَلْ قَدْ يَجِبُ (وَمِنْهُ السُّجُودُ وَالرُّكُوعُ) إنْ أَرَادَ التَّحِيَّةَ وَالتَّعْظِيمَ لَيْسَ بِكَافِرٍ عِنْدَ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَكَافِرٌ عِنْدَ السَّرَخْسِيِّ وَإِنْ أَرَادَ الْعِبَادَةَ يَكْفُرُ إجْمَاعًا.

قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَأَمَّا السَّجْدَةُ لِلْجَبَابِرَةِ فَكَبِيرَةٌ يَكْفُرُ فَاعِلُهَا قَالَ بَعْضُهُمْ يَكْفُرُ مُطْلَقًا وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ إنْ لِلْعِبَادَةِ يَكْفُرْ وَإِنْ لِلتَّحِيَّةِ لَا، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي سِيَرِ الْأَصْلِ إذَا قِيلَ لِمُسْلِمٍ اُسْجُدْ لِلْمَلِكِ وَإِلَّا قَتَلْنَاك إنْ أَمَرَهُ لِلْعِبَادَةِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَسْجُدَ؛ لِأَنَّهُ كُفْرٌ وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِمَا هُوَ كُفْرٌ صُورَةً (وَالِانْحِنَاءُ لِلْكُبَرَاءِ عِنْدَ الْمُلَاقَاةِ وَ) عِنْدَ (السَّلَامِ وَرَدِّهِ) لِوُرُودِ النَّهْيِ الصَّرِيحِ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ.

وَفِيهِ أَيْضًا تَشْبِيهٌ بِالْيَهُودِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْمُصَنِّفِ وَنُقِلَ عَنْ الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ الِانْحِنَاءُ لِلسُّلْطَانِ وَلِغَيْرِهِ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ فِعْلَ الْمَجُوسِ.

(وَ) مِنْهُ (الْقِيَامُ بَيْنَ يَدَيْ الظَّلَمَةِ وَتَقْبِيلُ أَيْدِيهِمْ وَثِيَابِهِمْ) بِلَا ضَرُورَةٍ قَيَّدَ بِالظَّلَمَةِ فَإِنَّ تَقْبِيلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>