للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ الْإِجَابَة كَمَا فِي الْمَبَارِقِ (خ م عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ» أَيْ الْحُقُوقُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ مُلَاءَمَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وُجُوبُ عَيْنٍ أَوْ كِفَايَةٍ أَوْ نَدْبٍ «رَدُّ السَّلَامِ» وَاجِبٌ عَيْنًا إنْ وَاحِدًا، أَوْ كِفَايَةً إنْ جَمَاعَةً قِيلَ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ مَعْنَاهُ الْأَمَانُ فَإِذَا ابْتَدَأَ بِهِ أَخَاهُ فَلَمْ يُجِبْهُ تَوَهَّمَ مِنْهُ الشَّرَّ فَوَجَبَ دَفْعُ ذَلِكَ التَّوَهُّمِ بِالرَّدِّ «وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ» الْمُسْلِمِ فَوَاجِبَةٌ عَيْنًا حَيْثُ لَا مُتَعَهِّدَ لَهُ وَإِلَّا فَكِفَايَةٌ أَوْ مَنْدُوبَةٌ «وَاتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ» فَرْضُ كِفَايَةٍ كَرَدِّ السَّلَامِ «وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ» إنْ وَلِيمَةَ عُرْسٍ وَجَبَتْ أَوْ لِغَيْرِهَا أَوْ لِنَحْوِ إعَانَةٍ نُدِبَتْ كَمَا عَرَفْت آنِفًا وَلَكِنَّ صَنِيعَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مُطْلَقَ الْإِجَابَةِ لِمُطْلَقِ الدَّعْوَةِ إمَّا وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَهَذِهِ هِيَ مَحَلُّ الِاسْتِشْهَادِ «وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ» أَيْ الدُّعَاءُ لَهُ بِالرَّحْمَةِ وَالْبَرَكَةِ إذَا حَمِدَ.

قَالَ الطِّيبِيُّ يَجُوزُ عَطْفُ السُّنَّةِ عَلَى الْوَاجِبِ إنْ دَلَّتْ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ كَذَا فِي الْفَيْضِ لَعَلَّ هَذَا الِاعْتِذَارَ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ اقْتِضَاءِ الِاقْتِرَانِ فِي النَّظْمِ الِاقْتِرَانَ فِي الْحُكْمِ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَلَا يُحْتَاجُ عِنْدَنَا.

قَالَ الْبَغَوِيّ وَهَذِهِ كُلُّهَا يَسْتَوِي فِيهَا جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ بَرُّهُمْ وَفَاجِرُهُمْ

(تَنْبِيهٌ) : قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَلَيْك بِرِعَايَةِ هَذِهِ الْحُقُوقِ وَغَيْرِهَا بِالْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَقُلْ هَذَا ذُو سُلْطَانٍ وَجَاهٍ وَمَالٍ وَهَذَا فَقِيرٌ وَحَقِيرٌ وَلَا تُحَقِّرْ صَغِيرًا وَاجْعَلْ الْإِسْلَامَ كَالشَّخْصِ الْوَاحِدِ وَالْمُسْلِمِينَ كَالْأَعْضَاءِ لِذَلِكَ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَا وُجُودَ لَهُ بِدُونِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا وُجُودَ لَهُ إلَّا بِالْأَعْضَاءِ وَجَمِيعِ قُوَاهُ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ.

(تَتِمَّةٌ)

قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ إذَا رَاعَيْت حَقَّ الْمُسْلِمِ لِلَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ يُؤْتِيك أَجْرَك مَرَّتَيْنِ مِنْ حَيْثُ مَا أَدَّيْت مِنْ حَقِّهِ وَمِنْ حَيْثُ مَا أَدَّيْت حَقَّ مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْك حَقُّهُ مِنْ خَلْقِهِ (د عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مَرْفُوعًا «مَنْ دُعِيَ فَلَمْ يُجِبْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ دَخَلَ عَلَى غَيْرِ دَعْوَةٍ» مِنْ أَهْلِهِ «دَخَلَ سَارِقًا وَخَرَجَ مُغِيرًا» مِنْ الْإِغَارَةِ مِنْ الْمُقْتَدَى بِهِ أَوَّلًا، وَفِي الْجَامِعِ عَلَى تَخْرِيجِ مُسْلِمٍ بِرِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَيْضًا «مَنْ دُعِيَ إلَى عُرْسٍ أَوْ نَحْوِهِ كَخِتَانٍ وَعَقِيقَةٍ فَلْيُجِبْ» قَالَ شَارِحُهُ وُجُوبًا فِي الْعُرْسِ وَنَدْبًا فِي غَيْرِهِ وَوُجُوبًا مُطْلَقًا عِنْدَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَزَعَمَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحْبِ وَالتَّابِعِينَ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ دُعِيَ إلَى طَعَامٍ فَقَالَ رَجُلٌ اعْفِنِي فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إنَّهُ لَا عَافِيَةَ لَك مِنْ هَذَا فَقُمْ.

وَجَزَمَ بِاخْتِصَاصِ الْوُجُوبِ بِوَلِيمَةِ النِّكَاحِ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَجُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ وَبَالَغَ السَّرَخْسِيُّ مِنْهُمْ فَنَقَلَ الْإِجْمَاعَ وَفِي الْجَامِعِ أَيْضًا عَلَى تَخْرِيجِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ إذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ» ؛ لِأَنَّ عَدَمَ السَّلَامِ احْتِقَارٌ لِمَا خَلَقَهُ اللَّهُ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ وَعَظَّمَهُ وَشَرَّفَهُ فَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْجَرَائِمِ وَالذُّنُوبِ الْعَظَائِمِ، وَإِذَا دَعَاك فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَك فَانْصَحْ لَهُ بِلَا تَقْصِيرٍ فِي الْإِرْشَادِ وَبَذْلِ الْجَهْدِ لَكِنْ لَا يُشِيرُ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشَارَ وَلَا يَتَبَرَّعْ بِالرَّأْيِ فَيَكُونَ رَأْيُهُ مُتَّهَمًا أَوْ مَطْرُوحًا، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ وُجُوبًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَرْضُ عَيْنٍ، «وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ» وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا، «وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهِ» ، وَإِنْ صَحِبْته إلَى الدَّفْنِ كَانَ أَوْلَى.

(تَنْبِيهٌ)

مَفْهُومُ الْعَدَدِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِ فَذِكْرُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا قَبْلَهُ لَا يَنْفِي الزَّائِدَ فَقَدْ ذَكَرُوا لَهُ حُقُوقًا أُخْرَى مِنْهَا مَا رَوَاهُ الْأَصْبَهَانِيُّ بِسَنَدِهِ إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا كَمَا فِي رَوْضِ الْأَفْكَارِ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ ثَلَاثُونَ حَقًّا لَا بَرَاءَةَ لَهُ مِنْهَا إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ الْعَفْوِ: يَغْفِرُ زَلَّتَهُ، وَيَرْحَمُ عَبْرَتَهُ، وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ، وَيُقِيلُ عَثْرَتَهُ، وَيَقْبَلُ مَعْذِرَتَهُ، وَيَرُدُّ غَيْبَتَهُ، وَيُدِيمُ نَصِيحَتَهُ، وَيَحْفَظُ خُلَّتَهُ، وَيَرْعَى ذِمَّتَهُ، وَيُجَدِّدُ مَوَدَّتَهُ، وَيَشْهَدُ مَيِّتَهُ، وَيُجِيبُ دَعْوَتَهُ، وَيَقْبَلُ هَدِيَّتَهُ، وَيُكَافِئُ صِلَتَهُ، وَيَشْكُرُ نِعْمَتَهُ، وَيُحْسِنُ نُصْرَتَهُ، وَيَحْفَظُ حَلِيلَتَهُ، وَيَقْضِي حَاجَتَهُ، وَيَشْفَعُ مَسْأَلَتَهُ، وَيُطَيِّبُ كَلَامَهُ، وَيُسَيِّرُ أَنْعَامَهُ، وَيُصَدِّقُ أَقْسَامَهُ، وَيَنْصُرُهُ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، وَيُوَالِيهِ وَلَا يُعَادِيهِ، وَيُحِبُّ لَهُ مِنْ الْخَيْرِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ، وَيَكْرَهُ لَهُ مِنْ الشَّرِّ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ انْتَهَى.

(وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ ثَمَّةَ) مَوْضِعَ الْوَلِيمَةِ (لَعِبًا أَوْ غِنَاءً) غَيْرَ مَشْرُوعٍ (أَوْ نَحْوَهُمَا مِنْ الْمُنْكَرَاتِ لَا يَجُوزُ الذَّهَابُ مُطْلَقًا) مُقْتَدًى بِهِ أَوْ لَا، عَلَى الْمَائِدَةِ أَوْ لَا، مَرْئِيًّا أَوْ لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>