عِبَادَتَهُ لِرَبِّهِ أَتْعَبُ وَأَشَقُّ فِي أَثْنَاءِ عِبَادَةِ مَوْلَاهُ لَعَلَّ الْأَوَّلِيَّةَ إضَافِيَّةٌ، أَوْ الْأَوَّلِيَّةَ التَّوْعِيَةُ لَا الشَّخْصِيَّةُ، فَلَا يَشْكُلُ بِسَائِرِ السَّابِقِينَ ثُمَّ دَلَالَةُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الْمَطْلُوبِ لَيْسَ بِظَاهِرَةٍ فَافْهَمْ.
(وَمِنْهَا سُوءُ الْمَلَكَةِ) يُقَالُ فُلَانٌ حَسَنُ الْمَلَكَةِ إذَا كَانَ حَسَنَ الصُّنْعِ إلَى مَمَالِيكِهِ فَسُوءُ الْمَلَكَةِ عَدَمُ رِعَايَةِ حُقُوقِ الْمَمَالِيكِ (ت عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ سَيْء الْمَلَكَةِ» أَيْ مَنْ أَضَاعَ حُقُوقَ الْمَمَالِيكِ وَلَمْ يُرَاعِهَا وَأَسَاءَ إلَيْهِمْ قَالَ فِي الْفَيْضِ وَسُوءُ الْمَلَكَةِ، وَإِنْ عَمَّ لَكِنَّهُ غَالِبًا يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَمَالِيكِ كَذَا قَالَهُ جَمْعٌ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْقَصْرَ تَقْصِيرٌ إذْ لَا مَلْجَأَ لَهُ هُنَا وَالْحَمْلُ عَلَى الْأَعَمِّ أَتَمُّ وَهَذَا تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: ٦٣] قَالَ الطِّيبِيُّ مُرَادُهُ أَنَّ سُوءَ الْمَلَكَةِ يَدُلُّ عَلَى سُوءِ الْخُلُقِ وَهُوَ شُؤْمٌ وَالشُّؤْمُ يُورِثُ الْخِذْلَانَ وَالْعَذَابَ بِالنِّيرَانِ.
(فَائِدَةٌ)
فِي الْفَيْضِ قَالَ بَعْضُهُمْ الْجَامِعُ لِلْأَخْلَاقِ وَمَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ الْخُلُقُ الْحَسَنُ وَالْأَدَبُ وَالِاتِّبَاعُ وَالْإِحْسَانُ وَالنَّصِيحَةُ فَهَذِهِ أُمَّهَاتُ الْأَخْلَاقِ وَقَوَاعِدُ الْأَخْلَاقِ أَرْبَعٌ الْحِكْمَةُ وَالشَّجَاعَةُ وَالْعِفَّةُ وَالْعَدَالَةُ كَمَا مَرَّ ثُمَّ قِيلَ إنَّهُ غَرِيبٌ وَرَمَزَ الْمُصَنِّفُ لِحُسْنِهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَفِيهِ فَرْقَدُ السُّنْحِيُّ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَزَادَ «فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْت أَخْبَرْتَنَا أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ أَكْثَرُ الْأُمَمِ مَمْلُوكِينَ وَأَيْتَامًا قَالَ بَلَى فَأَكْرِمُوهُمْ كَرَامَةَ أَوْلَادِكُمْ وَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ قَالُوا فَمَا يَنْفَعُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَرَسٌ مُرْتَبِطَةٌ يُقَاتَلُ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَمْلُوكُك يَكْفِيك فَإِذَا صَلَّى فَهُوَ أَخُوك» قَالَ الْهَيْتَمِيُّ فِيهِ فَرْقَدٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ انْتَهَى.
(ت عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ أَعْفُو عَنْ الْخَادِمِ؟» أَيْ كَمْ مَرَّةً أَعْفُو عَنْ ذُنُوبِ الْخَادِمِ «فَقَالَ اُعْفُ عَنْهُ» لِلنَّدْبِ لَا الْوُجُوبِ «كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً» كِنَايَةً عَنْ الْكَثْرَةِ لَا الْعَدَدِ الْمَخْصُوصِ وَحَاصِلُهُ لِيَكُنْ عَفْوُك أَكْثَرَ مِنْ مُؤَاخَذَتِك وَرُوِيَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ أَنَّ جَارِيَتَهُ جَاءَتْ بِمَرَقَةٍ فَعَثَرَتْ فَصَبَّتْ الْمَرَقَةَ عَلَيْهِ فَأَرَادَ ضَرْبَهَا فَقَالَتْ يَا مَوْلَايَ اسْتَعْمِلْ قَوْله تَعَالَى - {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [آل عمران: ١٣٤]- قَالَ قَدْ كَظَمْت فَقَالَتْ اعْمَلْ بِمَا بَعْدَهُ {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران: ١٣٤] قَالَ قَدْ عَفَوْت، وَقَالَتْ الْجَارِيَةُ {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: ١٣٤] فَقَالَ مَيْمُونٌ أَحْسَنْت إلَيْك فَأَنْتِ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى (خ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «إذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ» بِالرَّفْعِ وَأَحَدَكُمْ مَنْصُوبٌ «بِطَعَامِهِ» لِيَأْكُلَهُ وَالْخَادِمُ يُطْلَقُ عَلَى الْقِنِّ وَالْحُرِّ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَهُوَ بِغَيْرِ تَاءِ تَأْنِيثٍ لِإِجْرَائِهِ مَجْرَى الْأَسْمَاءِ غَيْرِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْأَفْعَالِ وَمِثْلُهَا امْرَأَةٌ عَاشِقٌ وَجَوَابُ إذَا مَحْذُوفٌ أَيْ فَلْيُجْلِسْهُ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لِيَأْكُلَ مَعَهُ سُلُوكًا لِسَبِيلِ التَّوَاضُعِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَهَذَا هُوَ الْأَفْضَلُ «فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ» لِلْأَكْلِ لِعُذْرٍ كَقِلَّةِ الطَّعَامِ أَوْ لِكَوْنِهِ أَمْرَدَ يُخْشَى مِنْ الْتِقَائِهِ، أَوْ حَيَاءِ الْخَادِمِ «فَلْيُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ» بِحَسَبِ حَالِ الطَّعَامِ وَالْخَادِمِ لَيَرُدَّ مَا فِي نَفْسِهِ مِنْ شَهْوَةِ الطَّعَامِ وَتَنْكَسِرَ سَوْرَةُ الْجُوعِ، وَفِي مَعْنَاهُ الطَّبَّاخُ وَحَامِلُ الطَّعَامِ فِي الْإِجْلَاسِ وَالْمُنَاوَلَةِ لِوُجُودِ الْمَعْنَى فِيهِ وَهُوَ تَعَلُّقُ نَفْسِهِ بِهِ وَشَمِّ رِيحِهِ وَإِرَاحَةِ صَاحِبِ الطَّعَامِ مِنْ حَمْلِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ.
«أَوْ أَكْلَةٍ أَوْ أَكْلَتَيْنِ» قَالَ الدَّمَامِينِيُّ، فَإِنْ قُلْت مَا هَذَا الْعَطْفُ قُلْت لَعَلَّهُ شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي أَوْ عَطَفَ أَحَدَ الْمُتَرَادِفَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِأَوْ، وَصَرَّحَ بَعْضٌ بِجَوَازِهِ كَالْوَاوِ «فَإِنَّهُ» أَيْ الْخَادِمُ «وَلِيَ» تَحَمَّلَ «حَرَّهُ» مِنْ الْحَرَارَةِ أَيْ تَحَمَّلَ مُقَاسَاةَ شَمِّ لَهَبِ النَّارِ حَالَ الطَّبْخِ «وَعِلَاجَهُ» مِنْ الْمُعَالَجَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute