جَارُ الدَّارِ لَا جَارُ الْجِوَارِ؛ لِأَنَّ التَّوَارُثَ كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ بِجِوَارِ الْعَهْدِ، ثُمَّ نُسِخَ «حَتَّى ظَنَنْت أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» سَيَحْكُمُ بِتَوْرِيثِ الْجَارِ مِنْ الْجَارِ. وَاسْمُ الْجَارِ يَعُمُّ الْمُسْلِمَ وَالْعَدْلَ وَالْقَرِيبَ وَالْبَلَدِيَّ وَالنَّافِعَ وَأَضْدَادَهُمْ وَلَهُ مَرَاتِبُ فَأَعْلَاهَا مَنْ جَمَعَ صِفَاتِ الْكَمَالِ، ثُمَّ أَكْثَرَهَا وَهَلُمَّ جَرَّا وَعَكْسُهُ مَنْ جَمَعَ ضِدَّهُ كَذَلِكَ فَيُعْطِي كُلًّا حَقَّهُ بِحَسَبِ حَالِهِ وَيَتَرَجَّحُ عِنْدَ تَعَارُضِ الصِّفَاتِ. نَبَّهَ بِذَلِكَ أَنَّ الْحُقُوقَ إذَا تَأَكَّدَتْ بِالْأَسْبَابِ فَأَعْظَمُهَا الْجِوَارُ وَهُوَ قُرْبُ الدَّارِ فَأَنْزَلَهُ مَنْزِلَةَ الرَّحِمِ وَكَادَ يُثْبِتُ حَقًّا لَهُ فِي الْمَالِ وَلِلْجِوَارِ مَرَاتِبُ: الْمُلَاصَقَةُ وَالْمُخَالَطَةُ بِأَنْ يَجْمَعَهُمَا مَسْجِدٌ أَوْ مَدْرَسَةٌ أَوْ سُوقٌ أَوْ صِفَةٌ كَمَا فِي الْمَعَاقِلِ، وَعَنْ الْقُشَيْرِيِّ مِنْ جِيرَانِك الْمَلَكَانِ فَلَا تُؤْذِهِمَا بِعِصْيَانِك وَرَاعِ حَقَّهُمَا بِمَا تُمْلِي عَلَيْهِمَا مِنْ إحْسَانِك، وَإِذَا كَانَ جَارُ دَارِك مُسْتَحِقًّا لِلْإِحْسَانِ عَلَيْهِ فَجَارُ نَفْسِك وَهُوَ قَلْبُك أَوْلَى وَلَا تَغْفُلْ عَنْ حُلُولِ الْخَوَاطِرِ الْمَزْوِيَّةِ فِيهِ، ثُمَّ جَارُ قَلْبِك وَهُوَ مَعْرِفَتُك أَوْلَى بِأَنْ تُحَافِظَ حَقّهَا، ثُمَّ جَارُ رُوحِك أَوْلَى بِأَنْ تُرَاعِيَ حَقَّهُ، ثُمَّ أَوْلَى مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ لَا تَغْفُلَ عَنْ قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: ٤] انْتَهَى.
رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا رَمَيْت كَلْبَ جَارِك فَقَدْ آذَيْتَهُ» (خ م عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «وَاَللَّهِ لَا يُؤْمِنُ» إيمَانًا كَامِلًا «ثَلَاثًا» أَيْ كَرَّرَهُ ثَلَاثًا وَهُوَ غَايَةُ التَّأْكِيدِ لِغَايَةِ الِاهْتِمَامِ سِيَّمَا مَظَانُّ الْإِهْمَالِ وَعَدَمُ الِاهْتِمَامِ ( «قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» جَمْعُ بَائِقَةٍ أَيْ هَلَكَاتِهِ وَشُرُورَهُ وَغَوَائِلَهُ «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» وَهُوَ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا إلَى آخِرِ مَا يَقَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وُصِفَ بِالْآخِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا لَيْلَ بَعْدَهُ أَيْ بِوُجُودِهِ بِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِمَّا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ فَلْيَفْعَلْ مَا يَأْتِي فَإِنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ سِيَّمَا وَفَرْضُ انْتِفَاءِ الْجَزَاءِ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الشَّرْطِ أَيْ الْإِيمَانِ، وَفِي ذِكْرِهِ تَنْبِيهٌ وَإِرْشَادٌ لِإِيقَاظِ النَّفْسِ وَتَحَرُّكِ الْهِمَمِ لِلْمُبَادَرَةِ لِامْتِثَالِ جَوَابِ الشَّرْطِ وَهُوَ قَوْلُهُ «فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ» بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ فَلْيُحْسِنْ إلَى جَارِهِ أَيْ مَنْ يُؤْمِنُ بِجِوَارِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ وَالرُّجُوعِ إلَى السُّكْنَى فِي جِوَارِهِ بِدَارِ كَرَامَتِهِ فَلْيَكُفَّ الْأَذَى عَنْ جَارِهِ وَيَتَحَمَّلْ مَا صَدَرَ مِنْهُ وَيَبَشَّ فِي وَجْهِهِ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَالْجَارُ مَنْ بَيْنَك وَبَيْنَهُ أَرْبَعُونَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، ثُمَّ الْإِكْرَامُ قَدْ يَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ، وَقَدْ يَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ، وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا وَجَمْعُ الْجَمِيعِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ كَذَا فِي الْفَيْضِ «وَلَا يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ» أَيْ جِدَارِ الْجَارِ، وَعَنْ الرَّوْضَةِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَاتَ وَلَهُ جِيرَانٌ ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ رَاضُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute