الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِنْ جَازَ كَوْنُهُمَا فِي تَأْيِيدِ شَيْءٍ مِنْهُمَا وَتِبْيَانًا وَتَوْضِيحًا وَتَعْيِينَ احْتِمَالٍ لَهُمَا وَنَحْوَهَا فَيَبْطُلُ احْتِجَاجُهُمْ بِهِمَا مُعَارِضًا وَمُقَابِلًا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
وَأَمَّا سَبَبُ الرُّؤْيَا فَفِي الْمُنَاوِيِّ عَنْ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ سَبَبَ الرُّؤْيَا إذَا نَامَ الْإِنْسَانُ سَطَعَ نُورُ النَّفْسِ حَتَّى يَجُولَ فِي الدُّنْيَا وَيَصْعَدَ إلَى الْمَلَكُوتِ فَيُعَايِنُ الْأَشْيَاءَ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مَعْدِنِهِ، فَإِنْ وَجَدَ مُهْلَةً عَرَضَ عَلَى الْعَقْلِ وَالْعَقْلُ يَسْتَوْدِعُ الْحَافِظَةَ وَفِي الْعَالِمِ يَخْرُجُ النَّفْسُ وَيَبْقَى الرُّوحُ عِنْدَ النَّوْمِ.
وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَخْرُجُ الرُّوحُ وَيَبْقَى شُعَاعُهُ فِي الْجَسَدِ فَبِذَلِكَ يَرَى الرُّؤْيَا وَيُقَالُ أَرْوَاحُ الْأَمْوَاتِ وَالْأَحْيَاءِ تَلْتَقِي فِي الْمَنَامَاتِ فَتَتَعَارَفُ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمَفْهُومُ مِنْ مُحَاكَاةِ كَلَامِ الْحُكَمَاءِ أَنَّ تَوَجُّهَ النَّفْسِ فِي الْيَقَظَةِ إلَى الْمَحْسُوسَاتِ مَانِعٌ مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْمَعْقُولَاتِ، وَإِذَا ارْتَفَعَ الْمَانِعُ بِالنَّوْمِ تَسْتَعِدُّ النَّفْسُ بِالِاتِّصَالِ بِالْجَوَاهِرِ الرُّوحَانِيَّةِ الْعَقْلِيَّةِ الَّذِي ارْتَسَمَ فِيهَا جَمِيعُ الْمَوْجُودَاتِ الْمُعَبَّرِ عَنْهَا فِي الشَّرْعِ بِاللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَعِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ إنَّ لِلرُّؤْيَا مَلَكًا يُقَالُ لَهُ مَلَكُ الرُّؤْيَا فَعِنْدَ الْيَقَظَةِ تُعْدَمُ الْمُنَاسَبَةُ وَعِنْدَ النَّوْمِ تَحْصُلُ الْمُنَاسَبَةُ مَعَ ذَلِكَ الْمَلَكِ فَيَنْطَبِعُ فِي النَّفْسِ مِنْ الْمَلَكِ مَا أَخَذَهُ مِنْ اللَّوْحِ وَالْإِلْهَامَاتِ الْفَائِضَةِ مِنْ جَانِبِ الْقُدْسِ
وَأَمَّا الْكَاذِبَةُ فَإِمَّا بِسَبَبِ تَخَيُّلٍ فَاسِدٍ فِي الْيَقَظَةِ أَوْ سُوءِ مِزَاجٍ أَوْ امْتِلَاءٍ أَوْ لِأَمْرَاضٍ ثُمَّ قِيلَ الرُّؤْيَا إمَّا صَادِقَةٌ وَهِيَ أَيْضًا ثَلَاثٌ تَبْشِيرٌ يُبَشِّرُهُ مَلَكُ الرُّؤْيَا بِمَا يُسِرُّهُ مِنْ الْأُخْرَوِيِّ أَوْ الدُّنْيَوِيِّ وَتَحْذِيرٌ يُخَوِّفُهُ بِمَا يُبْعِدُ عَنْ الطَّاعَةِ وَيُقَرِّبُ إلَى الْمَعْصِيَةِ وَإِلْهَامٌ يُلْهِمُهُ مَا هُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ كَالْحَجِّ وَالتَّهَجُّدِ وَإِمَّا كَاذِبَةٌ وَهِيَ ثَلَاثٌ رُؤْيَا هِمَّةٍ وَهِيَ مَا تَخَيَّلَهَا فِي الْيَقَظَةِ فَلَيْسَ لَهَا اعْتِبَارٌ وَرُؤْيَا عِلَّةٍ نَاشِئَةٍ مِنْ الْأَمْرَاضِ فَلَيْسَ لَهَا اعْتِبَارٌ أَيْضًا وَرُؤْيَا شَيْطَانٍ أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ فَلَيْسَتْ بِمُعْتَبَرَةٍ أَيْضًا (خُصُوصًا) أَيْ أَخَصُّهُمَا (إذَا خَالَفَا كِتَابَ الْعَلِيمِ الْعَلَّامِ) جِيءَ بِالْوَصْفِ الثَّانِي إشَارَةً إلَى جَهْلِهِمْ وَتَعْرِيضًا لِلْمُبَالَغَةِ فِي رَدِّهِمْ (أَوْ سُنَّةَ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) وَجْهُ التَّرَقِّي أَنَّهُمَا حِينَ الْمُخَالَفَةِ لَا يَكُونَانِ إلْهَامًا بَلْ وَسْوَسَةً شَيْطَانِيَّةً وَرُؤْيَا كَاذِبَةً عَلَى نَهْجِ مَا فُصِّلَ.
وَأَمَّا إذَا وَافَقَا إيَّاهُمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَا حُجَّةً لِصَاحِبَيْهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا حُجَّةً لِغَيْرِهِمَا ثُمَّ لَمَّا أَوْرَدَ فِي رَدِّهِمْ الْأَدِلَّةَ الْقَطْعِيَّةَ الْبُرْهَانِيَّةَ أَرَادَ أَنْ يُورِدَ الْأَدِلَّةَ الْجَدَلِيَّةَ وَالْخَطَّابِيَّةَ الْإِقْنَاعِيَّةَ وَهِيَ أَقْوَالُ الْمَشَايِخِ الَّذِينَ ادَّعَوْا لِأَتْبَاعِهِمْ وَمُقَلِّدِيهِمْ.
فَقَالَ (وَقَدْ قَالَ) كَأَنَّهُ يَقُولُ إنَّ أَدِلَّتَهُمْ فِيمَا ادَّعَوْا فِي مِثْلِ تِلْكَ الْفُحْشِيَّاتِ إمَّا إلْهَامٌ وَمَنَامٌ أَوْ أَقْوَالُ الْمَشَايِخِ وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِمَا عَرَفْت وَالثَّانِي بَاطِلٌ لِمَا سَتَعْرِفُ مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ الْمُنَافِيَةِ لِدَعْوَاهُمْ (سَيِّدُ) مِنْ السِّيَادَةِ (الطَّائِفَةِ الصُّوفِيَّةِ) قَالُوا فِي اشْتِقَاقِهِ وَنِسْبَتِهِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ أَنَّهُ أَيْ الصُّوفِيَّ مِنْ الصَّفَاءِ سُمُّوا بِهَا لِصَفَاءِ أَسْرَارِهِمْ وَبَقَاءِ آثَارِهِمْ.
قَالَ بِشْرٌ الْحَافِيُّ الصُّوفِيُّ مَنْ صَفَا قَلْبُهُ الثَّانِي مِنْ الصَّفِّ لِكَوْنِهِمْ مِنْ الصَّفِّ الْأَوَّلِ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ تَعَالَى.
الثَّالِثُ: مِنْ الصُّفَّةِ لِقُرْبِهِمْ بِأَصْحَابِ الصُّفَّةِ أَيْ صُفَّةِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
الرَّابِعُ: مِنْ الصُّوفِ لِلُبْسِهِمْ الصُّوفَ؛ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا الدُّنْيَا وَخَرَجُوا عَنْ الْأَوْطَانِ وَهَجَرُوا الْإِخْوَانَ وَسَاحُوا فِي الْبِلَادِ وَأَجَاعُوا الْأَكْبَادَ وَأَتْعَبُوا الْأَجْسَادَ وَلِهَذَا وَصَفَهُمْ السَّقَطِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّ أَكْلَهُمْ أَكْلُ الْمَرْضَى وَنَوْمَهُمْ نَوْمُ الْغَرْقَى.
وَالْخَامِسُ: مِنْ الصَّفْوَةِ قَالَ فِي حَلِّ الرُّمُوزِ: الْكُلُّ ضَعِيفٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ سِوَى الرَّابِعِ وَلِهَذَا قَالَ الْقُشَيْرِيُّ لَا يَشْهَدُ لِهَذَا الِاسْمِ مِنْ حَدِيثِ الْعَرَبِيَّةِ قِيَاسٌ وَلَا اشْتِقَاقٌ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَاللَّقَبِ ثُمَّ قَالَ وَالنِّسْبَةُ إلَى الصُّوفِ مُسْتَقِيمَةٌ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ إلَّا أَنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَخْتَصُّوا بِلُبْسِ الصُّوفِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الصُّوفَ مِنْ لِبَاسِ الْأَنْبِيَاءِ وَزِيِّ الْأَوْلِيَاءِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ أَدْرَكْت سَبْعِينَ بَدْرِيًّا مَا كَانَ لِبَاسُهُمْ إلَّا الصُّوفَ.
وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَلْبَسُ الصُّوفَ» وَسُئِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ الصُّوفِيِّ فَقَالَ مِنْ لَبِسَ الصُّوفَ وَأُطْعِمَ الْهَوَى ذَوْقَ الْجَفَا وَكَانَتْ الدُّنْيَا مِنْهُ فِي الْقَفَا وَسَلَكَ مِنْهَاجَ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا كَلَامُهُمْ وَلَوْلَا خَشْيَةُ الْمَلَالِ لَأَوْرَدْنَا عَلَى كُلِّ مَا يُمْكِنُ إيرَادُهُ (وَإِمَامُ أَرْبَابِ) أَصْحَابِ (الطَّرِيقَةِ) أَيْ طَرِيقَةِ كَمَالِ مُتَابَعَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتِقَادًا وَأَخْلَاقًا وَأَعْمَالًا وَسِيرَةً وَلَوْ عَادِيَّةً إلَى أَنْ تَرَكُوا الْأَغْيَارَ لِقَصْرِهِمْ النَّظَرَ إلَى رَبِّ الدَّارِ فَجَعَلَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ مَعَادِنَ أَسْرَارِهِ وَخَصَّهُمْ مِنْ الْعَالَمِينَ بِطَوَالِعِ أَنْوَارِهِ صَفَّاهُمْ اللَّهُ مِنْ كُدُورَاتِ الْأَرْكَانِ وَرَقَّاهُمْ إلَى الْمَلَكُوتِ