للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَذْهَبُ السَّلَفِ فَالْإِيمَانُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ التَّصْدِيقِ فَقَطْ وَبَيْنَ مَجْمُوعِ التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ وَإِمَّا خَارِجَةٌ عَنْ الْإِيمَانِ لَكِنْ يُطْلَقُ عَلَيْهَا لَفْظُ الْإِيمَانِ مَجَازًا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّانِي إلَّا بِالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَإِمَّا خَارِجَةٌ بِالْكُلِّيَّةِ وَمِنْ الْقَائِلِينَ بِهَذَا الِاحْتِمَالِ مَنْ يَقُولُ لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ مَعْصِيَةٌ كَمَا لَا يَنْفَعُ مَعَ الْكُفْرِ طَاعَةٌ وَهُوَ مَذْهَبُ بَعْضِ الْخَوَارِجِ

ثُمَّ هُنَا مَذَاهِبُ أُخَرَ فَإِنَّهُ عِنْدَ الشِّيعَةِ الْمَعْرِفَةُ فَقَطْ وَعِنْدَ النَّظَّامِيَّةِ التَّسْلِيمُ فَقَطْ بِخَبَرِ إنْسَانٍ وَعِنْدَ الْكَرَّامِيَّةِ مُجَرَّدُ الْإِقْرَارِ بِدُونِ التَّصْدِيقِ وَعِنْدَ الرَّقَاشِيِّ هُوَ الْإِقْرَارُ فَقَطْ بِشَرْطِ الْمَعْرِفَةِ وَبِشَرْطِ التَّصْدِيقِ عِنْدَ الْقَطَّانِ

فَجُمْلَةُ الْأَقْوَالِ تَحْقِيقًا وَاعْتِبَارًا أَحَدَ عَشَرَ لِأَنَّهُ إمَّا بَسِيطٌ وَهُوَ سَبْعَةٌ التَّصْدِيقُ فَقَطْ وَالْإِقْرَارُ فَقَطْ بِلَا شَرْطٍ وَبِشَرْطِ الْمَعْرِفَةِ وَبِشَرْطِ التَّصْدِيقِ وَالْأَعْمَالُ فَقَطْ وَالْمَعْرِفَةُ فَقَطْ وَالتَّسْلِيمُ فَقَطْ وَإِمَّا ثُنَائِيٌّ وَهُوَ اثْنَانِ التَّصْدِيقُ وَالْإِقْرَارُ وَكَوْنُهُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ التَّصْدِيقِ فَقَطْ وَبَيْنَ مَجْمُوعِ التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ وَإِمَّا ثُلَاثِيٌّ وَهُوَ اثْنَانِ أَيْضًا التَّصْدِيقُ وَالْإِقْرَارُ وَالْعَمَلُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ جُزْءًا مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ كَمَالِهِ نُقِلَ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ هَذَا كُلُّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا عِنْدَ اللَّهِ وَأَمَّا عِنْدَنَا فَهُوَ الْكَلِمَةُ فَإِذَا قَالَهَا حَكَمْنَا بِإِيمَانِهِ اتِّفَاقًا وَإِذَا كَانَتْ الْأَعْمَالُ خَارِجَةً عَنْ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ (فَلَا يَزِيدُ) حَقِيقَتُهُ بِالطَّاعَاتِ (وَلَا يَنْقُصُ) بِالْمَعَاصِي فَهَذَا فَرْعُ خُرُوجِ الْأَعْمَالِ عَنْ مَاهِيَّتِه كَمَا نُقِلَ عَنْ الرَّازِيّ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَكَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلتَّصْدِيقِ الْبَالِغِ حَدَّ الْجَزْمِ وَالْإِذْعَانِ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ وَلِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ احْتِمَالَ النَّقِيضِ وَالتَّصْدِيقُ الْيَقِينِيُّ لَا يَحْتَمِلُهُ وَأَنَّ زِيَادَةَ الْإِيمَانِ تَقْتَضِي نُقْصَانَ الْكُفْرِ وَنُقْصَانُهُ زِيَادَةَ الْكُفْرِ وَهُوَ مُحَالٌ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ وَعِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ وَهُوَ الْمَحْكِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَزِيدُ وَيَنْقُصُ.

قَالَ صَاحِبُ الْمَوَاقِفِ وَالْحَقُّ قَبُولُ التَّصْدِيقِ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ بِحَسَبِ الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ كَإِيمَانِ النَّبِيِّ وَأُمَّتِهِ وَإِيمَانِ الْمُسْتَدِلِّ وَالْمُقَلِّدِ بَلْ إيمَانِ الْوَاصِلِ بِالْمُكَاشَفَاتِ وَالْمُشَاهَدَاتِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: ٢٦٠] وَقَدْ قَسَّمُوا الْيَقِينَ إلَى حَقِّ الْيَقِينِ وَعَيْنِ الْيَقِينِ وَعِلْمِ الْيَقِينِ لَكِنَّ الشَّرِيفَ الْعَلَّامَةَ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ الْعَضُدُ عَلَى إرَادَةِ بَيَانِ مُرَادِهِ صَرَّحَ بِعَدَمِ التَّفَاوُت قُوَّةً وَضَعْفًا فِي الْيَقِينِيَّاتِ بِخِلَافِ الظُّنُونِ وَالسَّابِقُ إلَى الْخَاطِرِ كَوْنُهُ قَابِلًا لِلزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ عِنْدَهُمْ فَرْعُ دُخُولِ الْأَعْمَالِ فِي الْإِيمَانِ عِنْدَهُمْ وَقَدْ عَرَفْت التَّحْقِيقَ عِنْدَهُمْ أَنَّهَا لَيْسَتْ جُزْءًا مِنْ أَصْلِهِ بَلْ مِنْ كَمَالِهِ وَكَوْنُهَا جُزْءًا مِنْ الْكَمَالِ لَيْسَ مَنْفِيًّا عِنْدَ أَصْحَابِنَا بَلْ هُوَ مُتَّفَقٌ فَالنِّزَاعُ لَفْظِيٌّ وَيُؤَيِّدُهُ مَا صَرَّحَ إمَامُنَا الْأَعْظَمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ إيمَانُ أَهْلِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ جِهَةِ الْمُؤْمَنِ بِهِ وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ مِنْ جِهَةِ الْيَقِينِ فَمُرَادُ الْإِمَامِ مِنْ عَدَمِ الزِّيَادَةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الْمُؤْمَنِ بِهِ لَا مِنْ قُوَّةِ ذَاتِهِ وَضَعْفِهِ وَاَلَّذِي تَحَرَّرَ ذِكْرُ لُزُومِ الْجَزْمِ الْيَقِينِيِّ فِي الْإِيمَانِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ وَلَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّيَّاتِ فِي بَابِ الِاعْتِقَادِيَّاتِ وَلِمَا نُقِلَ عَنْ صَاحِبِ النِّهَايَةِ الْأَصْلُ فِي الِاعْتِقَادِيَّاتِ الْحَقُّ الْيَقِينِيُّ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ مُخَالِفُهُ بَاطِلًا يَقِينًا عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِهِ - {وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: ٢٨]- وَقَوْلِهِ - {إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} [الجاثية: ٣٢]- وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الظَّنَّ الْغَالِبَ الَّذِي يَخْطِرُ مَعَهُ احْتِمَالُ النَّقِيضِ بِالْبَالِ إيمَانٌ حَقِيقِيٌّ وَأَنَّ الْإِيمَانَ التَّقْلِيدِيَّ رَاجِعٌ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>