للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّجْدِيِّ لِلْمُشَاوَرَةِ مَعَهُمْ فِي حَقِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَحَفِظَهُ تَعَالَى بِخَبَرِ جَبْرَائِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَنْزَلَ قَوْله تَعَالَى - {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنفال: ٣٠]- إلَى قَوْلِهِ - {وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: ٣٠]- وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى - {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ} [الأعراف: ٢٠٠]- الْآيَةُ فَقِيلَ: أَيْ يَسْتَخِفَّنَّكَ يَعْنِي يُزْعِجَنَّكَ وَيَحْمِلُك عَلَى الْخِفَّةِ وَيُزِيلُ حِلْمَك غَضَبٌ يَحْمِلُك عَلَى تَرْكِ الْإِعْرَاضِ مَثَلًا عَنْهُمْ - {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف: ٢٠٠]- وَلَا تُطِعْ مَنْ سِوَاهُ وَقِيلَ: يَنْزَغَنَّكَ يُغْرِيَنَّكَ وَيُحَرِّكَنَّكَ وَالنَّزْغُ أَدْنَى الْوَسْوَسَةِ فَأَمَرَهُ تَعَالَى أَنَّهُ مَتَى تَحَرَّكَ عَلَيْهِ الْغَضَبُ عَلَى عَدُوِّهِ أَوْ رَامَ الشَّيْطَانُ مِنْ إغْرَائِهِ وَخَوَاطِرُ أَدْنَى وَسَاوِسِهِ مَا لَمْ يُجْعَلْ لَهُ سَبِيلٌ إلَيْهِ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْهُ فَيُكْفَى أَمْرُهُ فَيَكُونُ سَبَبَ تَمَامِ عِصْمَتِهِ إذْ لَمْ يُسَلَّطْ بِأَكْثَرَ مِنْ التَّعَرُّضِ لَهُ وَلَمْ يُجْعَلْ لَهُ قُدْرَةً عَلَيْهِ

وَأَمَّا أَقْوَالُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَّا فِي بَابِ التَّبْلِيغِ فَمَعْصُومٌ عَمْدًا إجْمَاعًا أَوْ سَهْوًا أَوْ نِسْيَانًا أَوْ غَلَطًا أَيْ خَطَأً وَأَمَّا فِي أُمُورِ الدُّنْيَا فَكَذَا أَيْضًا مَعْصُومٌ عَلَى الْخِلَافِ عَمْدًا وَنِسْيَانًا وَخَطَأً حَالَ رِضَاهُ وَسَخَطِهِ وَجِدِّهِ وَمَزْحِهِ وَصِحَّتِهِ وَمَرَضِهِ بِإِجْمَاعِ السَّلَفِ - وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ يَقُولُ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْعَصْرِ فَسَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ: أَقَصَرْت الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ نَسِيت؟ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى مَا قَصَرْت الصَّلَاةَ وَلَا نَسِيت» فَأَخْبَرَ بِنَفْيِ الْحَالَيْنِ وَقَدْ كَانَ أَحَدَ ذَلِكَ كَمَا قَالَ ذُو الْيَدَيْنِ قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَا يَتَوَجَّهُ شَيْءٌ عَلَى مَنْ جَوَّزَ الْوَهْمَ وَالْغَفْلَةَ فِي غَيْرِ بَابِ التَّبْلِيغِ وَإِنْ زَيَّفَ.

وَقِيلَ: أَنَّهُ عَامِدٌ لِصُورَةِ النِّسْيَانِ لِتَعْلِيمِ حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ الْقَصْرِ وَحَقِيقَةِ النِّسْيَانِ لَكِنْ مِثْلُ هَذَا الْقَصْدِ لِأَجْلِ مِثْلِ إعْلَامِ تَشْرِيعِ هَذَا الْحُكْمِ بَعِيدٌ وَقِيلَ: نَفْيُ النِّسْيَانِ بِحَسَبِ اعْتِقَادِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ بِحَسَبِ نَفْيِ السَّلَامِ وَإِنْ ثَبَتَ السَّهْوُ فِي الْعَدَدِ أَوْ النَّفْيِ بِحَسَبِ مَجْمُوعِ الْقَصْرِ وَالنِّسْيَانِ يَعْنِي لَمْ يَجْمَعْ الْقَصْرُ وَالنِّسْيَانُ أَوْ الْمَنْفِيُّ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هُوَ النِّسْيَانُ لَا السَّهْوُ فَالْوَاقِعُ هُوَ السَّهْوُ لَا النِّسْيَانُ لِأَنَّ النِّسْيَانَ غَفْلَةٌ وَآفَةٌ وَالسَّهْوَ شَغْلٌ فَيَسْهُو فِي صَلَاتِهِ وَلَا يَغْفُلُ

وَأَمَّا الْأَعْمَالُ فَشَامِلَةٌ لِلْأَقْوَالِ الْغَيْرِ التَّبْلِيغِيَّةِ فَهُمْ مَعْصُومُونَ عَنْ الْفَوَاحِشِ وَالْكَبَائِرِ إجْمَاعًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي عِصْمَتِهِمْ اخْتِيَارًا أَوْ بِعَدَمِ قُدْرَتِهِمْ عَلَى الْمَعَاصِي - وَأَمَّا الصَّغَائِرُ فَجَوَّزَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَتَوَقَّفَ بَعْضُهُمْ وَمَنَعَ الْمُحَقِّقُونَ كَالْكَبَائِرِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ لِتَنَافِي الِاتِّبَاعِ الْمُطْلَقِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ بِلَا حَاجَةَ إلَى قَرِينَةٍ وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِ وَاجِبًا أَوْ نَدْبًا أَوْ إبَاحَةً وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ الِاتِّبَاعَ بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ فَالْحَظْرُ وَالْكَرَاهَةُ مُنَافٍ لِلتَّبَعِيَّةِ

وَأَمَّا قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِي صُدُورِ مُطْلَقِ الْمَعْصِيَةِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُهَا كَيْفَ وَتَصَوُّرُ الْمَسْأَلَةِ كَالْمُمْتَنِعِ فَإِنَّ الْحُرْمَةَ فَرْعُ الشَّرْعِ وَلَا شَرْعَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِي تَعَبُّدِ نَبِيِّنَا قَبْلَ الشَّرْعِ هَلْ هُوَ مُتَّبِعٌ لِشَرْعٍ أَمْ لَا وَأَمَّا السَّهْوُ وَالنِّسْيَانُ فِي التَّبْلِيغِ وَبَيَانِ الْأَحْكَامِ فَكَالْأَقْوَالِ فِي الِامْتِنَاعِ عِنْدَ الْإسْفَرايِينِيّ لِمُنَافَاتِهِ التَّبَعِيَّةَ الْمَأْمُورَةَ أَيْضًا وَأَحَادِيثُ السَّهْوِ مُؤَوَّلَةٌ وَجَائِزٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَعَنْ النَّوَوِيِّ وَهُوَ الْحَقُّ لِأَنَّ السَّهْوَ فِي الْأَفْعَالِ لِعَدَمِ كَوْنِهَا مِنْ جِنْسِ الْمُعْجِزَةِ لَا يُنَافِيهَا كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيت فَذَكِّرُونِي» وَأَنَّ ذَلِكَ دَاعِيًا إلَى تَقْرِيرِ شَرْعٍ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنِّي لَأَنْسَى أَوْ أُنْسَى لِأَسُنَّ» بَلْ قَدْ رُوِيَ «لَسْت أَنْسَى وَلَكِنْ أُنْسَى لِأَسُنَّ» فَمِنْ بَابِ تَمَامِ النِّعْمَةِ لَا النَّقْصِ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ تَقْرِيرِهِمْ عَلَى هَذَا السَّهْوِ وَالْغَلَطِ بَلْ يُنَبَّهُ فَوْرًا.

وَأَمَّا فِي غَيْرِ التَّبْلِيغِ وَبَيَانِ الْأَحْكَامِ مِمَّا يُوجِبُ التَّبَعِيَّةَ فَالْأَكْثَرُ عَلَى الْجَوَازِ لِلِاشْتِغَالِ بِأَحْوَالِ الْإِنْذَارِ وَالتَّكْلِيفِ وَمُحَافَظَةِ الْأُمَّةِ وَلَكِنْ بِلَا تَكْرَارٍ وَدَوَامٍ بَلْ بِالنُّدْرَةِ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي فَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً أَوْ مِائَةَ مَرَّةً» وَعِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَصَوِّفَةِ وَأَصْحَابِ عِلْمِ الْقُلُوبِ وَالْمَقَامَاتِ الْعَلِيَّةِ مَنْعُ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ وَالْغَفَلَاتِ وَالْفَتَرَاتِ مُطْلَقًا عَلَى تَأْوِيلِ مِثْلِ آثَارِ السَّهْوِ السَّابِقَةِ كَحِكْمَةِ بَيَانِ حُكْمِ مِثْلِ هَذِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>