لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ تَعَالَى مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ وَأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ خُلُوَّهُ تَعَالَى عَنْ الْكَمَالِ فِي الْأَزَلِ إذْ كُلُّ صِفَةٍ لَهُ تَعَالَى كَمَالٌ لَهُ (وَفِيهَا) أَيْ فِي التتارخانية (سُئِلَ) أَيْ مُصَنِّفُهَا (عَنْ قَوْمٍ ذَات باري جَلَّتْ قُدْرَتُهُ مَحَلَّ حَوَادِثِ ميكويند) أَيْ يَقُولُونَ بِأَنَّ ذَاتَ الْبَارِي مَحَلٌّ لِلْحَوَادِثِ (مَا حُكْمُهُمْ) .
(قَالَ) فِي الْجَوَابِ (كافرشوند) أَيْ صَارُوا كَافِرِينَ (بِي شك) بِلَا شَكٍّ إذْ عَدَمُ كَوْنِهِ تَعَالَى مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ ثَابِتٌ بِالْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ (وَفِيهَا سُئِلَ عَنْ) (مَنْ قَالَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَالِمٌ بِذَاتِهِ) أَيْ ذَاتُهُ عَيْنُ عِلْمِهِ (وَلَا يَقُولُ لَهُ الْعِلْمُ قَادِرٌ بِذَاتِهِ وَلَا يَقُولُ لَهُ الْقُدْرَةُ) وَكَذَا سَائِرُ صِفَاتِهِ (وَهُمْ الْمُعْتَزِلَةُ) وَكَذَا الْفَلَاسِفَةُ إذْ عِنْدَهُمَا أَنَّ جَمِيعَ صِفَاتِهِ تَعَالَى عَيْنُ ذَاتِهِ (هَلْ يُحْكَمُ بِكُفْرِهِمْ أَمْ لَا قَالَ يُحْكَمُ) بِكُفْرِهِمْ (لِأَنَّهُمْ يَنْفُونَ الصِّفَاتِ) (وَمَنْ نَفَى الصِّفَاتِ فَهُوَ كَافِرٌ) أَقُولُ إنَّمَا يَلْزَمُ الْكُفْرُ لَوْ كَانَ إنْكَارُهُمْ أَصْلَهَا وَأَثَرَهَا.
وَأَمَّا لَوْ كَانَ إنْكَارُهُمْ إيَّاهَا مَعَ إثْبَاتِ نَتَائِجِهَا وَغَايَاتِهَا فَلِزُومُ الْكُفْرِ قَابِلٌ لِلْكَلَامِ إذْ عِنْدَهُمْ أَنَّ الذَّاتَ كَافٍ فِي الِانْكِشَافِ بِلَا احْتِيَاجٍ إلَى أَمْرٍ آخَرَ بَلْ مُرَادُهُمْ مِنْ ذَلِكَ هُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّوْحِيدِ، وَالْكَمَالِ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ الدَّوَانِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ مَسْأَلَةَ زِيَادَةِ الصِّفَاتِ وَعَدَمِ زِيَادَتِهَا لَيْسَتْ مِنْ الْأُصُولِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا تَكْفِيرُ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ بَلْ إنَّمَا يُدْرَكُ أَمْثَالُهَا بِالْكَشْفِ وَمَنْ أَسْنَدَ إلَى غَيْرِ الْكَشْفِ فَعَلَى اعْتِقَادِهِ بِغَالِبِ ظَنِّهِ بِحَسَبِ النَّظَرِ الْفِكْرِيِّ فَلَا بَأْسَ فِي اعْتِقَادِ أَحَدِ طَرَفَيْ النَّفْيِ، وَالْإِثْبَاتِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ انْتَهَى فَلْيُتَأَمَّلْ فِيهَا.
(وَفِيهَا إنْ) (اعْتَقَدَ أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى رِجْلًا) (وَهِيَ الْجَارِحَةُ) الْمُسْتَلْزِمَةُ لِلْجِسْمِيَّةِ قَيَّدَ بِهَذَا الِاعْتِقَادِ إذْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ إطْلَاقُ الْقَدَمِ عَلَيْهِ تَعَالَى وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَطْلُبُ النَّارُ الزِّيَادَةَ حَتَّى يَضَعَ الْجَبَّارُ فِيهَا قَدَمَهُ» فَقِيلَ لِلتَّعْظِيمِ وَقِيلَ وَقِيلَ.
(يَكْفُرُ وَفِيهَا وَمَنْ) (قَالَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جِسْمٌ لَا كَالْأَجْسَامِ) الَّتِي تَتَرَكَّبُ مِنْ الْأَجْزَاءِ وَكَانَ لَهَا طُولٌ وَعَرْضٌ وَعُمْقٌ (فَهُوَ مُبْتَدِعٌ) لِعَدَمِ وُرُودِ الشَّرْعِ وَلِإِيهَامِهِ الْجِسْمَ الْمَنْفِيَّ (وَلَيْسَ بِكَافِرٍ) ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ بِمَعْنَى الذَّاتِ أَوْ النَّفْسِ أَوْ الشَّيْءِ وَإِطْلَاقُهَا عَلَيْهِ تَعَالَى جَائِزٌ وَهَذَا إنَّمَا لَا يَكُونُ كُفْرًا إذَا لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْ خَوَاصِّ الْجِسْمِ كَالْحَيِّزِ، وَالْجِهَةِ إلَى أَنْ لَا يَبْقَى إلَّا اسْمُ الْجِسْمِ وَإِلَّا فَكُفْرٌ أَيْضًا.
(وَفِيهَا وَمَنْ) (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ فِي السَّمَاءِ) (إنْ أَرَادَ بِهِ الْمَكَانَ كَفَرَ) لِاسْتِلْزَامِهِ احْتِيَاجَهُ تَعَالَى إلَى السَّمَاءِ، وَقِدَمِهِ إذْ قِدَمُ الْمُتَمَكِّنِ يَسْتَلْزِمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute