للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا الِاحْتِمَالِ بِعَدَمِ الِاحْتِمَالِ الْآخَرِ.

(وَفِي التَّحْبِيرِ) بِالْفَوْقِيَّةِ فَالْمُهْمَلَةِ فَالْمُوَحَّدَةِ فَالتَّحْتِيَّةِ اسْمُ كِتَابٍ (وَهُوَ) أَيْ الْكُفْرُ (الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي التَّجَسُّمِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا، يَشْكُلُ ذَلِكَ بِمَا قَالُوا: إنَّهُ لَا يُفْتَى بِالْكُفْرِ فِي مَسْأَلَةٍ اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِهَا كُفْرًا، وَالْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ الْأَصَحُّ أَنَّ وَرَاءَهُ قَوْلًا آخَرَ صَحِيحًا وَهَذَا أَصَحُّ مِنْهُ.

قَالَ فِي تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ وَلَا يُفْتَى بِتَكْفِيرِ مُسْلِمٍ أَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَحْمَلٍ حَسَنٍ أَوْ كَانَ فِي كُفْرِهِ خِلَافٌ وَلَوْ رِوَايَةً ضَعِيفَةً وَنُقِلَ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ الطَّحَاوِيِّ لَا يُكَفَّرُ مُسْلِمٌ مَا لَمْ يُتَيَقَّنْ الرِّدَّةُ إذْ الْإِسْلَامُ الثَّابِتُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ مَعَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَيَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ لَا يُبَادِرَ بِتَكْفِيرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مَعَ أَنَّهُ يُقْضَى بِصِحَّةِ إسْلَامِ الْمُكْرَهِ.

وَعَنْ النَّوَوِيِّ يَنْبَغِي أَنْ يَحْمِلَ إخْوَانَهُ عَلَى مَحَامِلَ حَسَنَةٍ فِي كُلِّ نُقْصَانٍ إلَى السَّبْعِينَ وَحَاصِلُ مَا نُقِلَ عَنْ السُّبْكِيّ لَا يُجْتَرَأُ عَلَى إكْفَارِ مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ إذْ التَّكْفِيرُ أَمْرٌ هَائِلٌ عَظِيمُ الْخَطَرِ كَالْحُكْمِ بِالْخُلُودِ فِي النَّارِ وَإِبَاحَةِ الدَّمِ، وَالْمَالِ، وَحُرْمَةِ النِّكَاحِ وَعَدَمِ إجْرَاءِ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ حَيًّا وَمَيِّتًا ثُمَّ إكْفَارُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، وَغَيْرِهَا فِي غَايَةِ الْخَفَاءِ لِكَثْرَةِ الشِّعَابِ وَاخْتِلَافِ الْقَرَائِنِ وَتَفَاوُتِ الدَّوَاعِي وَخَفَاءِ التَّأْوِيلِ وَفَرْقِ الْأَلْفَاظِ الْمُؤَوَّلَةِ عَنْ غَيْرِهَا وَطُرُقِ التَّأْوِيلِ مِنْ الْمَعَانِي الْمُشْتَرَكَةِ وَأَنْوَاعِ الْمَجَازَاتِ، وَالِاسْتِعَارَاتِ، وَوُجُوهِ الْكِنَايَاتِ فَالتَّكْفِيرُ لَيْسَ إلَّا لِمَنْ صَرَّحَ بِالْكُفْرِ عَلَى وَجْهٍ يَنْسَدُّ بِهِ أَبْوَابُ التَّأْوِيلِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ لَا يُفْتَى بِتَكْفِيرِ مُسْلِمٍ أَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَحْمَلٍ حَسَنٍ أَوْ كَانَ فِي كُفْرِهِ اخْتِلَافٌ وَلَوْ رِوَايَةً ضَعِيفَةً فَأَكْثَرُ أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ لَا يُفْتَى بِهَا، وَقَدْ أَلْزَمْت نَفْسِي أَنْ لَا أُفْتِيَ بِشَيْءٍ مِنْهَا انْتَهَى.

قَالَ فِي الْمَوَاقِفِ: وَلَا يُكَفَّرُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ إلَّا بِمَا فِيهِ نَفْيُ الصَّانِعِ الْقَادِرِ الْعَلِيمِ أَوْ بِشِرْكٍ أَوْ إنْكَارِ مَا عُلِمَ مَجِيئَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ ضَرُورَةً أَوْ إنْكَارِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ كَاسْتِحْلَالِ الْمُحَرَّمَاتِ.

قَالَ الشَّارِحُ الشَّرِيفُ أَيْ الَّتِي أُجْمِعَ عَلَى حُرْمَتِهَا وَكَانَتْ مِمَّا عُلِمَ ضَرُورَةً وَإِلَّا فَإِنْ إجْمَاعًا ظَنًّا فَلَا كُفْرَ وَإِنْ قَطْعِيًّا فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ ثُمَّ قَالَ مُصَنِّفُهُ وَأَمَّا مَا عَدَاهُ فَالْقَائِلُ بِهِ مُبْتَدِعٌ غَيْرُ كَافِرٍ وَلِلْفُقَهَاءِ فِي مُعَامَلَتِهِمْ خِلَافٌ هُوَ خَارِجٌ عَنْ فَنِّنَا هَذَا انْتَهَى.

وَنَقَلَ الدَّوَانِيُّ عَنْ أَوَّلِ شَرْحِ الْمَوَاقِفِ أَنَّ جَمِيعَ مَا كَفَّرَ بِهِ الْفُقَهَاءُ رَاجِعٌ إلَى أَحَدِ مَا ذُكِرَ انْتَهَى فَعَلَى هَذَا لَا يَخْرُجُ عَنْ فَنِّنَا فَافْهَمْ.

(وَفِيهَا) أَيْ التتارخانية (لَوْ قَالَ: إنَّهُ مَكَانِي) أَيْ لَا مَكَانَ (زتو) أَوْ مِنْك وَالْخِطَابُ لَهُ تَعَالَى (خَالِي) يَعْنِي لَيْسَ مَكَانٌ خَالٍ مِنْك (نه تو) مَا أَنْتَ (در هيج مكاني) أَيْ فِي مَكَان وَاحِدٍ (فَهَذَا كُفْرٌ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ نِسْبَةَ الْمَكَانِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى.

قِيلَ رَأَيْت فِي حَوَاشِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّ هَذَا مِصْرَاعٌ مِنْ غَزْلٍ يُتَغَنَّى بِهِ، وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَتَغَنَّوْنِ فِي مَجَالِسِ عُلَمَاءِ الزَّمَانِ وَلَا يُنْكِرُونَ عَلَيْهِمْ، وَالْفُقَهَاءُ مُطْبِقُونَ عَلَى أَنَّهُ كُفْرٌ انْتَهَى.

وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ عَلَى مَا فُصِّلَ آنِفًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُكَفَّرَ إذْ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ نَفْيُهُ قَرِينَةً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ إثْبَاتِهِ نَحْوُ شُمُولِ عِلْمِهِ وَأَثَرِ قُدْرَتِهِ وَدُخُولِهِ تَحْتَ تَصَرُّفِ حُكْمِهِ لَعَلَّ مُرَادَ الْفُقَهَاءِ عَلَى تَصْرِيحِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ إرَادَةِ نَحْوِ تِلْكَ التَّأْوِيلَاتِ وَتَصْرِيحِهِ بِإِرَادَةِ ظَاهِرِهِ أَوْ بِإِثْبَاتِ خَوَاصِّهِ وَلَوَازِمِهِ (وَفِيهَا رَجُلٌ) .

(قَالَ عِلْم خِدَا) أَيْ اللَّهُ (دِرْهَمه مَكَانِي هُسَّتْ) مَوْجُودٌ فِي كُلِّ مَكَان (هَذَا خَطَأٌ) ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْعِلْمِ فِي الْمَكَانِ يَقْتَضِي كَوْنَ الْعَالَمِ فِيهِ إذْ وُجُودُ الصِّفَةِ فِي مَحَلٍّ فَرْعُ وُجُودِ الْمَوْصُوفِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ يَشْكُلُ ذَلِكَ بِمَا فِي حَاشِيَةِ الْخَيَالِيِّ عَنْ الْغَيْرِ أَنَّ اللُّزُومَ غَيْرُ الِالْتِزَامِ وَلَا كُفْرَ إلَّا بِالِالْتِزَامِ وَيُجَابُ بِمَا أَجَابَ هُوَ أَنَّ لُزُومَ الْكُفْرِ الْمَعْلُومِ كُفْرٌ أَيْضًا وَلِذَا.

قَالَ فِي الْمَوَاقِفِ مَنْ يَلْزَمُهُ الْكُفْرُ وَلَا يَعْلَمُ بِهِ فَلَيْسَ بِكَافِرٍ انْتَهَى ظَاهِرُهُ أَنَّ الْجَهْلَ عُذْرٌ، لَعَلَّ الْحَقَّ أَنَّ الْمَبْنِيَّ أَنَّ اللُّزُومَ إنْ بَيَّنَّا لَا سِيَّمَا بِمَعْنَى الْأَخَصِّ فَكُفْرٌ وَإِلَّا فَلَا ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ عِلْمَهُ تَعَالَى شَامِلٌ لِجَمِيعِ الْأَمْكِنَةِ وَمُحِيطٌ بِهَا، لَعَلَّ مُرَادَ الْفُقَهَاءِ عِنْدَ قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ عِنْدَ هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>