ثُمَّ هَزَمَهُمْ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَقَاتَلَهُمْ فِي خِلَافَةِ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَفَرَّقَ جَمْعَهُمْ وَلَمَّا قُتِلَ مُصْعَبٌ تَعَاضَدَتْ شَوْكَتُهُمْ فَأَضَرُّوا الْعِبَادَ فَبَعَثَ إلَيْهِمْ الْحَجَّاجُ الْمُهَلَّبَ بْنَ أَبِي صُفْرَةَ وَامْتَدَّ الْحَرْبُ إلَى نَحْوِ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَالْغَلَبَةُ فِي الْأَكْثَرِ لِلْخَوَارِجِ مَعَ أَنَّ الْحَجَّاجَ لَمْ يُقَصِّرْ فِي الْإِمْدَادِ إلَى أَنْ انْهَزَمُوا فَانْقَطَعَ شَرُّهُمْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَوَّلُ ظُهُورِهِمْ أَوَاخِرُ صِفِّينَ وَآخِرُ مُدَّتِهِمْ أَوَاخِرُ مُدَّةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ (فِي إكْفَارِهِمْ جَمِيعَ الْأُمَّةِ) الَّذِينَ أَنْكَرُوا عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَرْضَوْا أَفْعَالَهُمْ.
(وَفِي إكْفَارِهِمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرَ وَعَائِشَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -) وَابْنَ عَبَّاسٍ وَمَنْ قَعَدَ عَنْ الْقِتَالِ مَعَهُمْ، وَسَائِرَ الْمُسْلِمِينَ وَأَبَاحُوا قَتْلَ صِبْيَانِ مُخَالِفِيهِمْ وَنِسْوَانِهِمْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِكَوْنِ أَوَّلِهِمْ عِنْدَ وَقْعَةِ التَّحْكِيمِ فِي صِفِّينَ، لَعَلَّ أَوَّلَهُمْ عِنْدَ وَقْعَةِ عُثْمَانَ حِين خَرَجُوا عَلَيْهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَأَوْقَعُوا حَرْبَ الدَّارِ إلَى شَهَادَةِ عُثْمَانَ كَمَا قِيلَ، لَعَلَّ تَخْصِيصَهُمْ بِمَا ذُكِرَ قِصَّةُ حَرْبِ الْجَمَلِ إذْ أَرْبَابُ الرَّأْيِ فِي تِلْكَ الْحَرْبِ هُمْ هَؤُلَاءِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، لَعَلَّ وَجْهَ الْإِكْفَارِ بِإِكْفَارِهِمْ هَذَا اسْتِلْزَامُ إنْكَارِ النَّصِّ، وَالْإِجْمَاعِ أَنَّهُمْ مُبَشَّرُونَ بِالْجَنَّةِ لَكِنْ يَشْكُلُ أَنَّ إكْفَارَ مُسْلِمٍ مُطْلَقًا، وَالرِّضَا بِكُفْرِهِ كُفْرٌ وَهَذَا مُشْتَرَكٌ فِي الْجَمِيعِ نَعَمْ إنَّ الْكُفْرَ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ وَهُنَا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ.
(وَيَجِبُ إكْفَارُ الْيَزِيدِيَّةِ) فِرْقَةٌ مِنْ الْخَوَارِجِ أَصْحَابُ يَزِيدَ بْنِ أُنَيْسَةَ (فِي انْتِظَارِ نَبِيٍّ مِنْ الْعَجَمِ يَنْسَخُ مِلَّةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) بِكِتَابٍ يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ جُمْلَةً وَاحِدَةً عَلَى دِينِ الصَّابِئَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ وَجْهُ الْكُفْرِ وَاضِحٌ إذْ كَوْنُهُ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَبَقَاءُ شَرِيعَتِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثَابِتٌ بِأَدِلَّةٍ قَطْعِيَّةٍ بَلْ مِنْ الضَّرُورَاتِ الدِّينِيَّةِ.
(وَيَجِبُ إكْفَارُ النَّجَّارِيَّةِ) أَصْحَابُ حُسَيْنِ بْنِ النَّجَّارِ (فِي نَفْيِهِمْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى) كَالْمُعْتَزِلَةِ فَالْكَلَامُ كَالْكَلَامِ (وَفِي قَوْلِهِمْ: إنَّ الْقُرْآنَ جِسْمٌ إذَا كُتِبَ) فَكَاغِدٌ وَحِبْرٌ (وَعَرَضٌ إذَا قُرِئَ) لِاسْتِلْزَامِهِ حُدُوثَ الْقُرْآنِ وَكَوْنِهِ تَعَالَى مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ.
(وَفِيهَا) أَيْ التتارخانية (وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي) (إكْفَارِ الْمُجْبِرَةِ) أَيْ الْجَبْرِيَّةِ بِقَوْلِهِمْ يَكُونُ الْعَبْدُ مَجْبُورًا فِي أَفْعَالِهِ فَيَكُونُ فِعْلُ الْعَبْدِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ فَقَطْ بِلَا قُدْرَةٍ مِنْ الْعَبْدِ أَصْلًا خِلَافَ الْقَدَرِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِكَوْنِ فِعْلِ الْعَبْدِ بِخَلْقِ الْعَبْدِ بِلَا قُدْرَةٍ مِنْ اللَّهِ وَأَهْلُ الْحَقِّ مُتَوَسِّطٌ كَمَا بُيِّنَ فِي مَحِلِّهِ (فَمِنْهُمْ مَنْ أَكْفَرَهُمْ) لِاسْتِلْزَامِهِ إبْطَالَ قَاعِدَةِ التَّكْلِيفِ وَكَوْنَ تَكْلِيفِهِ سَفَهًا (وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَى إكْفَارَهُمْ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute