للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مُشْكِلٌ مِنْ وُجُوهٍ:

أَمَّا أَوَّلًا فَإِنَّهُ سُوءُ ظَنٍّ وَحُسْنُ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ، وَالْحَمْلُ عَلَى الصَّلَاحِ لَازِمٌ.

وَأَمَّا ثَانِيًا: فَإِنَّهُ كَيْفَ يُقَدَّمُ حَمَّادٌ وَيَجْهَلُ عَلَى مَا يُوجِبُ الْكُفْرَ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ، وَالْمُجْتَهِدِينَ بَلْ عُدَّ هُوَ مِنْ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ مِنْهُمْ.

وَأَمَّا ثَالِثًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ إكْفَارُ حَمَّادٍ مَعَ جَمِيعِ مَنْ نَاظَرَ مَعَهُ.

إذْ حَاصِلُ مَا ذُكِرَ أَنْتُمْ فِي مُنَاظَرَتِكُمْ فِي الْكَلَامِ مُرِيدُونَ كُفْرَ أَصْحَابِكُمْ وَكُلُّ مَرِيدٍ ذَلِكَ كَافِرٌ فَأَنْتُمْ فِي مُنَاظَرَتِكُمْ كَافِرُونَ. أَقُولُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ الْإِمَامِ بِنَاءً عَلَى فَهْمِهِ ذَلِكَ مِنْ الْقَرَائِنِ وَعَلَى طَرِيقِ النَّصِيحَةِ لِكَمَالِ الشَّفَقَةِ. وَقَوْلُهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ يُرِيدُ إلَى آخِرِهِ قَضِيَّةٌ مُمْكِنَةٌ لَا فِعْلِيَّةٌ أَيْ لَا يَأْمَنُ مِنْ تِلْكَ الْإِرَادَةِ بَلْ يَتَوَقَّعُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَعَنْ أَبِي اللَّيْثِ الْحَافِظِ) الظَّاهِرِ حَافِظِ الْحَدِيثِ وَهُوَ مَنْ أَحَاطَ عِلْمُهُ بِمِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ مَتْنًا وَإِسْنَادًا وَهُوَ غَيْرُ أَبِي اللَّيْثِ الْفَقِيهِ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا سَمَرْقَنْدِيًّا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَهُوَ كَانَ بِسَمَرْقَنْدَ) مِنْ بُلْدَانِ بُخَارَى (مُقَدَّمَاتٌ فِي الزَّمَانِ عَلَى الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ) الْمَشْهُورِ صَاحِبِ التَّنْبِيهِ، وَالتَّفْسِيرِ، وَالْبُسْتَانِ.

(قَالَ) (مَنْ اشْتَغَلَ بِالْكَلَامِ) عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مَرْضِيٍّ وَوَرَاءَ حَاجَةٍ تَوْفِيقًا لِكَلَامِهِمْ وَإِلَّا فَتَنَاقَضَ (مُحِيَ) بِالْمَفْعُولِ (اسْمُهُ) أَيْ نَفْسُهُ (مِنْ دَفْتَرِ الْعُلَمَاءِ) لِكُفْرِهِ أَوْ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَدِّ بِهَا لِفِسْقِهِ.

وَلِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تَجُوزُ إمَامَةُ الْمُتَكَلِّمِ وَإِنْ عَلَى الْحَقِّ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَطَاءَ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ الْعَوَامَّ وَإِنْ اعْتَقَدُوا كَوْنَهُ عَالِمًا لَكِنَّهُ لَيْسَ بِعَالَمٍ كَمَا فِي الْبَزَّازِيِّ.

(وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (قَالَ يُكْرَهُ الْخَوْضُ فِي الْكَلَامِ مَا لَمْ تَقَعْ شُبْهَةٌ) لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ يَجِبُ حَلُّهَا لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ مَنْعِ حَمَّادٍ هُوَ الْحُرْمَةُ إلَّا أَنْ يُرَادَ مِنْ الْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ فَهِيَ نَفْسُ الْحَرَامِ أَوْ قَرِيبَةٌ أَوْ يُحْمَلُ نَهْيُ حَمَّادٍ عَلَى التَّنْزِيهِ لَا التَّحْرِيمِ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فَإِنَّ النَّهْيَ كَمَا يَكُونُ لِلتَّحْرِيمِ قَدْ يَكُونُ لِلتَّنْزِيهِ كَمَا فِي الْأُصُولِ (فَإِذَا وَقَعَتْ شُبْهَةٌ وَجَبَتْ إزَالَتُهَا) لَا يَخْفَى أَنَّ إزَالَتَهَا مُحْتَاجَةٌ إلَى رُسُوخِ الْقَوَاعِدِ الْكَلَامِيَّةِ وَحُضُورِ مُقَدَّمَاتِهَا وَمَبَادِئِهَا لَدَيْهَا وَهُوَ مُقْتَضٍ لِلِاشْتِغَالِ إلَّا أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى الِاشْتِغَالِ الْخَوْضُ بَعْدَ الْحُصُولِ، وَالدَّوَامِ، وَالتَّكْرَارِ بِلَا دَاعٍ (كَمَنْ يَكُونُ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ يَنْبَغِي) يَجِبُ عَلَيْهِ (أَنْ لَا يُوقِعَ نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ) عَقْلًا وَشَرْعًا أَمَّا شَرْعًا فَنَحْوُ قَوْله تَعَالَى. {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥] .

(فَإِنْ وَقَعَ) فِي الْبَحْرِ (وَجَبَ عَلَيْنَا) شَرْعًا (إخْرَاجُهُ) مِنْ الْبَحْرِ قَالَ الْمُحَشِّي شَبَّهَ عِلْمَ الْكَلَامِ بِالْبَحْرِ؛ لِأَنَّهُ غَالِبًا سَبَبٌ لِلْهَلَاكِ الدُّنْيَوِيِّ وَقِيلَ فَكَذَلِكَ صَاحِبُ الشُّبْهَةِ إذَا عَرَضَتْ لَهُ أَوْ اطَّلَعَ أَنَّهَا فِي غَيْرِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ رَفْعُهَا وَإِزَالَتُهَا (انْتَهَى) كَلَامُ التَّتَارْخَانِيَّة.

(أَقُولُ أَفَادَ) أَيْ الْقَوْلُ الْأَخِيرُ لِلْإِمَامِ (أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ) كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَجَبَ عَلَيْنَا إزَالَتُهَا وَقَوْلُهُ: وَإِنْ وَقَعَ وَجَبَ عَلَيْنَا إخْرَاجُهُ.

قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة الِاشْتِغَالُ بِالْكَلَامِ بِدْعَةٌ وَاشْتِغَالٌ بِمَا لَا يَعْنِي عِنْدَ السَّلَف لَكِنْ بِحُكْمِ ضَرُورَةِ دَفْعِ شُبْهَةِ الْمُبْتَدِعَةِ كَانَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ. لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ النُّقُولِ إثْبَاتُ قَدْرِ النَّهْيِ وَرَاءَ الْحَاجَةِ وَيَقْتَضِي هَذَا كَوْنَ الْمَقْصُودِ إثْبَاتَ أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ بَابُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ بَلْ بَابُهُ قَدْ تَقَدَّمَ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا اسْتِطْرَادِيٌّ.

وَأَمَّا الْمَقْصُودُ مِنْ النُّقُولِ أَعْنِي إثْبَاتَ قَدْرِ الْمَنْهِيِّ فَوَاضِحٌ صَرَاحَةً وَإِشَارَةً وَكِنَايَةً مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّصْرِيحِ بِالذِّكْرِ لَكِنْ لَا يَدْفَعُ الْأَوْلَوِيَّةَ كَمَا لَا يَخْفَى (لَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْلَمَهُ أَوْ يَتَعَلَّمَهُ إلَّا كُلُّ ذَكِيٍّ) فَطِنٍ لَبِيبٍ قَادِرٍ عَلَى تَمْيِيزِ الْقَوِيِّ مِنْ الضَّعِيفِ، وَالْحَقِّ مِنْ الْبَاطِلِ سِيَّمَا عِنْدَ وُرُودِ شُبَهِ الْخُصُومِ عَلَى صُوَرِ الْأَدِلَّةِ الْبُرْهَانِيَّةِ (مُتَدَيِّنٍ) لَا يَظْهَرُ لِهَذَا الْقَيْدِ فَائِدَةٌ مُعْتَدَّةٌ بِهَا (مُجِدٍّ) صَاحِبِ جِدٍّ وَسَعْيٍ لِغُمُوضَةِ أَسْرَارِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>